مآلات التغيير … لـ: نداء الدندشي

نداء الدندشي
كاتبة و باحثة سورية

تبنت الحكومة المؤقته في دمشق منذ اليوم الأول لعملها نظرية “الاقتصاد الحر”, ترافق هذا مع الغاء عمليات الإحتكارالتجاري, رغبة منها في العمل الجاد لتحسين المستوى المعيشي للشعب السوري.مبادرة لاقت استحسانا وقبولا من الجميع.

على مدى عقود من السيادة المطلقة للحكومة على رقاب الشعب في سورية, عمدت تلك الحكومة على حصر عمليات الإستيراد والتصدير بالمقربين منها, الجميع يعرف بأن هذا الارتباط العضوي بين فئة التجار والحكومة بني على المصلحة الشخصية, فقبول الأتاوات من التجار شمل أعلى المستويات في الدولة, المصلحة كانت خاصة بالمطلق في فترة لم يجرؤ خلالها أحد على الإعتراض عما يجري, تفاقم الوضع حتى وصل مرحلة التغوّل على الأرباح من قبل المسؤولين في أعلى المستويات, ما أدى لإرتفاع جنوني في الأسعار, ترافق مع انهيار لسعر صرف الليرة امام العملات الأجنبية نتيجة المضاربات المالية الهادفة لتكديس الأرباح, النتيجة كانت تدني المستوى المعيشي للعائلات السورية, واقتصرت عملية الإنقاذ لهذا الوضع المعيشي المرعب على التحويلات الخارجية التي يرسلها المهجرون قسرا إلى الدول الغربية لذويهم في الوطن. إذا أن تكون الخطوة الأولى للحكومة الحالية هي فك هذا الارتباط تعني الاستجابة لمطلب هام وملح من قبل جميع فئات الشعب. لكن العبرة تكمن في التطبيق!

خلال اليومين الأولين لبدء عمليات تحرير المدن السورية لاحظ المراقبون ارتفاع سعر الدولار بشكل يشير إلى أن الليرة السورية بدأت مرحلة السقوط الحر, ما أثار ذعر المواطنين على اختلاف مستوياتهم, تبخر المدخرات التي تركزت بأيد غالبيتها من المنتفعين من الحكومة السابقة ينذر بفقدان السيطرة على الأمن, هذا من جهة, على الطرف الآخر يقف الصناعيون الذين يستوردون المواد الأولية اللازمة للمصانع, والبضائع الضرورية من مستلزمات المواطنين بالقطع الأجنبي ينذر أيضا بارتفاع الأسعار بشكل لا يمكن السيطرة عليه في المستقبل. إذا عمدت الحكومة الحالية لإيجاد الحل وبالسرعة القصوى المطلوبة, عبر إعادة سعر صرف الليرة السورية إلى مستوى يخدم الهدف, فالتجارة هي عملية ربح بالدرجة الأولى, الربح شرطها الأول, وإلا لن تقوم لها قائمة, الا أن التعميم وعدم فصل العمليات التجارية عن قوت المواطن الذي يعتمد بشكل شبه كلي على التحويلات الخارجية أدى مع انهيار سعر الصرف لزعزعة الأمن الغذائي لدي هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع السوري, لعدم ترافق الخطوة بخطوة أخرى على صعيد تخفيض الأسعار بحيث تتلاءم والسعر الجديد لصرف الليرة السورية, هنا أطمئن القلقين على أرباح التجار الذين دفعوا ثمنا مرتفعا لبضائعهم بأن المبالغة في التسعير كانت إحدى سمات أعمالهم السابقة, فلا خوف عليهم الآن.

نقف الآن أمام مفترق يشير إلى أن الذين يتولون إدارة اقتصاد دولة منهكة بشكل كامل لا يتحلون بالدراية الكاملة بعملية إدارة الاقتصاد, فتوجيه ضربة قاصمة للدولار بهذه السرعة يؤثر بشكل سلبي على مستوى معيشة العائلات, ولا يعمل بالضرورة لمساعدة التجار على أداء مهامهم بالشكل المطلوب, هذا إن لم يؤد إلى فوضى الأسعار التي تؤثر بشكل مباشر على مستوى معيشة المواطن. تخفيض سعر الدولار يجب أن يترافق طردا مع انخفاض ملحوظ بأسعار المحروقات, إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار وبالسرعة القصوى العمل على تأمين المحروقات الضرورية بأسعار معقولة لبدء عملية النهوض, تخفيض أجور نقل البضائع بين المدن السورية, وبين الريف الذي يغذي المدن بالمواد الغذائية من خضار وفاكهة, وحتى نقل المواشي والطيور والأسماك لإدارة عملية الأمن الغذائي للشعب بحيث يؤدي هذا إلى انخفاض نسبي في أسعار المواد الغذائية هو أمر ملح, يضاف إليه تأمين حركة المواطنين عبر تخفيض أجور النقل العام وضرورة مراقبتها, بحيث لا تشكل عبئا إضافيا يرهق الموظفين وطلاب الجامعات والمدارس.

أيضا التصرف بحكمة عبر تحديد سعر منخفض لدولار التجارة الخارجية المخصص لعمليات الاستيراد حتى تصل البضائع إلى المواطنين بسعر يتناسب ومدخولهم المادي في المستقبل, والعمل على تثبيت سعر صرف الحوالات بحيث تحافظ العائلات على مستوى معيشتها الذي هو دون الحد الأدنى, هومطلب ملح, ويستوجب الحديث عنه, فتأمين العائلات لقوت أطفالها هو الهم الأكبر الذي يعاني منه الشعب السوري, مقيمين ومغتربين, نظرا لأن معظم المغتربين يتولون أحيانا إعالة أكثر من عائلة من ذويهم, أقربائهم, اصدقائهم, ولا يخلو الأمر من مساعدة البعض لجيرانهم بينما يرزحون هم تحت طائلة الضرائب المرتفعة وأجور المنازل في البلدان التي يقيمون فيها.

الأمن الغذائي, والارتقاء بالمستوى المعيشي هو الهدف الذي تتطلع إليه هذه الحكومة وفق التصريحات الرسمية التي نتابعها باهتمام بالغ, بل نترصد خطواتها رغبة منا بلفت الإنتباه وتصحيح المسار, لكننا نقف مطولا أمام طريقة الأداء التي يجب أن تتم ضمن الحد الأدنى من الآثار السلبية الغير متوقعة النتائج.

 


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية