البارحة؛ حضرت أمسية لكورال (حنين) ضمن فعاليات بيتنا السوري. أستغرقت ثلاثين دقيقة سيراً ضمن شوارع مركز مدنية عينتاب بحثاً عن المكان، فقد التبس علي اسم الفندق القريب من المكان الذي تقام فيه الأمسية. كنت سعيدا لعودة الكورال إلى نشاطه بعد توقف على أثر هجرة الصديقة الراقية رجاء بنوت – مؤسسة كورال حنين في عينتاب عام 2015م- إلى المانيا والتي تمارس ذات النشاط هناك .
طوال الطريق، كانت بجعات المؤلف الموسيقي الروسي تشايكوفسكي تحلق في فضاء سيرك عقلي، فكورال حنين يذكرني دائماً ببحيرة البجع، ولا أعرف سبب ذلك هل الثلج الذي غشي رأس رجاء بنوت أم بريق حنان الأمهات أعضاء الجوقة؟
كانت الجوقة تنشد من التراث الغنائي للمحافظات السورية، كأنهن على بحيرة تشكلت ليس من دموع أم (أوديت) ملكة البجع الذي حولها الساحر الشرير فون روتبارت إلى بجعة، ما عدا منتصف الليل حتى الفجر، وإنما من دموع الأمهات الحزينات على سورية الذبحية. ولم تغادر البجعات سيرك عقلي إلى أن وصلت المكان الذي كان يشع باصوات الأمهات.
استمتعت بالطقس أكثر من الأداء. فلا المكان مناسب صوتياً، ولا المسرح، ولا الإنارة، ولكنه الفسحة المتاحة للبوح في هذه الظروف. وامتعني التواجد مع جمهور ليس بمخملي كما كان في حلب حين كنت أحضر حفلات أو أمسيات كلاسيكية لفنانين غرب. بل كان مزيجاً سورياً من كل المحافظات، ومن كل الألوان، من الفلسطيني السوري، و الكردي السوري، والتركي السوري إلى العربي السوري وعبر الحان تعبر عن المكونات السورية، العربية والكردية والتركمانية ، السريانية والأرمنية والشركسية، والآرامية. وسررت لرؤية صديقين عزيزين هما ماجد علوش الديري وبسام وردة الحموي الشامي، كانا في نشوة خاصة يراقبان زوجتيهما ضمن الجوقة.
كنت أفتشُ عن أوديت، تلك البجعة التي هام بحبها الأمير سيجغراند بطل رائعة بحيرة البجع حين رأها ترجع من بجعة إلى فتاة جميلة، وكنت ادفع عن فضاء سيرك عقلي الضغوطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كأنها رجال الأمير الذين دفعوه للصيد بدل حضور حفلة والدته التي قررت انهاء حياته العبثية بالزواج.
وبينما استمع وارقب وانبش لمحتها في عيني صديقي ماجد وبسام، وهما يتابعان الكورال وعينيهما على السيدتين الفاضلتين زهرةُ ماجد وغادةُ بسام. فانتشيت بفرحتهما متفرجاً على تصويرهما للكورال عبر هاتفهما، كأنّ الهاتفان قوسان يطلقان النبال لقتل الساحر الشرير فون روتبارت لانهاء مأساة أوديت.