الصباح الباكر في دمشق … لـ : سلوى زكزك

سلوى زكزك
كاتبة سورية

الساعة الرابعة والنصف صباحا

معقولة الساعة أربعة ونص صباحا 7 ولاد ساريين عالحاويات..

ليش من هلق طالعين؟

تسحرنا وطلعنا.

ليش مابتروحوا تناموا؟

منرجع عالبيت الساعة 3 أو 4 الضهر منكون تعبنا والحاويات بتكون كمان فضيت..

طيب هلق شو بتلاقوا بالحاويات؟

كل الاكل تبع الفطور، وتبع السحور كمان..في ناس هي ونازلة ع صلاة الفجر بتنزل كلشي معها من أكل وزباله مبارح..ونحنا منلقطهن دغري ..

العلامة الفارقة كيس نضيف بيحطوا فيه كل الأكل الصالح لاعادة الاستخدام..

في بنوتة اخدت كيس نفاية بقدونس وسبانخ، ليش اخدتيه؟ عم نربي كم جاجة وخروف…

عالم متكامل..إعادة تدوير متكاملة..ضبط للوقت على موعد نفايات العالم…

حياة مضبوطة على النفايات..شو بتكون؟ حياة زبالة….


الساعة السادسة صباحا

السادسة صباحا بتوقيت دمشق، عتمة يلفها ضباب باهت وثقيل..يمر باص الدوار الجنوبي فارغا من الركاب، أتحسر في قلبي لأني فوتت مقعدا في الباص ووصولا سريعا ومريحا..

طفلان يبحثان في حاوية الحي، بين يدي أحدهما لفافة مرتبة..رغيف كامل ونظيف محشو ببطاطا مقلية وخس وبندورة، لا أعرف مصدرها، لكن يبدو أن أحدا قدعلقها بيد الحاوية..يتقاسمانها عالشعرة كما يقال، يأكلناها بصمت على حافة الرصيف، كيس كل واحد منهما ملاصق له..يقول الأصغر: جوعتني السندويشة اكتر..فيرد الثاني ويقول لو في منها 4 لأكلتهم.. ويضيف: كتير طيبة.

تنزاح العتمة قليلا..لأول مرة تبدو السماء وكأنها ستارة مسرح تزيحها يد ضعيفة ببطء..رجل على دراجته الهوائية يسأل الطفلين: في خبز بالحاوية؟ يؤكدان بلا تنطلق منهما معا وبحسم..يقترب منهما..يسأل عن قداحة، يجيبانه بهلع وكانهما متهمان: لاندخن، لكن الأصغر يمنحه واحدة مخبأة في جيبه ويقول له مبررا: وجدتها بالحاوية وخبأتها لأبي..

تتسارع الحركة في الشارع.. طنبر صاخب يمر وصاحبه ينادي على الملح..لكنه يتوقف فجأة يبحث في الحاوية عن أي شيء يؤكل للكديش..يجد كيس فيه أوراق خس وبقايا ملفوف.. يطعمها للكديش، يجلس ملاصقا للطفلين ويشرع في تدخين سيجارة أيضا..

تتحول الحاوية الى مركز للتجمع..تبدو أكثر الأشياء الفة في هذا الصباح الضبابي الضجر..

يزداد عدد الباصات العابرة.. تصبح أكثر ازدحاما.. ورغم قراري بعدم مغادرة المنزل اليوم أحدق في كل الباصات العابرة باحثةعن مقعد شاغر أفوز به فأصل مرتاحة وبسرعة..

ياللغرابة،مع انني لا انوي الخروج يبقى هاجس الوصول مؤرقا..هي المدينة التي جعلت من كل وصول امرا صعبا ومحفوفا بالترقب والقلق….




الصورة: فكتوريا ، دمشق في تشرين الثاني 2021
Victoria, Damascus in November 2021
لـ: عدسة شاب دمشقي


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية