في البال ِ أو في الذهن ، أن أجلب َ كُرسيّا ً و أجلس بمفردي ، لوحدي ، وحيدا ً ، هناك عند قارعة ِ طريق ٍ أو عند تراب ٍ في درب ٍ يُفضي إلى بيت ٍ متهالكٍ عتيق .
أو حين تشتدّ الحيرة أسعى لكي يحضر هناك صديق أتلفت ْ الأيّام ُ شيئا ً من وقته و ذاكرته ، و نتبادل شكل الجلوس و هيئته ، مرّة أجلس على الكرسيّ ، فيما يجلس هو عند التراب ، وتارة أنزاح ُ إلى التراب و هو يقتعد الكرسيّ .
أنا و هو ، هناك .
يسألني و يلح ّ في السؤال ، و أنا أتجاهل أو أتريّث ُ و أكون منشغلا ً بي .. يغضب فَأنهره ، يغضب ويغادر حانقا ً .
أجدني منفردا ً ، وحدي بلا شبيه أو صاحب ٍ ، بمفردي في الدرب ِ وعند الكرسيّ الفارغ والمقعد الفارغ والرصيف الفارغ و وحدي في دفتر الأسرار الفارغ والكتابة الفارغة والنصّ المكتظ ّ بالفراغ .
الفراغ ُ واضح ٌ فاقعٌ في الدروب والحكايات بعدما فرّ الصحب ُ و ذهبَ كثير ٌ منهم إلى القبور .
كل ّ الذين كانوا يملؤون أكواب الحكمة هربوا أو تعبوا أو غابوا ، ولم يَعُد ْ هناك ما ينفع لكي يزدهر الفراغ الشاسع أو لكي تمتليء الخوابيّ !
هل كان ينبغي أن يندلق الزيت ُ كلّه لكي نستذكر الزيتون ، وهل كان يلزم أن تعطش اليمامة لكي نتفقّد رائحة الليمون والميرميّة و الشيح ؟
وهل كان يلزم أن تدمع عيون عديدة لكي نستذكر الغياب والفجيعة ؟