فيلم وثائقي نادر.. تم تصويره في مدينة برلين الألمانية بتاريخ 14-5-1945.. أي بعد أسبوع واحد فقط من إنتهاء الحرب العالمية الثانية.. ..
ماذا فعلت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ؟
بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية و استسلامها في 8 مايو/ أيار 1945… كانت الأوضاع الاقتصادية و المالية كارثية نتيجة للأضرار الجسيمة التي ألحقتها الحرب ببنيتها الأساسية وبمرافقها الاقتصادية.. و نتيجة للديون والمبالغ الطائلة التي تعهدت المانيا بدفعها كتعويضات لدول الحلفاء المنتصرة..
ثلثا البلاد مدمّر
دمر ثلثا البلاد بالكامل خاصة المدن الألمانية الكبرى التى سويت اكثر من نصف مساكنها بالأرض… و فقدت ألمانيا 3.3 مليون عسكري.. و 3.8 مليون مدني.. و بلغ عدد أسرى الحرب الالمان نحو 11 مليون أسير بقي 6 ملايين منهم في المعسكرات السوفييتية حتى عام 1948.. و أرسلت قوات الحلفاء عدة ملايين من الأسرى الآخرين إلى كل من فرنسا و بولونيا و إنكلترا للعمل بالسخرة من أجل إعادة بناء هذه الدول و إصلاح ما دمرته جيوش النازية..
نساء الأنقاض
كان التحدي الأول الذى جابهته ألمانيا المدمرة والمحتلة بعد الحرب هو نقص الرجال (عدد سكان ألمانيا بعد الحرب 27 مليون.. 20 مليون منهم نساء).. و ينظر الألمان بفخر كبير للدور الذى اضطلعت به المرأة الألمانية فى هذه الفترة الصعبة التي برزت فيها ظاهرة “ نساء الأنقاض”.. فقد وجدت النساء الألمانيات أنفسهن مع أطفالهن بلا مأوى و لا مأكل و لا مشرب.. لكنهن شمرن عن سواعدهن وكانت مهمتهن الأولى هى استخراج الحجارة السليمة من بين الأنقاض لإعادة استخدامها مرة أخرى فى البناء.. و إخلاء الأبنية و الشوارع من الأنقاض و نقلها إلى خارج المدن.. و كذلك العمل فى المصانع التى لم تضرر من القصف.. و عاش الألمان ثلاث سنوات بعد الحرب فى ظروف تشبه المجاعة مع تقنين الغذاء و إنعدام الرعاية الطبية بعد حل الصليب الأحمر الألماني و نقص المحروقات للتدفئة فى الشتاء القارس.. فتضاعفت معدلات الوفيات عما كانت عليه اثناء الحرب نفسها!! رغم ذلك تضافرت جهود النساء مع اللاجئين الوافدين من عدة بلدان في أوروبة الشرقية و تركيا لإزالة آثار الدمار و إعادة بناء ما يمكن بناؤه..
المارك فقد قيمته
خلال السنوات الاولى التي أعقبت الحرب فقدت العملة الألمانية (المارك) قيمتها ومكانتها كعملة متداولة و كان التعامل يجري غالبا” بعملات دول الحلفاء المكلفة بإدارة المناطق اﻷربعة التي قسمت إليها الدولة الالمانية بعد استسلامها عام 1945 . وهذه الدول هي: الاتحاد السوفياتي- الولايات المتحدة- بريطانيا- فرنسا..
1948
و في شهر أيار من عام 1948 قررت الدول الغربية توحيد المناطق الثلاث التي كانت تحت ادارتها لتشكل ما سمي (ألمانيا الغربية).. أما المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرة الاتحاد السوفياتي فأصبحت منذ عام 1949 (ألمانيا الشرقية)..
وقد أدى اختلاف الظروف والتطورات السياسية في كل من الألمانيتين الى اختلاف اوضاعهما الاقتصادية.. و فيما لم تفلح ألمانيا الشرقية.. فإن اقتصاد ألمانيا الغربية أصبح و خلال فترة قصيرة لا تتعدى عشرة سنوات من أكثر اقتصاديات العالم تطورا و ازدهاراً..
ويرى الخبراء ان العامل الرئيسي الذي أدى الى تعثر التقدم الإقتصادي في ألمانيا الشرقية كان السياسة الاقتصادية المركزة التي أنتهجتها بإيحاء من الاتحاد السوفياتي الذي كان يجد في وجود الفقر و البطالة تربة خصبة لإنتشار الشيوعية.. إضافة الى عوامل أخرى أهمها: إقدام الاتحاد السوفياتي على نقل العديد من المصانع ووسائل الانتاج الصناعية من ألمانيا الشرقية الى المناطق السوفياتية ليعوض نفسه عن الخسائر التي لحقت به أثناء الحرب…
بالاضافة الى أن رفض الاتحاد السوفياتي الانضمام الى مشروع (مارشال) حرم المانيا الشرقية من المساعدات المالية الاميركية التي تمتعت بها كل دول اوروبا الغربية..
مشروع مارشال
مشروع مارشال هو مشروع اقتصادي وضعه الجنرال جورج مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية… الجنرال جورج مارشال كان رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية و أصبح بعدها وزير الخارجية الأميركي في كانون الثاني 1947 .. أعلن مارشال بنفسه هذا المشروع في 5 حزيران 1947 في خطاب امام جامعة هارفرد.. و شكلت حينها هيئة اطلق عليها “منظمة التعاون الاقتصادي الاوربي” للإشراف على إنفاق 12.4 مليار دولار أميركي لإعادة إعمار و ترميم و توسيع البنية التحتية.. و إعادة بناء وتشغيل الاقتصاد و تطوير المشاريع الصناعية الاوربية..(حصلت ألمانيا الغربية منها على مليار دولار)..
بالاضافة الى تلك المساعدات الامريكية.. كان العامل البشري هو العامل الحاسم وبدونه ما كان هناك نهضة.. فقد أظهر الألمان فى ألمانيا الغربية رغم إنكسارهم فى الحرب و وجودهم تحت احتلال فعلي رغبة و إصرارا” كبيرين على العمل الشاق وفقا” لنظام والتزام صارم.. و سرعان ما استعادت ألمانيا الغربية الكثير من قوتها العاملة المؤهلة من خلال اﻷسرى العائدين لبلادهم.. فضلاً عن علماء ألمانيا و مهندسيها و أساتذة الجامعات فيها و خيرة أبنائها الهاربين من النظام النازى الذين قرروا العودة إلى بلادهم من جديد للمساهمة فى عملية إعادة البناء.
روح التضحية والعمل الجماعي
ويشير المؤرخون الألمان إلى روح التضحية و العمل الجماعي التى تميز بها الألمان فى هذه المرحلة.. فقد تراجعت التوترات الاجتماعية بين اللاجئين من أصول ألمانية و بين الألمان أنفسهم و انخرط الجميع فى بناء الدولة الجديدة.. كما ساهمت النقابات فى ذلك بعدم المبالغة فى مطالبها لزيادة الرواتب و تراجعت المطالب الفئوية أمام تحدي بناء ألمانيا الجديدة..
لقد تمكن الألمان الغربيون خلال خمس سنوات فقط من العمل الدؤوب و الشاق من التغلب على تحديات جمة و وضعوا بلادهم المدمرة على طريق الإنطلاق الاقتصادي..
المعجزة الاقتصادية الألمانية
نجح لودفيج إيرهارد وزير الاقتصاد فى حكومة المستشار كونراد اديناور و أبو المعجزة الاقتصادية الألمانية.. في فرض سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي التي أصبحت نموذجا” ألمانيا” يحتذى به.. حيث تمكن من المحافظة على عناصر السوق الحرة و آلياتها التى تحدد الاسعار وفقا” للمنافسة والعرض والطلب.. مع وجود دور للدولة كراع للمصلحة العامة وللبعد الاجتماعي.. تتدخل لمنع كل أشكال الإحتكار..
وفقا لهذا النظام الناجح فإن كل ألماني هو عنصر فاعل فى المجتمع.. مسؤول عن نفسه و تجاه الآخرين و تتدخل الدولة لمساعدته فقط حين يعجز هو عن مساعدة نفسه..
و بفضل المعجزة الإقتصادية تحول المجتمع الألماني إلى مجتمع حديث منتج خدمي إستهلاكي.. نمت معه الطبقة الوسطى و ارتفع فيه مستوى الطبقات الدنيا من فلاحين و مهنيين.. و تآكلت فيه الحدود الصارمة بينهما كما تضاءلت الفروقات بين المدينة والقرية.. و تكون أساس إجتماعي متين يسمح بالتعددية السياسية و إقامة نظام ديمقراطي على أسس سليمة.. على عكس ما كان يتبناه بعض سياسيى ألمانيا فى مرحلة بعد الحرب من ضرورة فرض سياسة إقتصادية مركزية لإنقاذ البلاد..
1990
وبعد إعادة توحيد شطرى المانيا عام 1990 تمكن إقتصاد ألمانيا الغربية القوي من إعادة بناء دولة بكاملها فى الشطر الشرقي.. و كشف ألمان الشرق عن معدنهم الحقيقي و انخرطوا فى العمل للحاق بركب التطور الإقتصادي و الصناعي فى الشطر الغربي..
و في الوقت الراهن يعتبر إقتصاد ألمانيا خامس أكبر إقتصاد في العالم و أهم اقتصاديات الاتحاد الاوروبي.. كذلك تقف ألمانيا في طليعة الدول المصدرة في العالم.. .