إن رأس النظام السوري بشار الأسد، استغل كارثة الهزة الأرضية التي ضربت البلاد، لمحو الأدلة الشنيعة عن جرائم الحرب التي ارتكبها نظامه على مدى العقد الماضي، وفوق ذلك التزلف للمجتمع الدولي وطلب المساعدة في عمليات الإعمار.
بشار الأسد يضحك، فبعد أربعة أيام من الهزة الأرضية المدمرة في شمال- غرب سوريا، زار وزوجته أسماء مواقع الدمار والناجين في حلب التي يسيطر عليها النظام. وفي أول ظهور علني له، لم يكن مهيبا في مظهره، ولكنه كان يضحك بالفعل”.
تم تصوير الأسد البالغ من العمر 57 عامًا في حي مدمر مع السكان الذين رحبوا به وصافحوه، حيث صرخ رجل بأن حلب الآن لم تعد مدمرة بسبب وجود الأسد، وضحك الرئيس. وطلب الرجل صورة “سيلفي” وتم توزيع صورة الأسد بشكل واسع على منصات التواصل.
وهذا هو نفسه الأسد، الديكتاتور الذي يقوم بذبح شعبه لأكثر من عقد، وظل يقصف مع الطيران الروسي مناطق المعارضة التي تعرضت للدمار الأكبر بسبب كارثة الزلزال. وطالما أراد الأسد تدمير المنطقة وقتل سكانها. ثم جاءت الهزة ومنحته مكسبا تكتيكيا. ونشر الموالون له رسائل على منصات التواصل الاجتماعي قالوا فيها إن العناية الإلهية تدخلت ووفرت على الأسد كلفة البراميل المتفجرة.
منذ عام 2011، بدأ نظام الأسد جرائمه ضد الشعب السوري والتي تضم “كاتولوجا” من الاغتصاب والتعذيب والأسلحة الكيماوية والحصار والتجويع والقصف الجماعي وتدمير التجمعات المدنية.
الرئيس باراك أوباما حذر في عام 2012، الأسد من استخدام السلاح الكيماوي باعتبار ذلك خطاً أحمر، لكن الأسد خرقه عام 2013 في الغوطة بدون تداعيات. ولهذا اخترقه بعد ذلك في خان شيخون في 2017 ودوما في 2018. وبحلول 2022 كان هناك 6.7 مليون سوري نازحون في بلدهم، و6.8 لجأوا إلى دول الجوار وحول العالم.
وتم استثناء المساعدات الإنسانية من العقوبات التي لعب الغرب دورا مهما فيها. وكانت الفكرة هي إجبار الأسد من خلال العقوبات على تسوية، إلا أن إيران وروسيا والصين وبقية الدول الصديقة له، ساعدته على التحايل والتهرب من العقوبات من خلال شركات وهمية وإدارة عقود مزيفة، ومنحه شريان حياة اقتصاديا يشمل على الوقود والقروض وصفقات الاستثمارات.
ومع فرض العقوبات على أفراد الحاشية المحيطة بالأسد، أخذ بالاعتماد على جماعات أثرت نفسها على حساب الشعب المغلوب على أمره، بل على حساب أعضاء النخبة المقربة منه. وتقول الخطيب إن الأسد ومع زيادة أثر العقوبات على سوريا، ظل يظهر العناد والتحدي والظهور بمظهر من يستخدم آخر مبتكرات التكنولوجيا، فيما استمرت زوجته أسماء (47 عاما) بارتداء أحدث الأزياء وأغلى المجوهرات.
واستمر النظام بالترويج لرواية أن الغرب هو الملام على الظروف الاقتصادية بسبب العقوبات، إلى جانب رواية أخرى وهي أن كل من يعارض النظام هو إرهابي. وكان الترويج لهاتين الروايتين مهما لنظام عانت المناطق التي يسيطر عليها من مآسٍ إنسانية ودمار في الزلزال الأخير، ولهذا حمّل الغرب مسؤولية المعاناة، وقال وهو في حلب إن “الغرب لا رحمة لديه”. مع أن الأسد لم يعزّ شعبه على ضحايا الكارثة، وكان همه هو تصوير الشرعية الدولية التي حصل عليها من خلال رسائل التعازي التي تلقاها مكتبه من قادة دول العالم ومعظمهم عرب، عبروا فيها عن تعاطفهم معه. وطبعا تم التأكيد على رسالة التعزية من فلاديمير بوتين، الحليف الرئيسي للأسد.
وزادت ثقة الأسد بنفسه، عندما بدأت الدول العربية ترسل طائرات المساعدة، مع أنه كان راغبا أكثر بالحصول على اعتراف أو تطبيع مع الغرب بدون أن يظهر بمظهر من تنازل. وأراد الأسد الحصول على الدعم الغربي في عمليات الإعمار مع أنه بيّت نية شريرة، فالهزة الأرضية هي فرصة لمحو كل آثار الدمار الذي تسبب به نظامه من خلال قصف المناطق المدنية. وبالتالي، سيزعم أن كل الدمار الذي حل بالبلاد هو قدر إلهي. ونفذ الأسد سياسة الأرض المحروقة ضد معارضيه ودكّ مناطقهم بالقصف.
وبعد الزلزال، قامت جرافات النظام بهدم العديد من البنايات بزعم أنها تضررت بالكارثة وليس القصف الجوي. وقالت إن الرقم الذي أعلنته وزارة الصحة السورية عن القتلى في الكارثة كان أعلى من الرقم الذي نشرته منظمات حقوقية بأربعة أضعاف. فالنظام المعروف بتعذيبه وقتل السجناء، سيحسب الموتى في أقبية السجون كضحايا الزلزال.
وبعد الهزة، كرر النظام دعواته للتطبيع، حيث طلب مع روسيا رفع الحصار حتى تتمكن المساعدات الإنسانية من العبور، ويجب أن تصل أولا إلى النظام كي يتولى توزيعها. وعارض عضوان في الكونغرس الأمريكي قرار وزارة العدل تخفيف بعض العقوبات مدة 6 أشهر لتسريع وصول المساعدات الإنسانية للسوريين المنكوبين، وقالا إن هذا هو خطوة نحو التطبيع.
إن قرار الأسد فتح معبرين آخرين لمرور المساعدات جاء كمحاولة منه لأخذ المبادرة من مجلس الأمن الذي كان يخطط لعقد جلسة لفتح معبرين إلى جانب المعبر الوحيد عبر الحدود مع تركيا. وقالت إن بسام صباغ مبعوث سوريا في الأمم المتحدة، كان ضاحكا مثل رئيسه عندما أعلن أن قرار فتح المعبرين هو سيادي، وأن الحكومة هي من تسيطر على الحدود، مناقضا نفسه عندما قال إن حدود شمال- غرب سوريا هي تحت الاحتلال التركي والجماعات الإرهابية.
وتظل العقوبات غير كافية، فعلى الغرب عدم تجاهل حقيقة أن الوجود الروسي في سوريا هو من أنقذ الأسد من الهزيمة. وبطريقة معينة استخدمت روسيا التدخل في سوريا كبروفة للحرب في أوكرانيا، كما أن العلاقات العسكرية بين روسيا وإيران التي تطورت في سوريا تستخدم اليوم في أوكرانيا.
وعلى الغرب الاعتراف أن الأسد ليس الوحيد الفرح بل روسيا تضحك معه ولكن من الخلف. ويعتقد أنه يقترب للخروج من العزلة الدولية، ولو كان الغرب جادا في تحميل بوتين مسؤولية أفعاله في أوكرانيا، فإنه لا يستطيع العامل السوري الذي ساعد، بوتين والأسد وجهان لعملة واحدة.