الغارديان : رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة للمحكمة الجنائية لإسقاط تحقيقات حول ارتكاب اسرائيل جرائم حرب

Last updated:

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن مدير الموساد السابق يوسي كوهين متورط شخصياً في مؤامرة سرية للضغط على المدعية العامة السابقة في محكمة الجنايات الدولية، فاتو بنسودا، من أجل التخلّي عن تحقيق المحكمة في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في فلسطين.

قالت الصحيفة في تقرير يوم الثلاثاء 28 من مايو/أيار إن كوهين هدد المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عبر سلسلة من الاجتماعات السرية، حاول خلالها الضغط عليها للتخلي عن التحقيق في جرائم الحرب.

وجرت الاتصالات السرية التي أجراها يوسي كوهين مع المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية آنذاك، فاتو بنسودا، في السنوات التي سبقت قرارها فتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبدأ تحقيق بنسودا رسمياً بشأن فلسطين في 3 مارس/آذار من عام 2021 والذي يشمل تحقيقات في سلوك قد ترقى إلى مستوى الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي والتي جرى ارتكابها منذ 13 يونيو/حزيران 2014 في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

وبلغت التحقيقات ذروتها الأسبوع الماضي عندما أعلن خليفة بنسودا، كريم خان، أنه يسعى لإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن سلوك إسرائيل في حربها على غزة.

ويعتبر القرار الذي اتخذه كريم خان بتقديم طلب إلى الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت، إلى جانب ثلاثة من قادة حماس، هو نتيجة كانت تخشاها المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية منذ فترة طويلة، حسب الصحيفة.

تورط كوهين في العملية ضد محكمة الجنايات الدولية حدث عندما كان مديراً للموساد، وجرت الموافقة على أنشطته في هذا الخصوص وتبريرها على أساس أن المحكمة شكلت تهديداً بملاحقة أفراد عسكريين، وفقاً لما صرّح به مسؤول إسرائيلي كبير للغارديان.

وتحدث أيضاً مصدر آخر، مطلع على العملية الإسرائيلية ضد بنسودا، بأن هدف الموساد حينها كان تعريض المدعية العامة للخطر أو تجنيدها كشخص يتعاون مع مطالب إسرائيل.

وأكدت مصادر للصحيفة أن الضغوط على بنسودا أتت بشكل مباشر بأوامر من نتنياهو لكوهين الذي كان “بمثابة الرسول غير الرسمي لنتنياهو”.

وأطلعت بنسودا بدورها مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية على محاولات كوهين الضغط عليها، وسط مخاوف نشأت بشأن طبيعة سلوكه لوقف التحقيق الجنائي في قضية فلسطين.

تهديدات

وفقاً للروايات التي جرى تداولها مع مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، يُزعم أن كوهين هدد بنسودا وعائلتها بقوله “يجب أن تساعدينا ودعينا نعتنِ بك، لا تريدين الدخول في أمور من شأنها تعريض أمنك وأمن عائلتك للخطر”.

وقال أحد المطلعين على أنشطة كوهين إنه استخدم “تكتيكات حقيرة” ضد بنسودا كجزء من محاولة فاشلة في النهاية لإخافتها والتأثير فيها، وإن سلوكه كان أشبه بـ”المطاردة”.

كما أبدى الموساد اهتماماً شديداً بأفراد عائلة بنسودا وحصل على نصوص لتسجيلات سرية لزوجها، ثم حاول مسؤولون إسرائيليون استخدام هذه المواد لتشويه سمعة المدعية العامة.

من جهته، علق متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في اتصال مع صحيفة الغارديان حول هذه الادعاءات بأن “الأسئلة المقدمة إلينا مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل”، بينما لم يستجب كوهين لطلب التعليق، ورفضت بنسودا التعليق أيضاً.

وكوهين معروف بأنه “جاسوس محترف” ويتمتع بـ”سمعة طيبة” في مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي باعتباره مسؤولاً فعالاً عن تجنيد العملاء الأجانب، كما يعتبر حليفاً مخلصاً وقوياً لنتنياهو، إذ جرى تعيينه مديراً للموساد من قِبله في عام 2016 بعد أن عمل لسنوات عدة إلى جانبه مستشاراً للأمن القومي.

ولعب الرئيس السابق لجمهورية الكونغو الديمقراطية، جوزيف كابيلا، دوراً داعماً في المؤامرة للتأثير في بنسودا بما وصفته الصحيفة بأنه “حليف غير متوقع”.

ويأتي الكشف عن جهود الموساد للتأثير في بنسودا في الوقت الذي حذر فيه المدعي العام الحالي، كريم خان، في الأيام الأخيرة من أنه لن يتردد في مقاضاة “محاولات إعاقة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق” في مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.

ويرى خبراء قانونيون ومسؤولون سابقون في المحكمة الجنائية الدولية، أن الجهود التي يبذلها الموساد لتهديد بنسودا أو الضغط عليها يمكن أن ترقى إلى “مستوى الجرائم ضد إدارة العدالة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي”، وهي المعاهدة التي أنشأت المحكمة.

ورفض متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية التعليق على المزاعم الخاصة ببنسودا، إلا أنهم قالوا إن مكتب خان تعرض “لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر في أنشطته”.

ويعتبر خان المدعي العام الثالث للمحكمة الجنائية الدولية بعد انتخابه عام 2021 خلفاً لفاتو بنسودا التي فُرضت عليها عقوبات أمريكية.

وفي 20 من مايو/أيار، أعلن خان أنه قدّم طلبات الى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بتهم ارتكاب جرائم حرب، وإبادة ضد الإنسانية، في ما يتعلق بالحرب في غزة وهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وكان قرار خان بطلب إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وغالانت المرة الأولى التي تتخذ فيها المحكمة إجراءات ضد قادة دولة متحالفة بشكل وثيق مع الولايات المتحدة وأوروبا، وترتبط جرائم إسرائيل بتوجيه هجمات على المدنيين في غزة واستخدام سلاح التجويع كوسيلة حرب.

لكن قضية المحكمة الجنائية الدولية تعود إلى عام 2015، عندما قررت بنسودا فتح تحقيق أولي في الوضع في فلسطين. ولم يُجرَ تحقيق كامل، جرى تكليف تحقيقها إجراء تقييم أولي لمزاعم ارتكاب جرائم من قبل أفراد في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.

وعارضت إسرائيل محكمة الجنايات، ورفضت الاعتراف بسلطتها، كما كثف الوزراء الإسرائيليون هجماتهم على المحكمة، وتعهدوا محاولة تفكيكها.

وتقول المصادر إن جهود الموساد هي جزء من حملة لنتنياهو ودونالد ترامب للضغط على عمل المدعية العامة. ففي الفترة ما بين 2019-2020 فرضت إدارة ترامب قيوداً غير مسبوقة وعقوبات على المحكمة، بمن فيها المدعية العامة. وكان التحرك الأمريكي انتقاماً لملاحقة بن سودة في حالة تتعلق بجرائم حرب ارتكبت في أفغانستان، يزعم أن طالبان والجنود الأمريكيين ارتكبوها.

إلا أن مايك بومبيو، وزير الخارجية في حينه، ربط العقوبات بتحقيق “الجنائية الدولية” في فلسطين: “من الواضح أن الجنائية الدولية وضعت إسرائيل بمرمى هدفها ولتحقيق أهداف سياسية عارية”. وبعد أشهر اتهم ببنسودا، وبدون أيّ أدلة، أنها متورطة بعمليات فساد ولأغراض شخصية.

 وألغى بايدن العقوبات بعد دخوله البيت الأبيض.

وفي شباط/فبراير 2021، أصدرت الغرفة التمهيدية قراراً أكّد اختصاص “الجنائية” في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وأعلنت ببنسودا، بعد شهر، عن فتح تحقيق شامل: “في النهاية، اهتمامنا الأكبر يجب أن يكون على ضحايا الجرائم، الفلسطينيين والإسرائيليين، والنابعة من دوامة العنف، وانعدام الأمن الذي تسبّب بمعاناة عميقة، ويأس لكل الأطراف”.

وبعد ثلاثة أشهر، أكملت ببنسودا فترة عمل من تسعة أعوام، وتركت التحقيق لخليفتها خان، الذي وجد حاجة ماسّة لمواصلته، بعد هجمات  تشرين الأول/أكتوبر، وحرب غزة، وتوج بطلبه في الأسبوع الماضي.


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية