لا يزال من الصعب تحديد العدد الكامل لقتلى أعمال العنف في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق ، ناهيك عن الحرب العالمية الأوسع على الإرهاب. ولكن تم تجاوزه منذ فترة طويلة من قبل رقم أكبر وأكثر غموضًا: العدد غير المباشر للأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة للآثار البعيدة المدى التي خلفتها نزاعات ما بعد 11 أيلول / سبتمبر ، مثل موجات العنف التي تلت ذلك ، والجوع ، و تدمير الخدمات العامة وانتشار الأمراض.
اعتمد باحثو جامعة براون ، في تقرير صدر يوم الاثنين ، على بيانات الأمم المتحدة وتحليلات الخبراء لمحاولة حساب الحد الأدنى لعدد الوفيات الزائدة التي تُعزى إلى الحرب على الإرهاب ، عبر النزاعات بأفغانستان وباكستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن، ووجدوا أن “الأثر واسع ومعقد” واعترفوا أنهم ليسوا مؤهلين لتحديد الرقم الحقيقي. لكنهم توصلوا إلى رقم تقديري وهو 4.5 إلى 4.6 ملايين شخص وهو رقم في تزايد مستمر نظرا للآثار المتزايدة التي لا يزال صداها يتردد.
ومن بين الوفيات سجلت الدراسة ما بين 3.6- 3.7 ملايين وفاة “غير مباشرة” نجمت عن التدهور الاقتصادي والبيئي والنفسي والظروف الصحية. وقتل أكثر من 7.000 جندي أمريكي في العراق وأفغانستان إلى جانب 8.000 متعهد أمني حسب برنامج جامعة براون “كلفة الحرب”، وعانت القوات الأمريكية آثارا متتالية بما فيها زيادة معدلات الانتحار بين المحاربين القدماء بشكل زاد عن معدلات الانتحار بين السكان بشكل عام. إلا أن الكم الأكبر من الذين قتلوا في الحروب كانوا من الناس المحليين، وأكثر من 177.000 من أصحاب الزي المدني من الحلفاء في أفغانستان والعراق وسوريا، حسب برنامج “كلفة الحرب” إلى جانب عدد كبير من المقاتلين المعارضين وعدد متنازع عليه من المدنيين.
وقالت ستيفان سافيل، معدة التقرير ومنسقة برنامج كلفة الحرب: “هناك تكاليف مدوية، الثمن الإنساني للحرب، الناس الذين لا يعرف عنهم الناس في معظم أجزاء الولايات المتحدة الكثير عنهم أو يفكرون بهم”. وأضافت: “نتحدث اليوم عن أن الحرب قد انتهت وأن الولايات المتحدة غادرت أفغانستان، ولكن الطريقة الأهم هي أن هذه الحروب مستمرة ولا يزال الناس في محاور الحرب يعانون من التداعيات”.
إن إرث الحرب التي قادتها أمريكا ضد الإرهاب رافقتها عواقب كارثية في الشرق الأوسط ووسط آسيا وشمال أفريقيا، وهي ثغرة تقول سافيل إن البحث حاول معالجتها مع أن البيانات غير مكتملة، لكنها حاولت التصدي لها من خلال تقديم تقدير تقريبي للتداعيات. وقالت إن “محاولة توليد هذا النوع من التقدير يسمح لنا بالبدء بالتعامل مع حجم المشكلة الحقيقي”.
إعداد تقديرات للضحايا المدنيين فقط في هذه الحروب مهمة محفوفة بالمخاطر السياسية. فالإحصاء الذي تقدمه واشنطن وحلفاؤها عادة ما يكون أقل من التقديرات المحلية. ففي العراق فإن حصيلة القتلى من القتال يتراوح ما بين 151.000 إلى 300.000 إلى 600.000 شخص حسب التقرير الجديد. ووجدت “واشنطن بوست” من بين عدة مؤسسات إعلامية تباينا وتقديرا أقل في التوثيق الرسمي للوفيات بسبب القصف المدفعي والغارات الجوية لقوات التحالف بقيادة أمريكا والتي استهدفت مقاتلي تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا.في أفغانستان والديّة التي دفعت للعائلات وجد أن “القوات الأمريكية تعاملت بطريقة غير متساوية وغامضة مع الوفيات بين المدنيين في العمليات العسكرية”. ومنذ عام 2010 يقوم فريق مكون من 50 باحثا وخبيرا قانونيا وعاملين في مجال حقوق الإنسان وأطباء، يشاركون في برنامج كلفة الحرب بمتابعة وتحليل الأرقام. وبحسب آخر تقدير لهم فإن 906.000 من بينهم 387.000 مدني ماتوا بشكل مباشر في مرحلة ما بعد 9/11، وتم تشريد أو نزوح 38 مليونا، وأنفقت الحكومة الفدرالية 8 تريليونات دولار على هذه الحروب حسب البحث.
إلا أن سافيل تقول إن أعدادا مضاعفة ماتت نتيجة آثار الحرب وبخاصة بين الأطفال والنساء والفقراء والسكان المهمشين. وهذا يعني زيادة معدلات الفقر وغياب الأمن الغذائي والتلوث البيئي وصدمات الحرب المستمرة وتدمير البنى التحتية العامة والصحية إلى جانب الممتلكات الخاصة ووسائل الحياة.
وفي السيناريو المثالي، قالت سافيل إن طاقمها قادر على تدعيم الحصيلة من خلال دراسة الوفيات المفرطة أو استخدام الباحثين الميدانيين لدراسة من يموت ولماذا، إلا أن التوثيق، مثل شهادة الولادة والوفاة غير متوفرة في الدول التي مزقتها الحرب. وبدلا من ذلك اعتمدت سافيل على أرقام السكرتارية العامة لميثاق جنيف وهي مبادرة تدعمها الأمم المتحدة لمعالجة العنف المسلح والتنمية والتي تقدر أنه لكل شخص مات بسبب الحرب مات أربعة آخرون نتيجة لآثارها غير المباشرة. فالحروب تجلب معها عادة انهيارا اقتصاديا وتتخلل كل ملامح المجتمع وتمنع الوصول إلى الضروريات مثل المياه والطعام والبنى التحتية الضرورية للحركة والعناية الصحية.
غالبية الوفيات غير المباشرة للحرب جاءت نتيجة فقر التغذية ومشاكل الحمل والولادة والكثير من الأمراض، بما فيها الأمراض المعدية والأمراض التي لا تنجم عن الأمراض غير المعدية مثل السرطان. كما أن بعض الوفيات ناجم عن الجروح بسبب الدمار الحربي للبنى التحتية، مثل تدمير الإشارات المرورية ومن الصدمات الترددية والعنف غير الشخصي.
وبعد عقدين من الزمان فإن مدى التهديدات المستمرة على الحياة الإنسانية بدأ الاعتراف بها والكشف عنها. فقد وجد تحقيق “واشنطن بوست” أن العراقيين مرضوا وماتوا بسبب حرق النفايات التي رماها الجيش الأمريكي في مزابل مفتوحة قرب القواعد العسكرية، مع أن الولايات المتحدة لم تقم بأي إجراء لتقييم الأضرار، علاوة على تعويض المحليين. وفي العام الماضي نجح الجنود السابقون بدفع الحكومة الأمريكية للاعتراف بأثر التلوث المسموم عليهم.
إن تحديد مسؤولية الوفيات وإن كانت مقصودة خارج نطاق الدراسة. و”لا تستطيع الفصل بين من تسبب بالموت لأن هناك الكثير من الأطراف المتحاربة” إلى جانب الكثير من العوامل المعقدة من الحكم الديكتاتوري إلى التغيرات المناخية و”النقطة هي القول إن الولايات المتحدة كانت متورطة في هذه الحروب العنيفة، وكان هناك تكثيف بسبب التدخل الأمريكي، وعند هذه النقطة فالقضية هي: كيف نتعامل مع الشعور بالمسؤولية؟”.