فورين أفيرز: نظام إيران يسابق الزمن لتفادي مصير حليفه السوري البائد

خلال عام مضطرب، واجهت إيران موجة من الانتكاسات التي أضعفت نفوذها الإقليمي وكشفت عن شقوق داخلية تهدد استقرارها. فقد ألحقت إسرائيل أضرارًا بحلفائها الرئيسيين، حركة حماس وميليشيا حزب الله، بينما انهار نظام بشار الفار، حليفها السوري البائد، في سقوط مفاجئ أذهل الجميع. ومع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية، تتأهب طهران لتجدد “الضغط الأقصى” الذي شل اقتصادها منذ 2018. يرى محللون غربيون، مثل ريتشارد هاس الذي وصف إيران بأنها “في أضعف حالاتها منذ عقود“، أنها تقترب من حافة الهاوية. لكن طهران ترفض هذا التقييم، متمسكة بأن هذه التحديات مؤقتة، وتسابق الزمن لتفادي مصير حليفها السوري البائد عبر إصلاحات لتعزيز صمودها.

إيران أضعف وأكثر عرضة للخطر مما كانت عليه منذ عقود

ريتشارد هاس

رغم الضربات القاسية التي تلقاها حلفاؤها، يؤمن نظام إيران أن حماس وحزب الله يحتفظان بقوتهما الرمزية بفضل صمودهما أمام إسرائيل، بينما يعزز الحوثيون دورهم في – ما يسمى – “محور المقاومة”. لكن هذا التفاؤل لا يعميها عن تراجع شبكتها الإقليمية، مما دفعها لإصلاحات داخلية عاجلة لاحتواء الغضب الشعبي. فقد خففت من قيود الحجاب الإجباري، وفتحت منصات التواصل الاجتماعي لأصوات أكثر صراحة، ليس كبادرة انفتاح غربي، بل كخطوة لمنع الانهيار الداخلي وتقوية الموقف أمام تهديدات ترامب التي تمزج بين الوعيد العسكري والمساومة الدبلوماسية.


لم تُثر خسائر حماس وحزب الله قلق إيران بقدر ما أرعبها السقوط المفاجئ لنظام أسد وفرار بشار . فبينما تراهن على تعافي التنظيمين بدعم شعبي، كان انهيار حليفها السوري بمثابة صدمة كشفت مخاطر تجاهل الشعب. يُلقي المسؤولون الإيرانيون باللوم على “الحرب النفسية” الخارجية، لكنهم يعترفون بأن عجز بشار الفار عن كسب تأييد شعبه كان الضربة القاضية. هذا الدرس دفع قادة مثل عباس صالحي للتحذير من “تآكل رأس المال الاجتماعي”، ومحمد خاتمي للتنبيه إلى أن التجاهل المستمر قد يقود إلى “تدمير ذاتي”، مما يضع إيران أمام خيار مصيري: الإصلاح أو الهاوية.

مستلهمة من هذا السقوط، جمدت إيران في ديسمبر 2024 قانون الحجاب القمعي بعد احتجاجات 2022 التي أشعلتها وفاة مهسا أميني، وفتحت المجال لمناقشات صريحة عبر الإعلام ومنصات التواصل، بما في ذلك أصوات معارضة. الهدف هو تحويل الغضب الشعبي إلى حوار يحد من تأثير الإعلام الدولي مثل “بي بي سي”، مع تعزيز رواية النظام الأمنية، في خطوة مستعارة من أزمات سابقة لتجنب الانهيار الداخلي.

تسعى طهران عبر هذه الإصلاحات إلى إشعال نقاش وطني حول ملفات كالبرنامج النووي، لتضمن تماسكًا داخليًا يقوي موقفها أمام واشنطن. فبينما حاولت إدارة بايدن استغلال الضغوط الاقتصادية لفرض اتفاق أشد، قاومت إيران بصلابة مدعومة بوحدتها. ومع تهديدات ترامب بالقوة إذا فشل التفاوض، يصبح الدعم الشعبي حصنًا حاسمًا. مستشار محمد باقر قاليباف كتب على “إكس”: “في يوم المواجهة، هل سيقاوم الشعب أم ينهار؟”، مشيرًا إلى أن الإجابة تحدد البقاء أو الفناء.

في يوم المواجهة، هل سيقاوم الشعب أم ينهار؟

مستشار محمد باقر قاليباف

بتنفيذ هذه الإصلاحات المدروسة، تسابق إيران الزمن لتجنب مصير نظام بشار الفار ، حيث يمكن للانقسامات الداخلية أن تُسلمها لأعدائها. وفي حال اندلعت المواجهة مع واشنطن، تستطيع تصويرها كمقاومة وطنية ضد العدوان، لا كمعركة بقاء. لكن هذا لا يعكس تحولًا جذريًا، بل يبرز تصميم طهران على الصمود، متسلحة بدروس السقوط المفاجئ لنظام الأسد لتحدي مستقبل محفوف بالمخاطر.

 


foreign affairs

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية