الأوراق المجهولة لـ:”صبحي العمّري” ..تحقيق: سعد فنصة

صدر اليوم كتاب جديد للباحث “سعد فنصة “Saad Fansa
صبحي العمري
1973-1898
الاوراق المجهولة
مئة عام مضت على إنتصارالثورة العربية الكبرى 1918-2018 والمشرق العربي التي ابتلع ” سايكس بيكو ” قبل قرن من الزمان ،على طريق قسمة جديدة ، تنبئ عنها ظلالها ، ولكن ليس هذا ما يتحدث عنه الكتاب …

صبحي العمري 1973-1898 الأوراق المجهولة

[ult_ihover thumb_shape=”square” thumb_height_width=”180″][ult_ihover_item title=”سعد فنصة” thumb_img=”id^63039|url^https://ebd3.net/wp-content/uploads/2018/05/سعد-فنصة.jpg|caption^null|alt^null|title^سعد فنصة|description^null” hover_effect=”effect14″ title_font_color=”#2cd3b4″ desc_font_color=”#0b80b8″ info_color_bg=”#000000″ block_border_size=”1″ title_responsive_font_size=”desktop:22px;” title_responsive_line_height=”desktop:28px;” desc_responsive_font_size=”desktop:12px;” desc_responsive_line_height=”desktop:18px;”]كاتب و مؤرخ و مصور سوري[/ult_ihover_item][/ult_ihover]
جاء قي مقدمة المحقق سعد فنصة 
عندما عَرَضَ الصديق أيهم العمري التحقيق في اوراق ومذكرات والده الضابط العربي صبحي العمري، وافقت فورا لما تختزنه قراءاتي وذاكرتي حول هذه المرحلة التاريخية ، التي خَبِر احداثها وعايش وقائعها بذاته، وكان جزءا مفصليا من إنتصاراتها واخفاقاتها ،ولم يكن صبحي العمري الذي خاض في مطلع شبابه فقط اربعا وأربعين معركة عسكرية، شخصا مجهولا بالنسبة اليّ، وقد اختزنت ذاكرتي في يفاعتي الحوارات والآراء التي استمعت اليها وأثارتها بعد سنوات من صدور كتابه الأول عن لورنس ومذكراته عن الثورة العربية الكبرى بعد رحيله ،

ذلك الحدَث الذي غيّر خارطة المنطقة العربية برمتها، وكشف زيف الإدعاءات التي روجها لورنس في كتابه ( ثورة في الصحراء ) ثم الحقه بآخرحشر فيه قصصا غير واقعية تجاوز الذي سبقه ،اشتُهر بعد مقتله بحادث موتوسيكل عام 1936 بعنوان ( أعمدة الحكمة السبعة ) وهو العمل الأدبي شبه الخيالي الذي قام بالبناء عليه استنادا الى حقائق الثورة العربية الكبرى التي كان له فيها دورٌهام في نسف السكة الحديد التي ربطت الجزيرة العربية ببلاد الشام والسلطنة العثمانية، وحكايا تقرُبِهِ من الملك فيصل بوصفهِ مترجما له خلال مباحثاته مع الحلفاء. هذه الروايات التي نسجها من خلال اتصالاته الحقيقية ،جعلت منه أسطورة لا تُبَز في أذهان القارئ الغربي طوال عقود عندما ظَنَّ قراءُه بأنه يكتب وقائع الثورة العربية الكبرى، وأثبت العمري الذي عَرفهُ عن كثب بأنه كتب قصته الشخصية في تلك الثورة ،كما أراد لها ان تظهر للناس والعامة، في البلدان الناطقة بالإنجليزية وكل أوربا بعد ترجمتها الى عدة لغات، في حين كانت رواية العمري تتطابق في السياق العام لنشاط لورنس، وتتنافر في أكثرها حشوا للمبالغات التي رواها الكولونيل الفخري وعالم الآثارالسابق المغمور، حتى كاد أن يُظهر فيها شخصه بأنه كان القائد العام والموجه الأول للثورة الكبرى، كما دُعيَّت في حينه. إذن كل الإتصال التاريخي من الذاكرة كان متاحا لهذا البحث، ولكن هل تكفي الذاكرة لإستحضار التاريخ وأنا بعيد عن موطني الذي يضم مكتبتي ومصادري والمدونات التي خلفها والدي الكاتب والمؤرخ الراحل بشير فنصة، عندما كان يوثق لمراحل محددة من تاريخ سورية الحديث والمنطقة ، تتقاطع مع توثيق صبحي العمري، كما أن مصادرمهمة تُعد أساسية في البحث عن تلك المرحلة التي ورد ذكر بعض شخصياتها التاريخية ومؤلفاتهم ومصنفاتهم، لم تكن بمتناول يدي في منفاي الحالي ،أذكر بعضها على سبيل المثال لأهميته، في المجلدات الأربع والمعنونة بالمراحل لمؤلفها طيب الذكر عبد الرحمن الكيالي، كذلك مذكرات عبد الرحمن الشهبندر وسعيد الجزائري، ونجيب الريس وغيرهم كثر، ممن دونوا التاريخ الحديث أو القريب للمنطقة المسماة بشرق المتوسط ، لذلك قد يكون التحقق عبر محرك البحث بواسطة الإنترنت ( GOOGLE ( قاصرا ولايفي بالمطلوب مثلما تتيحه الكتب والمراجع المفيدة بالإستطرادات الورقية والشهادات والـتأريخ الموثق من اصحابه وشهوده الحقيقيين . كانت رحلتي مع أوراق العمري آسرة بقدر ما جاءت وعرة، عندما تبيّن لي مسألتين شائكتين، حاولت قدر الإمكان تجاوزهما بأناة وصبر، الأولى : إن ورثة المغفور له صبحي العمري تكرموا بتقديم بضعة آلاف من الأوراق غير المنتظمة الصفحات ،بلا ترقيم كما درجت العادة في تسلسل الأوراق والمخطوطات، فالفصول لا صلة جامعة ببعضها البعض، مختلطة النصوص ،مبعثرة، والثاني : أن المجاهد العمري، عمل رِدحا من حياته على توثيق تاريخ سعى جهده أن يكون عميقا وعريضا وشاملا، وأن ما نُشر منه وصدر حتى اليوم لايُمثل إلا ثُلثَ مشروعه الذي لم يشهدُه يُبصر النور كاملا في رحلة عمره، باستثناء الإصدار الأول والوحيد الذي أشرف عليه ،وأعادت دار رياض الريس للنشر طباعته مع مُؤَلَفين آخرين ،أوردهم حسب تاريخ وتسلسل الإصدار على الشكل الآتي : 1) لورانس كما عرفته – اصدار دار النهار في بيروت عام 1969 2) ثلاثة كتب طبعت في لندن عام 1991 بعد رحيله بثمانية عشر عاما بواسطة دار الريس للطباعة والنشر، بتقديم رياض الريس ذاته ، معدلة وبطباعة أنيقة تحت سلسلة معنونة ( أوراق الثورة العربية) من ثلاثة أجزاء : – الاول: المعارك الأولى – الطريق الى دمشق. – الثاني: لورنس – الحقيقة والاكذوبة (إعادة اصدار مع تعديل عن الإصدار الأول عام 1969) – الثالث: ميسلون – نهاية عهد. لكن يتضح في التفصيل القادم مشروعا لسبعة أجزاء لاحقة لكتبه الثلاث، حقق منها الجزء الأكبر، كما قُدِر لي تَبيّنهُ، ويبدو بأن رحلة العمر لم تُمهلهُ لاستكمالها كاملة، فبقيت منقوصة من خلال أوراقه المتناثرة وملاحظاته ومدوناته وسعيه الدؤوب للبحث عن الشخصيات الباقية من الأحياء المُتَبقين من جيله ،مُزيلا غبار المعارك وغشاوة التاريخ عنهم وعن شهاداتهم، ولكن هذا النقص بالرغم من فداحته لفقدان مشروعه المتكامل كما خَطَطَ لهُ ، فيه لأصحاب الإختصاص والبحث رأيٌ آخر، في الفرص التي تتيحها قراءة التاريخ المعاصر بعد مُضي الزمن ، تبلورت فيها معالمهُ ،وتكَشَفت حقائقهُ مع مرور السنون والعقود عليه،كما في الحالة التاريخية القريبة التي نافت الى اليوم عن نصف قرن الى قرن كامل، مع بداية إنطلاق الرصاصة الأولى للثورة العربية الكبرى. لذلك عمل العمري على تدوين ما قدرُه الله له ، وترك البقية الباقية للأولاد والأحفاد والمهتمين بالتأريخ لسورية والعراق وبقية البلدان التي مر بها أو شَهِدَ أحداثها ، وكان هو بالذات واحدا من ابرز صناع تاريخها الحديث دون أدنى ريب، ساهم في استقلالها مرتين، الأولى عن الأتراك العثمانيين، والثانية عن الفرنسيين والبريطانيين، ولكنه لم يكن راضيا كذلك عن الحكم الوطني الذي خلفته الإحتلالات العسكرية والإنتدابات التي اقتسمت البلاد العربية، كما سنَكْشِف عن ذلك في الصفحات القادمة . بالعودة الى منهج هذا البحث في أوراق وتأريخ ومدونات المجاهد صبحي العمري، وددتُ التنويه بأنني في هذا الكتاب لا أُحقق في مُجْمَل وثائقه التي خلفها من مخطوطات وذلك للاسباب التالية: كان المقترح الأساس من ورثة المرحوم العمري وأولاده ،هو تخليد ذكرى والدهم، مع مرور مئة عام على إنتصار الثورة العربية، بكتاب يوثق سيرته الذاتية ،وادواره المستقلة والجمعية التي لعبها في الأحداث العاصفة التي أحاقت ليس في تاريخ سورية وحدها، إنما في المساحة الممتدة جغرافيا بين العراق وسورية ولبنان و فلسطين والأردن وتركيا ومصر … لكنني لست من هواة كتابة السير للشخصيات التاريخية أو الإضاءة عنها، وإن كنت لا أعارضها ، إلاعندما وقع بصري على أوراق صبحي العمري ومذكراته التي خطها بيده، أدركت حينها بأنني وقعت على كنز ثمين من الأحداث والوقائع التاريخية المجهولة بغالبيتها، لإعتبارات متعددة يطول شرحها في هذا العجالة، يرويها كتابة أحد أبرز شهودها، المشهود لهم بالحصافة والصدق، وهذه المخطوطات الباقية هي ما يُجدر الإشارة اليها والتوقف عندها، والتحقق من نشرها كاملة في المستقبل، الذي أتمناه أن يكون قريبا، كما أن نشرُها يتطلب وقتا وجهدا لا أظنه سهلا أو قصيرا، وهو بحاجة الى مؤسسة أو منظمة ترعاه وتموله، وتستكمل بحوثه وشهاداته، ونحوتُ منحى الموازنة بين سيرته الشخصية وتوثيقه التاريخي، الذي لم يُبصر النور بعد، لذلك وقع اختياري بعد التداول مع عائلة الراحل الكبير بأن يكون هذا الكتاب تنويها وتصنيفا للصفحات المجهولة التي دونها بالإضافة الى سيرته الشخصية. لأن كثير من هذه الأوراق وردني بنسخ مصورة قديما بواسطة ( الفوتوكوبي) ،هي بالأساس منقولة عن نسخ و دفاتر ومذكرات فُقد بعضها، أو تعرضت أجزاء منها للتلف والضياع ، وكان بعض صفحاتها سيئة الطباعة وأحرفها غير ظاهرة، او صفحات منها باهتة، لعلها غير مقروءة، كتبت في ظروف سجنه وسجن رفاقه ،وما تعمدت الإشارة اليه بوضوح والتأكيد عنه ،ما أمكنني قراءته بحسب الأهمية التي قدرتها بحكم التسلسل التاريخي وغموض المرحلة، والأحداث التي تتشابه اليوم في صراعاتها، أو تلك التي لم يلقَ بالضوء الكاف عليها، كما أن المجال لا يتسع دائما لإيراد كل الوقائع والنصوص، لم أجد كذلك أنه من المفيد تكرار ما جاء في كتبه المطبوعة، إلا عندما يتعلق الأمر بسيرته التي سعيت أن تكون إضاءة أحداثها جزءا من إضاءة التاريخ المغفل ذاته، لذلك ضربت صفحا عن رواية ما سبق هو أن رواه في كتبه الثلاث المطبوعة والمعنونة بأوراق الثورة العربية ، إلا في حالات نادرة ، لا يمكن فصلها عن سياقها التاريخي، في رواية بعض الأحداث، على اعتبار أنها متوفرة ويمكن للقارئ أوالمدقق أن يستزيد منها . لقد بدأت رحلته في التوثيق والتدوين عام 1956 وتوقفت عدة مرات بسبب سَجْنِهِ أو تنقلاته بين المنافي والدول، ويصرح في مقدمة إحدى مخطوطاته بأنه قد أضاع خلال تنقلاته بين المنافي والسجون أكثر ما دونه من ملاحظات ومذكرات ،منها الأقدم والتي دونها بين الحربين، ووجد بحوزته ستة عشر مفكرة سنوية، وكمّ غير قليل من الأوراق المتفرقة ومئة وسبعون رسالة أرسلها اليه شقيقه عمر يبدأ أقدمُها منذ عام 1917 كانت له معينا على تذكر حوادث تاريخية بعينها، وساهمت فيما بعد لتأسيس مشروعه في التاريخ بالتسلسل الذي أورده وأنقله عنه بالنص: مقدمة – “نظرة في احوال بلاد الشام عبر مختلف العصور”، “الشام في عهود ما بعد الإسلام”، “الشام في أوائل هذا القرن” ، ويتناول أخلاق وتقاليد الدمشقيين والعمران والحياة الإجتماعية . – الجزء الأول: العهد العثماني و فيه فجر نهضتنا القومية وأحوالنا مع الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى وما قبلها . – الجزء الثاني: “الثورة العربية الكبرى” .. كما عشتها، وفيها وقائعها التي لم يكتبها على ما أعلم أحد ممن حضرها من الضباط العرب حتى الآن، سوى المحاضرات المختصرة التي القاها نوري السعيد في مدرسة الأركان العراقية ونشرت في كتيب صغير . – الجزء الثالث : “ميسلون”، نهاية عهد وبداية نضال وفيه العهد الفيصلي العربي في سورية وموقعة ميسلون التي لم يكتبها أحد ممن حضرها من العرب . – الجزء الرابع : “الحكم الهاشمي في شرقي الأردن”،منذ تأسيسه حتى مبارحتي له في سنة 1925 الى العراق . – الجزء الخامس : “الحكم في العراق منذ الإحتلال البريطاني”، حتى مبارحتي له في سنة 1941 الى معتقل المية والمية في لبنان . – الجزء السادس : منذ عهد الإنتداب الفرنسي في سورية وحتى الجلاء . – الجزء السابع : عهد الإستقلال السوري منذ الجلاء الفرنسي وحتى إنقلاب حسني الزعيم . – الجزء الثامن : عهد الإنقلابات العسكرية وفيه الوحدة مع مصر . – الجزء التاسع : “الثورات القومية في بلاد الشام” ، وهي الثورات التي وقعت في بلاد الشام خلال هذا القرن . – الجزء العاشر : “لورانس كما عرفته” وهو الجزء الذي صدر عام 1969 . يعلق في الختام بأنه يرتأي بأن لا يَنشُر هذه الفصول والاجزاء حسب التسلسل الذي ورد آنفا بل سيعمد بأن يقدم الفائدة في الأحوال التي تقضي بنشر الجزء الأهم قبل غيره وهكذا كان، فجاء الجزء العاشرأول ما قام بطباعته ونشره من اصدار لهذه السلسلة. مع كل هذا العمل المضني خلال الاشهر المنصرمة، لا أدعي بأنني بلغت فيه كل ما أشتهي وأرغب بقطافه ،لأنه بالأساس لم يكن مكتملا كما هو الحال في مراحل أسبق ظهرت الى النور، وتمنيت لو قُدر لي الحصول على مجموعة الرسائل التي كان يرسلها من منافيه الى المؤرخ الاردني سليمان الموسى،وهي تضم مجموعة وثائقية هامة من الاحداث التاريخية التي استفسر عنها الموسى وأورد بعضها في كتبه، (بقيت مراسلاتهم مستمرة بين عامي 1962 وحتى عام 1971 ) في حين كانت مشاهداته ومدوناته عن مرحلة الإستقلال والإنقلابات العسكرية منقوصة ، بالرغم من أنني عثرت على أوراق متناثرة غير متصلة بسياق محدد يدلي فيها بدلوه في تلك المرحلة ورجالاتها، جاءت حوادثها مجتزأة ،مقتطعة، إختلطت بمشاعره ومعرفته وتجاربه الخاصة بأصحابها، ولم يُتح لي إدراك جوهر الأحداث كما أراد الراحل العمري بأن لا يكتفي بقراءة ظواهرها، كذلك لا أنفي أنني خلصت الى حقائق وصلات لأحداث أقدم ،عَدَدتُها خطيرة وتكشف الكثير مما أُغفِلِ ذكرهُ عن غوامض المرحلة وشخوصها، وصادفت في توثيقه المبكر أحداثا إجتماعية وإنسانية بالغة الدلالات .. تركتها على حالها بكرا، كما دونها دون أن أفتضَ حِرمَتُها عسى أن يأتي اليوم وترى النور مقروءة بطباعتها، لكنني انتخبت منها ما يؤسس لسيرته الذاتية ويضيء تاريخه كما هو الهدف الأبرز لهذا الكتاب، عارضا بعض رسائله وإتصالاته، والكثير من الصور الوثائقية النادرة التي يُنشر بعضها لأول مرة . الكتاب مليء بالحواش التي وجدت أنها مفيدة للتعليق على رواية بعض القصص التي يمكنها أن تؤسس لرؤية أعمق، والفضل فيها يَكمُنُ له، بأنه عَصَفّ بذهني كي أُلقي بالضوء مرة أخرى على أحداث القرن الماض الحافل بالمآس والنزاعات بعد مرور مئة عام على قيام الثورة العربية الكبرى 1916-2016 والمنطقة برمتها تعيش تداعيات تلك الحقبة الجيوسياسية، التي أوردها كمصطلح جديد العالم السويدي Rudolf Kjellen)) “رودولف كجلين” (geopolitic) مع مطلع القرن الماضي، وخطط جديدة تمرر بالخفاء والعلن، وثورات تشتعل هنا وهناك، وأساطيل تتحرك ومنظومات لصواريخ إستراتيجية تنصب بعنجهية ¬رغماعن أنف شعوبها، واحتلالات تُستعادُ أمجادها للتاريخ الإمبرطوري المفقود، وموجة من التطرف الديني بقوالب مذهبية متشددة، غير مسبوقة ترافقها حالة من القروسطية التي كنا نقرأ عنها في أظلَم مراحل التاريخ وأشدها استهتارا بكرامة الإنسان وقيمهِ الروحية والأخلاقية السامية ، ومجازر لا تحصى وخيانات لا تُعد ،وزعامات كاذبة ، وإمعون مرضى بكرسي الحكم، في أردية الكهنة والمصلحين، ولصوص وقطاع طرق وبائعوا أوطان في ثياب الرؤساء والقادة، وملايين المشردين والمهجريين في سورية والعراق.. وغيرها، وأعداد لم تُحصر بعد من الشهداء والقتلى والمفقودين، خلال واحدة من أسوأ كوارث العصر الحديث ، فدمشق محتلة ، وبغداد سبيّة ، والقاهرة مقهورة وعلى شفا بركان، وحلب مدمرة وتنزف بغزارة ، كما بقية المدن السورية ، في هذه الظروف القاسية ، امضيت مع البطل صبحي العمري أصعب الاوقات واحلك الظروف، التي دونها على الورق المشابه لما شهدته في وطني الذي أرخَّ له، اسمع مرة أخرى من حفيف تقليب صفحاته، وتصادم حروفه ،صليات رصاص المدافع الرشاشة، ودوي طلقات المدافع ،وأشهد معه جرائم إنتهاك الحُرمات والكرامات الإنسانية، وإغتصاب النساء وذبح الاطفال الابرياء، كما لمست سعيه الدؤوب لكشف الأكاذيب المصطنعة، وجرِ المغانم الشخصية، وتوظيف العمالات الجمعية والفردية، والزعامات المحلية والقيادات العسكرية لأصحاب الشعارات والخيانات الوطنية، وتنقلت معه الى أبهى المواقف وأرفع سمات العزة والنصر والتضحية والمروءة في المعارك التي خاضها ولحظات المجد التي إقتنصها ،والفضل في ذلك يعود لما تركهُ من أوراق وصور،ولما خطهُ من مخططات ومدونات بحثا عن حقائق التاريخ وزواياها المهملة والمنسية. في الختام أتوجه بالشكر العميم لأسرة آل العمري نساء ورجالا شيبا وشبابا ،وأخص بالذكر منهم ، نجله العزيز السيد أيهم العمري وشقيقته السيدة منى العمري ( وهي التي دونت سيرة والدتها السيدة جيهان راضي وقمت بنقلها عنها واختصارها في سياق الكتاب) وزوجها الضابط والدبلوماسي السابق مناف الهندي الذي شهد والده الكثير من الأحداث في سورية والعراق وكان صنواً للعمري، ورفيقا له مع إختلاف التوجهات السياسية بين الضابطين العربيين، إلا أنه بحكم الصداقة التاريخية التي ألفت بينهما،عاصر ذات الأحداث التاريخية التي نقلتها عنه، وقد تحققت من بعض ما استوقفني من معلومات غائمة، رغبت في ايضاحها مما شهدهُ وسمعهُ ونقلهُ عن والده الضابط محمود الهندي، كما استفدت من ذاكرة ابنتيه العزيزتين الكبرى السيدة مها العمري التي احتفظت في ذاكرتها العديد من الاحداث التاريخية الهامة ،كما رواها لها وسجلتها عنها، وكذلك ابنته الاصغرالسيدة فاتن العمري التي زودتني بكل الاوراق المفقودة من مدونات الفقيد الكبير لاستكمال هذا التحقيق من مقر اقامتها في لندن. وأختم أخيرا بإمتناني لحفيدته الصغيرة اللامعة زينة العمري على استجابتها لتصميم الغلاف، لكل هؤلاء الأحياء منهم والإيقونات الوطنية الراحلة، امتناني وتقديري لدورهم في الحفاظ على إرث والدهم، فقد كانوا خيرعون لدعم هذا البحث بالمعلومات المفيدة التي تكمل الجوانب الإنسانية والعملية والشخصية من حياة المجاهد صبحي العمري .

سعد فنصة – واشنطن خريف عام 2016

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية