الضربة الأميركية وتأثيرها
تشير نتائج أولية سرية إلى أن الهجوم أغلق مداخل منشأتين دون أن يؤدي إلى انهيار مبانيهما تحت الأرض.
قال مسؤولون مطلعون على النتائج إن تقريرًا أوليًا سريًا في الولايات المتحدة خلص إلى أن قصف القوات الأميركية لثلاثة مواقع نووية في إيران لم يؤخر برنامج البلاد النووي إلا لبضعة أشهر فقط.
وبحسب ما أورد المسؤولون، فإن الضربات الجوية أغلقت مداخل منشأتين من بين المنشآت المستهدفة، لكنها لم تتسبب في انهيار البنى التحتية المبنية تحت الأرض.

وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد قدّرت، قبل الهجوم، أنه في حال قررت إيران تسريع جهودها لصنع قنبلة نووية، فإنها ستحتاج إلى نحو ثلاثة أشهر لتحقيق ذلك. أما بعد الغارات الأميركية وأيام من الهجمات التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي، فقد قدّرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية أن البرنامج النووي الإيراني تأخر، لكن بفارق يقل عن ستة أشهر.
وأضاف التقرير أن الجزء الأكبر من مخزون إيران من اليورانيوم المخصّب قد نُقل قبل تنفيذ الضربات، مما يعني أن كمية ضئيلة فقط من المواد النووية دُمّرت. وهناك احتمال بأن تكون إيران قد نقلت بعضًا من هذا المخزون إلى مواقع سرّية.
وقال بعض المسؤولين الإسرائيليين إنهم يعتقدون أيضًا أن الحكومة الإيرانية تحتفظ بمنشآت سرّية صغيرة لتخصيب اليورانيوم، حتى تتمكن من مواصلة برنامجها النووي في حال تعرضت المنشآت الأكبر للهجوم.
التقييمات الرسمية وتباين وجهات النظر
وأشار مسؤولون آخرون إلى أن التقرير أفاد بأن المواقع النووية الثلاثة — فردو، ونطنز، وأصفهان — تعرّضت لأضرار تراوحت بين المتوسطة والشديدة، وكانت الأضرار الأكبر في منشأة نطنز. ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت إيران ستحاول إعادة بناء برنامجها النووي في تلك المواقع.
وبحسب مسؤولين سابقين، فإن إيران، في حال قررت الإسراع في تطوير قنبلة نووية، فستتمكن على الأرجح من إنتاج جهاز بدائي صغير، لكن إنتاج رأس حربي مصغّر سيكون أكثر تعقيدًا بكثير، ولم يتضح بعد مدى تضرر الأبحاث المتقدمة المرتبطة بذلك.
وكان مسؤولون عسكريون حاليون وسابقون قد حذّروا، قبل تنفيذ الضربة، من أن محاولة تدمير منشأة فردو — المدفونة على عمق يزيد عن 250 قدمًا (نحو 76 مترًا) تحت جبل — قد تتطلب موجات متتالية من الضربات الجوية، تمتد لأيام أو حتى أسابيع، على نفس النقاط.
وقد ضربت الطائرات الحربية الأميركية نفس المواقع المستهدفة مرتين على الأقل يوم السبت. إذ ألقت قاذفات B-2 اثنتي عشرة قنبلة خارقة للتحصينات من طراز GBU-57، المعروفة باسم “مخترقة الملاجئ”، على موقع فردو، ووفقًا لبراين كارتر، مدير ملف الشرق الأوسط في معهد أمريكان إنتربرايز، فقد أصبحت ست فوهات اختراق مرئية على سطح المنشأة.
لكن العديد من خبراء المتفجرات العسكريين يعتقدون أن يومًا واحدًا من القصف لا يكفي لإتمام المهمة بالكامل.
وتشير التقييمات الأولية للأضرار إلى أن ادعاء الرئيس ترامب بأن منشآت إيران النووية “دُمّرت بالكامل” كان مبالغًا فيه. وكان من المقرر أن يُقدَّم إحاطة للكونغرس بشأن الهجوم يوم الثلاثاء، لكن الجلسة تأجلت. ومن المقرر الآن أن يتلقى أعضاء مجلس الشيوخ الإحاطة يوم الخميس، وأعضاء مجلس النواب يوم الجمعة.
ومنذ تنفيذ الضربات، أعرب السيد ترامب مرارًا عن استيائه لمستشاريه من التقارير الإخبارية التي تساءلت عن مدى الضرر الفعلي الذي لحق بالمنشآت، بحسب مصادر مطلعة على تصريحاته. وأضافت المصادر أن ترامب كان يراقب عن كثب التصريحات العلنية للمسؤولين الآخرين عند سؤالهم عن حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية.
وفي بيان صدر يوم الثلاثاء، كرر وزير الدفاع بيت هيغسث تقييم ترامب الأولي قائلًا:
“استنادًا إلى كل ما رأيناه — وقد رأيت كل شيء — فإن حملتنا الجوية دمّرت قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية”، مضيفًا:
“قنابلنا الضخمة أصابت الأهداف بدقة مثالية وعملت بكفاءة تامة”.
تفاصيل الأضرار على المنشآت: فوردو، نطنز، وأصفهان
وحذر مسؤولون من أن التقرير السري، المؤلف من خمس صفحات، لا يزال تقييمًا أوليًا، وأن تقارير أخرى ستصدر لاحقًا مع جمع المزيد من المعلومات، خاصة بعد أن تُجري إيران فحوصاتها لمواقعها المتضررة. وقال أحد المسؤولين إن التقارير التي اطّلع عليها أعضاء الإدارة حتى الآن كانت “متفاوتة”، وأن تقييمات إضافية لم تُنجز بعد.
لكن تقرير وكالة استخبارات الدفاع يشير إلى أن المواقع لم تتعرض للأضرار التي كان بعض المسؤولين في الإدارة يأملونها، وأن إيران لا تزال تحتفظ بمعظم موادها النووية، مما يعني أنها، في حال قررت صنع سلاح نووي، قد تكون قادرة على فعل ذلك بسرعة نسبية.
تحدث المسؤولون الذين جرى مقابلتهم في هذه المقالة بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نظرًا لأن محتوى التقرير لا يزال سريًا.
أما البيت الأبيض، فقد رفض محتوى التقييم، إذ قالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن ما ورد في التقرير “خاطئ تمامًا”.
وأضافت في بيان:
“تسريب هذا التقييم المزعوم هو محاولة واضحة لتشويه سمعة الرئيس ترامب والتقليل من شأن الطيارين الشجعان الذين نفذوا عملية مثالية دمّرت البرنامج النووي الإيراني”، مشيرة إلى أن:
“الجميع يعلم ماذا يعني أن تُلقى أربع عشرة قنبلة تزن الواحدة منها 30 ألف رطل على الأهداف بدقة كاملة: تدمير شامل”.
وكانت شبكة “سي إن إن” قد نشرت في وقت سابق بعض عناصر هذا التقرير الاستخباراتي.

المخاطر المستقبلية وقدرة إيران على إعادة البناء
وقال مسؤولون إن الضربات ألحقت ضررًا بالغًا بنظام الكهرباء في منشأة فردو، ومن غير الواضح حتى الآن كم من الوقت ستستغرق إيران لاستعادة الوصول إلى المباني تحت الأرض، وإصلاح أنظمتها الكهربائية، وإعادة تركيب المعدات التي تم نقلها.
وأكد براين كارتر قائلًا: “لا شك في أن الحملة الجوية ألحقت ضررًا بالغًا، بالغًا، بالمواقع الثلاثة”.
إلا أن التقييمات الأولية للأضرار التي أجرتها إسرائيل أثارت أيضًا تساؤلات حول فعالية الضربات. فقد أفاد مسؤولون في وزارة الدفاع الإسرائيلية أنهم جمعوا أدلة تفيد بأن المنشآت تحت الأرض في فردو لم تُدمّر.
وقبيل تنفيذ الضربات، قدمت القيادة العسكرية الأميركية للمسؤولين مجموعة من السيناريوهات لاحتمالات تأخير البرنامج الإيراني، تراوحت بين بضعة أشهر في أدنى تقدير، وحتى سنوات في أقصى التقديرات.
وحذّر بعض المسؤولين من أن هذه التقديرات تظل غير دقيقة، وأنه من المستحيل معرفة المدة التي ستستغرقها إيران لإعادة البناء، إن قررت المضي في ذلك.
وعلى الرغم من تأكيدات الرئيس ترامب والوزير هيغسث بتدمير المواقع بالكامل، إلا أن الجنرال دان كين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، كان أكثر تحفظًا في توصيفه لنتائج العملية.
وقال الجنرال كين خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الأحد: “لقد صُممت هذه العملية لتقويض البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية بشكل كبير”.
وأضاف الجنرال كين، الذي كان واقفًا بجانب الوزير هيغسث خلال المؤتمر، أن “التقييم النهائي لأضرار المعركة التي خلّفتها العملية العسكرية ضد إيران لم يُستكمل بعد”، مؤكدًا أن التقييم الأولي أظهر أن “المواقع الثلاثة تعرّضت لأضرار ودمار شديدين”.
وشدّد الجنرال كين على أن الوقت لا يزال مبكرًا جدًا للحكم على مقدار ما تبقى من البرنامج النووي الإيراني.
من جهته، قال الجنرال جوزيف إل. فوتيل، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، في مقابلة صحفية، إنه يثق كثيرًا “بأنظمة التسليح التي تم استخدامها”، مضيفًا: “لكنني لست مندهشًا من بقاء بعض العناصر، فلهذا السبب نُجري تقييمات لأضرار المعركة، إذ يمكن أن تسير كل الأمور وفق الخطة، ومع ذلك تظل هناك عوامل أخرى مؤثرة”.
وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء، عبّر أعضاء ديمقراطيون عن مواقف أكثر حذرًا.
وقال السيناتور جاك ريد من ولاية رود آيلاند، وهو أبرز ديمقراطي في لجنة القوات المسلحة: “ما زلنا ننتظر التقييمات النهائية لأضرار المعركة”.
وكان مسؤولون عسكريون قد أكدوا أن إلحاق ضرر أكبر بالمنشآت تحت الأرض كان سيتطلب تنفيذ ضربات متعددة، لكن الرئيس ترامب أعلن وقف العمليات بعد أن أعطى الموافقة على الموجة الأولى من الضربات فقط.
وكانت أجهزة الاستخبارات الأميركية قد خلصت، قبل الضربات، إلى أن إيران لم تتخذ قرارًا بصنع سلاح نووي، لكنها تمتلك كمية كافية من اليورانيوم المخصب تمكّنها، إن قررت، من تصنيع قنبلة نووية بسرعة نسبية.
ورغم توقعات بعض مسؤولي الاستخبارات بأن تؤدي أي ضربة أميركية تستهدف فوردو أو غيرها من المنشآت النووية إلى دفع إيران نحو اتخاذ قرار بصنع قنبلة، إلا أن المسؤولين الأميركيين أكدوا أنهم لا يعلمون بعد ما إذا كانت إيران ستتخذ مثل هذا القرار.
ولم يرد ممثلو وكالة استخبارات الدفاع الأميركية على طلبات التعليق.
ملاحظات تحريرية:
إعداد التقرير:
ساهم في إعداد هذا التقرير الصحفي ديفيد إي. سانغر.
عن الكُتّاب:
جوليان إي. بارنز يغطّي شؤون وكالات الاستخبارات الأميركية والمسائل الأمنية الدولية لصالح صحيفة نيويورك تايمز. كتب عن قضايا الأمن لأكثر من عقدين.
هيلين كوبر مراسلة نيويورك تايمز في البنتاغون. عملت سابقًا كمحررة ومراسلة دبلوماسية ومراسلة للبيت الأبيض.
إريك شميت مراسل الأمن القومي في نيويورك تايمز. يغطي الشؤون العسكرية الأميركية ومكافحة الإرهاب منذ أكثر من ثلاثين عامًا.
رونين بيرغمان كاتب رئيسي في مجلة نيويورك تايمز ومقره تل أبيب.
ماجي هابرمان مراسلة البيت الأبيض لدى نيويورك تايمز، وتغطي أخبار الرئيس ترامب.
جوناثان سوان مراسل البيت الأبيض في نيويورك تايمز، يغطّي إدارة دونالد جيه ترامب. يمكن التواصل معه بأمان عبر تطبيق Signal على المعرف: @jonathan.941