الساحل السوري تحت النار: الطموح الإيراني والظل الروسي المشبوه

في السادس من آذار 2025، تحولت منطقة الساحل السوري إلى مسرح لعملية عسكرية واسعة النطاق، استهدفت قوات الأمن في محيط جبلة، مخلفة أكثر من 120 قتيلاً في هجوم يتسم بالتنظيم والإعداد المتقن. بعيداً عن كونه مجرد تصعيد عابر، يعكس هذا الحدث هشاشة الاستقرار في منطقة كانت يوماً ركيزة لنظام أسد المنهار. مشاركة عناصر خضعت لتسويات أمنية تكشف عن فجوات في الترتيبات التي أعقبت سقوط النظام، لكن التفسير الأعمق يتجاوز هؤلاء المقاتلين إلى دوافع وجهات أكبر. لا يمكن حصر المسؤولية في بقايا نظام فقد قائده، فمن لم يحمل السلاح دفاعاً عن بشار في دمشق لن يفعل ذلك الآن من موسكو. كما أن فرضية تمرد داخلي انفصالي تفتقر إلى دعم شعبي، إذ كان الساحل من أوائل المناطق التي احتفلت بانهيار أسد وفرار بشار . ما يتبلور هنا هو عملية ذات جذور خارجية، تُنفذ عبر أدوات إقليمية تحركها أجندات أوسع.

تبرز إيران كلاعب محوري في هذا السياق، تسعى لاستعادة موطئ قدم في الساحل عبر شبكة تحالفات تمتد من لبنان إلى العراق. تحركات في بعلبك-الهرمل، ومراكز عمليات في بديتا وبغداد، إلى جانب وجود قادة من الحرس الثوري، تشير إلى استراتيجية منهجية لإحياء النفوذ بعد تفكك هياكلها السابقة. العقيد غياث دلة، بدعم من ميليشيا حزب الله، يشرف على هذه الجهود بموارد مالية وعسكرية تتدفق عبر قنوات معقدة، بما في ذلك شحنات وصلت بيروت في شباط تحت ستار غير عسكري. تقارير استخباراتية كشفت عن لقاءات في دول مجاورة قبل أسابيع، جمعت بين بقايا النظام وجهات إقليمية، بما في ذلك ميليشيا حزب الله، بهدف زعزعة الاستقرار. تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، التي حذرت من تكلفة طموحات إيران الباهظة ومخاطر سياستها عبر الوكلاء، أثارت ردوداً غاضبة من طهران، مما يعكس التوتر الإقليمي. مصدر دبلوماسي أكد أن أنقرة ترى في هذه التحركات تهديداً لسوريا الجديدة، وربما محاولة لإعادة تقسيمها أو إثارة أزمة دولية تعيق رفع العقوبات.

روسيا، التي شكلت دعامة بشار أسد عبر تدخل عسكري منذ 2015 واستثمارات اقتصادية في الساحل، تقف كعنصر غامض في هذه الأزمة. مع وجود قاعدة حميميم وميناء طرطوس، يبدو غياب موقفها الواضح مثيراً للتساؤلات: هل تتيح لإيران هامشاً للمناورة ضمن تفاهم ضمني لتقاسم النفوذ، أم أنها فقدت قدرتها على ضبط الأوضاع بعد تراجع دورها؟ هذا الصمت يعزز من تعقيد المشهد، حيث تتفاعل أجندة طهران مع فراغات الداخل السوري والمصالح الروسية المعلقة. السلطات السورية الجديدة، التي واجهت تهديدات عند محاولتها كشف المتورطين، تجد نفسها في مواجهة تحدٍ مزدوج: ضغط إيراني لاحتكار السيطرة، وغموض روسي يترك الباب مفتوحاً للتكهنات.

في خضم هذه الفوضى، أعلن الرئيس أحمد الشرع، في حوار مع “رويترز”، التزامه بمحاسبة من أزهقوا أرواح 200 من قواته في الساحل، محذراً من أن استهداف العلويين يهدد تماسك البلاد. أكد أن العدالة لن تستثني أحداً، مشيراً إلى تورط الفرقة الرابعة وجهة خارجية -إيران على الأرجح- في إشعال الفتنة، مع اعتراف بأن مظالم الماضي غذت بعض العنف قبل تهدئته نسبياً، وأعلن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة. لكنه شدد على ضرورة سيادة القانون لإفشال محاولات تقويض سوريا، سواء عبر عزل الساحل أو استغلال الأزمة لتعطيل مسارها الدولي. نجاح هذا المسار يعتمد على قدرة دمشق على فرض هيبتها بحكمة، بدعم عربي متين وإصلاح شامل، بينما يظل الساحل عرضة لتحركات خارجية قد تعيد تشكيل المنطقة بالنار والحديد إذا لم تُحسم بسرعة وحزم.

 


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية