قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن إسرائيل تواصل بغزة، وعلى نطاق غير مسبوق، تدميرا ممنهجا للمدن يمكن مقارنته بـ”الإرهاب الذي لا يرحم كما مارسه الدكتاتور السوري حافظ أسد في مدينة حماة عام 1982″.
جان بيير فيليو -في مقالته بالصحيفة- إن دكتاتورية آل أسد ، في عهد الأب حافظ عام 1982 ثم تحت حكم ابنه بشار منذ عام 2000، تعامل السكان السوريين كجيش احتلال جاهز لارتكاب أسوأ الانتهاكات في حال وجود تهديد للوضع الملائم لسيطرتها، مذكرا بما دار في مدينة حماة عندما استولى بضع مئات من “المتمردين الإسلاميين” عليها.
فقد حاصرت قوات النخبة التابعة للنظام السوري المدينة التي يسكنها حوالي 250 ألف نسمة واستعادتها خلال 3 أسابيع، بعد أن دمرت أحياء بأكملها بالقصف قبل أن يتم تجريفها بالجرافات، وبذلك تم تدمير ثلثها، في حين لا يزال الشك يحوم حول حصيلة ضحايا تلك المجزرة، مع تقديرات تتراوح بين 10 و25 ألف قتيل، غالبيتهم مدنيون.
من حماة إلى غزة
وبهذا المعنى -كما يقول جان بيير فيليو- يمكن بشكل مشروع عقد مقارنة بين الإرهاب الذي أطلقه نظام أسد ضد حماة في عام 1982، والإرهاب الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في غزة.
ففي كلتا الحالتين، يتعلق الأمر باستعادة شكل من أشكال “الردع” ضد التهديد الإسلامي الذي يُنظر إليه على أنه تهديد وجودي.
وفي كلتا الحالتين، يتم تدمير المدينة بشكل منهجي باعتبارها مركزا لمثل هذا التهديد، ويدفع السكان المدنيون ثمنا باهظا لهذه “الأعمال الانتقامية” التي تشبه العقاب الجماعي.
ومع ذلك فإن الاختلافات بين حماميْ الدم واضحة، إذ لم يتم الكشف عن عمليات القتل في حماة للعالم الخارجي إلا بعد فترة طويلة من الهجوم الذي شنه نظام الأسد دون بث أي صور، أما معاناة غزة فتحدث -بالتأكيد خلف أبواب مغلقة- مع طوفان من الصور الساحقة التي لا جدال بشأنها على الشبكات الاجتماعية.
من ناحية أخرى، سحق حافظ الأسد المدينة المتمردة بقواته، مع الحرص على عدم إشراك حليفه السوفياتي المخلص، في حين يستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة بفضل الدعم العسكري الأميركي المتواصل، علما أن الاتحاد السوفياتي لم يكن ليجرؤ أبدا على وصف دعمه للأسد بأنه “إنساني”، في حين أن واشنطن لا تقدم المساعدة “الإنسانية” بحرا وجوا للقطاع الذي يعذبه الجوع إلا من أجل الحفاظ على حرية الجيش الإسرائيلي في مواصلة عملياته البرية.
العقد المظلم
عندما وقع جزء من مدينتي حمص وحلب في أيدي الانتفاضة بعد 2011 في عهد بشار أسد ، لم يتم كسر المقاومة في حلب، رغم القصف العشوائي الذي لا تزال آثاره مثل الجروح الغائرة التي ترمز للانتقام الدكتاتوري، إلا بفضل تعزيزات القوات الجوية الروسية في ساحة من الأنقاض.
تدمير أكثر من نصف غزة كما دمرت حلب أمام أعين العالم أجمع هو تماثل بين مساعي الدكتاتور السوري والمحتل الإسرائيلي لإخضاع السكان المحرومين من كل أنواع الحماية المادية والرمزية بأشد أنواع القسوة
وأشار جان بيير فيليو إلى أن مثل هذا التدمير المنهجي لمراكز الحضارة لا يمكن ارتكابه إلا باسم “الحرب على الإرهاب” التي يفترض أنها تبرر جميع الانتهاكات، ولذلك كان بشار أسد راضيا عن نفسه بفعل “الحرب على الإرهاب” التي تلغي أي تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.
أما بالنسبة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد ظل يكرر لأكثر من 40 عاما ضرورات “الحرب على الإرهاب” التي بحكم تعريفها لا تغتفر، وقد سمح له مثل هذا الخطاب هو الآخر بتوسيع نطاق دعمه إلى ما هو أبعد من قاعدته التقليدية.
وهكذا تم تدمير أكثر من نصف غزة، وهي أكثر المدن الفلسطينية اكتظاظا بالسكان ومدينة مليئة بالتاريخ والذاكرة، أمام أعين العالم أجمع، في تماثل بين مساعي الدكتاتور السوري والمحتل الإسرائيلي لإخضاع السكان المحرومين من كل أنواع الحماية المادية والرمزية بأشد أنواع القسوة.