كل من خاض اختبارًا معياريا يعرف أن الإجابة على سؤال المقالة في عشرين دقيقة أو أقل تتطلب قوة ذهنية كبيرة.
من المؤكد أن الوصول غير المحدود إلى الذكاء الاصطناعي (AI) سيخفف هذا العبء الذهني. لكن، كما تشير دراسة حديثة أجراها باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، قد تأتي هذه المساعدة بثمن.
أجرى فريق من الباحثين في MIT دراسة لتقييم تأثير أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية، مثل ChatGPT، على القدرات الإدراكية. شملت الدراسة 54 مشاركًا طُلب منهم كتابة مقالات قصيرة حول موضوعات متنوعة.
قُسمت المجموعة إلى ثلاث فئات:
الأولى كتبت باستخدام عقولها فقط، والثانية استخدمت محركات البحث التقليدية مثل Google، والثالثة اعتمدت على ChatGPT.
استخدم الباحثون أجهزة تخطيط أمواج الدماغ (EEG) لقياس النشاط العصبي أثناء المهمة.
أظهرت النتائج أن المشاركين الذين استخدموا ChatGPT سجلوا نشاطًا عصبيًا أقل بكثير في مناطق الدماغ المرتبطة بالوظائف التنفيذية، مثل التفكير النقدي والانتباه والذاكرة العاملة، مقارنة بالمجموعتين الأخريين.
كما كانت المقالات التي أنتجت بمساعدة الذكاء الاصطناعي متشابهة بشكل ملحوظ في الموضوعات واللغة، مما يشير إلى انخفاض في الإبداع.
يقول الدكتور ديفيد راند، أحد الباحثين الرئيسيين في الدراسة: “عندما يتولى الذكاء الاصطناعي الجزء الأكبر من العملية الإبداعية، يبدو أن الدماغ يدخل في وضع تلقائي، مما يقلل من المشاركة الإدراكية“.
الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكنها تبسيط المهام المعقدة، لكن الاعتماد المفرط عليها قد يكون على حساب التفكير النقدي والإبداع.
تدعم هذه النتائج بحوثًا أخرى تشير إلى أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى “التقليل الإدراكي“، وهو الميل إلى تفضيل الحلول السهلة على حساب بذل مجهود ذهني أكبر.
في دراسة أجرتها شركة Microsoft بالتعاون مع جامعة كارنيجي ميلون عام 2024، وجد الباحثون أن المبرمجين الذين اعتمدوا بشكل كبير على أدوات الذكاء الاصطناعي لكتابة التعليمات البرمجية أظهروا انخفاضًا في مهارات حل المشكلات عند مواجهة تحديات برمجية معقدة دون مساعدة الذكاء الاصطناعي.
يشير هذا إلى حلقة تغذية راجعة: كلما زاد اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي، قلّت ممارستنا لمهارات التفكير النقدي، مما يزيد من اعتمادنا على التكنولوجيا.
لا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي شرٌ مطلق. يجادل الباحثون بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة قوية إذا استُخدم بحكمة.
يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الإنتاجية في المهام الروتينية، مما يتيح وقتًا أكثر للتفكير الإبداعي.
المفتاح يكمن في كيفية دمج هذه الأدوات في سير العمل. تقترح الدكتورة إيمي أوربين، عالمة الأعصاب الإدراكية في جامعة ستانفورد، أن “استخدام الذكاء الاصطناعي كشريك في التفكير، وليس كبديل، يمكن أن يعزز الإبداع بدلاً من إعاقته”.
لحسن الحظ، هناك طرق لتخفيف الآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي.
يجب أن تركز الأنظمة التعليمية على تعزيز مهارات التفكير النقدي، مثل تحليل المعلومات والتفكير المنطقي، بدلاً من الاعتماد على الإجابات الجاهزة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. كما يمكن للأفراد تخصيص وقت للعمل بدون مساعدة الذكاء الاصطناعي للحفاظ على حدة قدراتهم الإدراكية. وأخيرًا، يمكن لمصممي أدوات الذكاء الاصطناعي دمج ميزات تشجع على المشاركة النشطة، مثل طرح أسئلة استفزازية أو تقديم اقتراحات بدلاً من حلول كاملة.
للدراسة قيودها. حجم العينة الصغير (54 مشاركًا) والتركيز على مهمة محددة (كتابة المقالات) يعنيان أن النتائج قد لا تنطبق على نطاق واسع. كما أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الإدراك قد يختلف حسب نوع المهمة أو الفرد. هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم العلاقة السببية بين استخدام الذكاء الاصطناعي وتدهور القدرات الإدراكية.
الذكاء الاصطناعي أداة قوية يمكنها تبسيط المهام المعقدة، لكن الاعتماد المفرط عليها قد يكون على حساب التفكير النقدي والإبداع. من خلال استخدامها بوعي وتعزيز التعليم في التفكير العميق، يمكننا تسخير فوائد الذكاء الاصطناعي دون التضحية بقدراتنا الإدراكية. الحرفي الماهر هو من يستخدم الأداة بحكمة، لا الأداة الجيدة هي التي تصنع الحرفي.