سَاعة فاجؤوني بأن أطلقوا سراحي بعد اعتقال لم يَطُل، خرجت أمشي في الطريق متعثّر الخطا. كانوا قد حجبوا عني نعمة “المشي” نصف ساعة كلّ يوم في فناء المعتقل، تلك التي يتمتّع بها المعتقلون القدامى، أسمع جلبتَهم وأنا في زنزانتي المنفردة فأغبطهم!
لم يبدُ على سائق التكسي شيء من الارتياب عندما أشرت له بالوقوف، وأنا غير حليق الذقن والشعرُ ملتصقٌ بالرأس والصرّة تتدلّى من يدي…
ولكن ظهر عليه الخوف لحظة قدّمت له المفتاح ملتمسًا منه النزول ليفتح باب بيتي المطلّ على الرصيف كي يتسنّى لي الانسلال عبره دون ان يلمحني الجيران وأنا في هذه الهيئة، وقال متوسّلا: “اعفيني أستاذ، الله يسترك!”، وانطلق بسيارته.
كان ذلك ضحى يوم الاثنين 29-12-1980.
كتبت في فلوريدا: مساء السبت 10-5-2014