لقد انتهى عصر الدبلوماسية المعقدة. اليوم، أصبحت السياسة العالمية تُدار بأبسط مفردات الشوارع: “أمك فعلت” و “أمك اشترتها”.
إنها “العقيدة القذرة” التي تحكم العالم. إعلان سافر عن تدني الخطاب واستخفاف تام بالروابط الإنسانية ومقام الأم، مُحوّلة الانحطاط إلى استراتيجية وطنية توحد واشنطن وتل أبيب.
أمريكا… جنازة الهيبة الرسمية في نادي “الردح”
يبدو أن واشنطن لم تعد بحاجة إلى وزارة الخارجية بعد اليوم. فكل ما يلزمها لإدارة العلاقات الدولية هو مفردتان فقط: “أمك فعلت” و “أمك اشترتها.”
ما بدأ كزلّة لسان من متحدثة البيت الأبيض تحوّل إلى عقيدة تواصل سياسي جديدة، تُدار بها الدولة الأقوى في العالم، من المكتب البيضاوي حتى البنتاغون.
🟥 جنازة الهيبة في البيت الأبيض
في سابقة لم تعرفها دبلوماسية القوى العظمى من قبل، وجّهت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إهانة صريحة لمراسل “هاف بوست” بعد سؤاله عن سبب اختيار بودابست لعقد قمة ترامب – بوتين المقبلة.
السؤال كان منطقيًا: لماذا بودابست؟ فالمدينة التي احتضنت “مذكرة بودابست 1994” تمثل رمزًا للخداع الروسي، بعدما وعدت موسكو آنذاك باحترام سيادة أوكرانيا مقابل تخليها عن ترسانتها النووية، قبل أن تنقلب على تعهدها وتغزوها لاحقًا.
لكن ليفيت لم ترَ في التاريخ سوى نكتة رديئة، فأجابت بكل ثقة:
أمك فعلت ذلك.
تبعها مدير الاتصالات في البيت الأبيض، ستيفن تشونغ، ليضيف بإبداع منقطع النظير:
أمك.
وبهذا الرد القصير، أعلنت الإدارة الأمريكية عن وفاة الذوق السياسي رسميًا. لم يعد البيت الأبيض رمزًا للقوة والعقلانية، بل ناديًا للثرثرة المراهقة تُلقى فيه الشتائم على الهواء مباشرة باسم “حرية التعبير الرئاسية”.
🟥 البنتاغون ينضم إلى السيرك
لم تكد الضجة حول “بودابست” تهدأ، حتى قرر البنتاغون أن يأخذ نصيبه من المجد اللفظي.
فسُئل المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية عن سبب ارتداء الوزير بيت هيغسث ربطة عنقٍ تشبه ألوان العلم الروسي — خلال زيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي للبيت الأبيض.
الجواب جاء بنفس القاموس الدبلوماسي الجديد:
أمك اشترتها له.
وأضاف المتحدث الرسمي الآخر، بثقة لا تقل عن سابقته في البيت الأبيض:
إنها ربطة عنق وطنية أمريكية، أيها الغبي.
الرد لم يكن مجرد وقاحة؛ كان بيانًا رسميًا بانحدار المنظومة الأخلاقية في واشنطن. فحين تتحول مؤسسات الدفاع إلى ساحة ردح، وتصبح الشتيمة بيانًا إعلاميًا، يمكن القول إن العالم يشهد تجربة فريدة: تحويل الانحطاط إلى استراتيجية وطنية.
وفي محاولة بائسة لتبرير الموقف، قال المتحدث باسم البنتاغون إن هيغسث “وطني يعبّر عن حبه لأمريكا بملابسه”، وكأن الوطنية أصبحت تُقاس بعدد الأقمشة المخططة بالأحمر والأزرق.
🟪 واشنطن بعد ترامب: الكوميديا كأداة حكم
ما يجري ليس مجرد فوضى لغوية، بل منهج حكم جديد. إدارة ترامب الثانية اختارت أن تحكم العالم بلسان ساخر وجبين بلا حياء.
من البيت الأبيض إلى البنتاغون، تتساقط الأقنعة تباعًا: الردح أصبح خطابًا رسميًا، والسخرية سياسة معتمدة، والشتيمة لغة دبلوماسية “عصرية”.
ربما في القمة المقبلة، حين يسأل بوتين ترامب عن موقفه من الناتو، سيجيبه الأخير مبتسمًا:
أمك لا تعرف.
وعندها، لن يكون هذا قاع الانحطاط، بل بداية الحفر فيه.
الكنيست يتبنى قاموس “الأمهات”
في فصول المهزلة السياسية للكيان الاسرائيلي ، قرر الوزير المتطرف إيتامار بن غفير رفع مستوى الأداء إلى درجة السخرية الشخصية المباشرة.
اتهامات المعارضة بأن أفعاله تسببت في تعذيب الأسرى لم تمنعه من إطلاق حكمه: وصف النائبات بأنهن “ناطقات باسم حماس”.
ردّت النائبة ياسمين ساكس فريدمان من حزب “يش عتيد” بحدة وسخرية:
أمك هي ناطقة حماس، لا تتحدث معي بهذه الطريقة!
وهنا السخرية :
النائبة التي أطلقت الإهانة الشخصية طُردت فورًا من القاعة، بينما بقي الوزير جالسًا بثقة المنتصر.
🚨 الحفر نحو القاع… ومعنى الإهانة
من البيت الأبيض إلى الكنيست، القاسم المشترك واحد: القيادة أصبحت تقوم على السخرية الجاهلة .
الردح خطاب رسمي، والشتيمة لغة دبلوماسية “عصرية”.
إن استخدام عبارة “أمك” ليس مجرد شتيمة عابرة؛ إنها أقوى دلالة على الانحدار السياسي المريع: الرد ليس لتقديم معلومة أو مناقشة، بل لإنهاء الحوار بشكل قذر واستبدال المنطق بالصدمة الشخصية، وإعلان عن الاستخفاف الكامل بمقام وكرامة الأم، وتحويل أقدس الروابط الإنسانية إلى سلاح رخيص في صراعات السلطة.
هذا التدني هو المؤشر الأخطر على أن السياسة فقدت كل عقل ومنطق.
ربما في القمة المقبلة، حين يُسأل القادة عن مصير الأوطان، لن يجيبوا إلا بابتسامة صفراء: “اسأل أمك. هي من قررت.”








ماهر حمصي