ورد في الأخبار الفرنسية أن شاباً ليبياً مهدداً بالترحيل خارج فرنسا هاجم مجموعة من الأشخاص بسكين وطعن بعضهم وجرح البعض الآخر، وأن حالة أحدهم خطيرة.
تبدو عبارة الترحيل عبارة جديدة متلازمة مع ازدياد وتوسع اللجوء إلى أوروبا. اللجوء حق إنساني تحفظه المواثيق والمعاهدات الدولية، والترحيل إجراء قضائي يتم اللجوء إليه في حالات محددة جداً يكون فيها الشخص قيد الترحيل مهدداً للأمن العام في بلد اللجوء، أو مطلوباً بأحكام قضائية لبلد آخر.
الأهم أنه لا يمكن ترحيل أشخاص إلى بلاد لم تنتفِ فيها أسباب طلبهم للجوء، ومع هذا تتم مخالفة هذه القاعدة الأساسية، وتقترح بعض الدول المستقبلة للاجئين نقلهم إلى بلاد أخرى بالاتفاق مع تلك البلدان، وهذا يخالف أيضاً رغبة اللاجئين الأساسية.
وعلى المقلب الآخر، وضمن هذه البلدان المستقبلة للاجئين، ثمة تعاضد ودعم مجتمعي كبير يتناقض بشكل صارخ مع الترحيل أو التأخير الفائق بدراسة الملفات، أو حتى التمييز في الملفات ذاتها، حسب الجنسية وحسب عوامل عديدة أخرى يحتار اللاجئون أنفسهم في تفسيرها أو فهمها، إذْ يتم هذا الدعم عبر مؤسسات كنسيّة أو اجتماعية أو أهلية أو مدنية.
والدعم هنا متعدد الأوجه، تأمين وجبات طعام يومية تغطي كامل اليوم في مطاعم مخصصة ومعروفة ومعلن عنها، أو عبر توزيع وجبات الطعام، وخاصة الحساء والمشروبات الساخنة، في الطرق والساحات العامة وأماكن وجود اللاجئين والمشردين والمتسولين، إضافة إلى أماكن أنيقة ونظيفة ومجانية للاستحمام ولتغيير الملابس، عدا عن توفر الغسالات الآلية الملحقة ببعض المخازن الكبيرة وبأجور رمزية.
ويتم هذا الدعم عبر مؤسسات كنسية، أهلية، مدنية، أو مؤسسات تجارية، مثل بعض الشركات الكبيرة، وخاصة شركات التسويق والبيع الكبيرة، بالإضافة إلى التبرعات الفردية كمواد عينية تجمع في مراكز التسوق أو يتم استلامها في مراكز الجمعيات، أو كأموال نقدية مباشرة وغير مباشرة، عدا عن دعم البلديات بتخصيص أماكن مجهزة للمساعدة والدعم.
من خلال زيارة إلى أحد المطاعم التابع لإحدى الجمعيات والمدعوم من البلدية، تعرّفنا إلى مساعدات كثيرة تقدمها بعض المخازن الكبرى، من خضار ومعلبات وخبز
ومن خلال زيارة إلى أحد المطاعم التابع لإحدى الجمعيات والمدعوم من البلدية، تعرفنا إلى مساعدات كثيرة تقدمها بعض المخازن الكبرى، من خضار ومعلبات وخبز، عدا عن متطوعين ومتطوعات يتقاسمون العمل بمهارة تفصح عن خبرة طويلة بهذا العمل، كما توضح اتساع مساحة العمل التضامني لدرجة يكاد يتحول فيها إلى ركن أساسي من أركان العمل الخدماتي.
هناك تعرف الوجوه بعضها بعضاً جيداً، وهنا جوهر التناقض، إمدادات كبيرة بالمواد الغذائية والعينية والخدمات، ووجوه المحتاجين تتكرر! لا شيء يتغير إذن!
أحد اللاجئين، ويبدو أنه زائر دائم للمطعم، والأصح أنه أحد المستفيدين من خدماته، أعلن عن غضبه لأنه لا يملك مسكناً حتى الآن مع أنه مقيم منذ ثلاث سنوات في فرنسا، غاضب من كل شيء! من اللجوء ومن التشرد، من الجوع والتعب ومن بيروقراطية القوانين وعجزه عن فهمها، والأصح عجزه عن تبرير كل ما يحصل معه! كان يائساً لدرجة كبيرة، غاضباً ويشعر بالإهانة الكبيرة، قال إنه فقد الكثير من وزنه مع أنه لا يدخن ويأكل مجاناً ثلاث وجبات يومياً، ومع هذا فالذل يحاصره، يريد تغيير وضعه بأي طريقة ولا يجد لذلك سبيلاً.
ويعجز الرأي العام عن تقبل التمييز تجاه الأشخاص، وخاصة اللاجئين، ويناقض فعل الترحيل كل القوانين والمعاهدات التي تؤكد على شرط الحماية لجميع اللاجئين واللاجئات في كل بقاع الأرض. وفي المقابل حجم كبير من الخدمات لا تقدّم ولا يحصل عليها أهل البلاد الأصليون الذين بقوا في بلادهم الأصلية.
هل يتم الركون والقبول بمساعدات غذائية ومطابخ ووجبات مجانية وتضامن مجتمعي فردي ومؤسساتي واقتصادي وخدمي بدلاً من الحق بالكرامة وبالعدالة؟ هل يمكن القبول بعدالة جزئية تضمن حد الكفاف لكنها لا تحمي الحياة ولا تصون الكرامة الإنسانية؟
هي أسئلة قد تكون الإجابة عنها بديهية، لكنها غير ممكنة وغير محققة، الإنسانية في خطر! وعلى العالم إعادة صياغة إجراءاته لتلبي القيم الإنسانية أولاً وآخراً.