تعليق حول منشور الاستاذ الباحث عمرو الملاح عن نصه التاريخي في تحليل القصة الشهيرة عن جر بعض العائلات الدمشقية لعربة غورو حين دخلها بعد معركة ميسلون .
سبق لي ان بينت اسباب ظهور هذه الشائعة التي لم تحصل في واقع الحدث وانما يحتمل أنها حصلت حين وصل غليوم الثاني امبراطور المانيا خلال زيارته لدمشق كضيف السلطنة العثمانية عام ١٨٩٨ ، ولا علاقة لغورو من قريب او بعيد بهذه الرواية … بالرغم من الاشارة اليها من قبل رئيس الوزراء خالد العظم في مذكراته ..
أؤكد أن امامي الآن اكثر من عشرين الف صفحة من الاوراق المجهولة لتاريخ الثورة العربية الكبرى وما جرى بعدها من صراعات حين خروج جيش السلطنة العثمانية من أوراق وشهادات من حضر ميسلون بالذات ومنهم المقدم صبحي العمري قائد خيالة ميسلون والفريق تحسين الفقير واللواء حسن الهندي وغيرهم ومن الذين دونوا شهاداتهم عن مهاوي واخطاء ميسلون وخيانات المعركة .. خطوة بخطوة .. وأكد الجميع ان الذي دخل دمشق ليس غورو بل الجنرال غوابيه ..ومن ثم لحق به هنري غورو في القطار قادما من عالية في لبنان بعد عدة أيام ، مصطحبا سيارته الرينو الفرنسية ، وهو بذلك ينفي أن يكون قد ركب بعربة تجرها الاحصنة ، وفي يوم الاستعراض العسكري ، ركب غورو حصانه كما ظهر في حينه بالصور، و لم تسجل هذه الحادثة على أهميتها في كل محفوظات الارشيف الفرنسي الذي أرخ للانتداب ..
وأؤكد مرة اخرى على اهمية التدقيق والبحث التاريخي المستند الى التوثيق كما ورد في نص الصديق الباحث عمرو الملاح ، ومن كان لديه صورة او وثيقة بصرية وشهادة مباشرة ومسجلة لهذا العمل فليقدمها ..
أما سبب ظهور هذه الشائعة فهو تنافس بعض زعامات الأسر الدمشقية ، وأصحاب المصالح في الاساءة لبعض العائلات المنافسة في الادوار القادمة التي كان الهدف منها اسباب لن تخف عن مرشحي الانتخابات البرلمانية و الزعامات السياسية في تلك المرحلة … وتأكيدا لما ورد في نص الصديق الملاح أؤكد على ما جاء بالنص في كتاب المرحوم صبحي العمري عن ميسلون وهو الذي رافق الملك فيصل حتى بعد خروجه من دمشق ، إذ يقول في الصفحة 188 بعد يومين على موقعة ميسلون : في مساء يوم 27 تموز اي في اليوم نفسه الذي عدنا فيه الى دمشق سلم الكولونيل تولا الى جلالة الملك فيصل الكتاب التالي ( أتشرف بابلاغ سموكم قرار الجمهورية الفرنسية بأنها ترجو منكم بأن تغادروا دمشق باسرع ما يستطاع بسكة حديد الحجاز مع عائلتكم وحاشيتكم وسيكون تحت تصرف سموكم قطار يتحرك من محطة الحجاز غدا في 28 تموز الساعة الخامسة صباحا ) فرد جلالة الملك على هذا الكتاب ببرقية احتجاج مطولة للجنرال غورو( كان حينها في بيروت ) جاء فيها أنه لايعترف للحكومة الفرنسية بحق نزع اختصاص منحه له مؤتمر الصلح رسميا لادارة المنطقة الشرقية ولا نزع اللقب الذي منحه اياه الشعب وأن هذا الإجراء يخالف جميع المعاهدات والاتفاقات والقرارات التي سبقته وسلم هذا الاحتجاج الى جميع قناصل الدول في دمشق إلا أنه لم يكن من بد من تنفيذ هذا الحكم ولو كان جائرا ، وكان سابقا في مناقشته مع أركان حكومته عن الخيارات الواجب عملها بعد هزيمة ميسلون تم الاقتراح أن يؤلف وزارة تنال رضا الفرنسيين ولما كان يعرف انهم يعتمدون على علاء الدين الدروبي فقد أرسل إليه مرسوما بتأليف وزارة جديدة مرفقة بقائمة تحتوي على أسماء الوزارات موقعة على بياض ليقوم هو بإملائها بالأشخاص الذين يختارهم .. وهكذا عاد بالقطار نفسه التي جاءت به الوزارة .. الصفحة 187 ويعلق العمري بالحاشية أن الملك فيصل كان ينتظر ان يخرجه الفرنسيون من دمشق ولكنه قبل بالعمل بنصيحة القنصل الايطالي ، أن يخرج بالقوة بدل أن يخرج كفار من ميدان المعركة .
ويتضح من هذه الشهادة وغيرها أن لا أحد سلم مفاتيح المدينة وهلل لغورو ورفع رسن الخيول وجر عربته لأن غورو لم يدخل دمشق الا بعد ان دخلها الجنرال غوابيه بعشرة ايام كما تبين من تأريخ الجريدة الرسمية الصادرة في 9 آب 1920ضمن بروتوكول محدد لم يجر فيه كل هذا التهريج المبالغ به والقصد منه تزوير الحقيقة والتاريخ والتشهير ببعض العائلات الدمشقية لصالح رعاع الحكم الذي تبنوا هذه الرواية فيما بعد ، نقلا عن رجل دولة من مثال خالد العظم والذي لم يذكر أنه شاهد هذه الحادثة بل رواها في سياق قصص متكررة سمعها عبر التاريخ من الترحيب بالمستعمر الغازي ، وهذا كان يحصل عبر التاريخ الطويل من المظالم والهزائم والنفاق للحاكم ، ولكن لا يمنع إسناد رواية خالد العظم للتحري في دقة و صدقية أية رواية تاريخية من مصادرها الاصلية ، لا من عواطف الناس وشفاهية مروياتهم .. والله أعلم .