بشار أسد يعود للساحة الدولية خطوة بخطوة دون الشعور بالقلق بشأن الجثث الموجودة على جانبي طرقات سوريا التي لا يزال يتصاعد منها أعمدة دخان الحرب.
فبعد مرور اثنتي عشرة سنة على انظلاقة انتفاضة شعبية وحربه على شعبه ومقتل أكثر من 500 ألف شخص وتشريد 13 مليونًا؛ يواصل الطاغية بشار أسد رحلته نحو إعادة التأهيل الدولي، ولعل هدفه يكمن في أن يعترف العالم كله بانتصاره.
هذا السيناريو غير مطروح للنقاش بالنسبة للغرب رغم صعوبة تجاهل الوقائع في الكواليس؛ حيث نقلت عن مصدر إسرائيلي قوله في تشرين الثاني/ نوفمبر إن “الأسد ربح الحرب على الأرض وعلينا التعامل مع هذا الواقع”. ويسيطر اليوم النظام على نحو 70 بالمائة من الأراضي السورية بفضل دعم عسكري من إيران وروسيا ويستعد بصبر للخطوة التالية.
دمشق تحرز تقدمًا تلو الآخر على الصعيد الدبلوماسي، فقد استأنف نظام أسد الاتصال منذ سنة 2018 مع الإمارات شديدة النفوذ كما ترغب بعض دول جامعة الدول العربية في إعادة اندماجها على الساحة الإقليمية. أما في الوقت الحالي؛ فقد تواترت الإشارات الإيجابية التركية تجاه سوريا.
وفي هذا الصدد؛ التقى وزراء سوريون بنظرائهم الأتراك في موسكو لمناقشة تطبيع محتمل للعلاقات في شهر كانون الأول/ديسمبر ولأول مرة منذ بداية الحرب. والأهم من ذلك؛ لمّح رجب طيب أردوغان في أوائل شهر كانون الثاني /يناير الماضي أنه قد يلتقي بشار الأسد في الأشهر المقبلة.
من المتوقع أن يشكّل عقد قمة مع الرئيس التركي، الخصم الرئيسي للديكتاتور السوري نقطة تحول مذهلة في هذا الملف، وقد أفاد كريستوفر فيليبس، باحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة الملكة ماري بلندن، أن “الطريق لا يزال طويلا أمام المصالحة الكاملة بين دمشق وأنقرة. لكنها ستكون خطوة جوهرية نحو إعادة تأهيل بشار الأسد. وبالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ تشكل تركيا العقبة الرئيسية أمام عودة سوريا إلى الساحة الإقليمية والدولية”.
ويدين التحول التركي بالكثير للتقويم الانتخابي؛ حيث يواجه أردوغان في شهر يونيو/ حزيران القادم انتخابات رئاسية دقيقة، علاوة على ذلك؛ ستكون مسألة الهجرة، حيث يوجد أربعة ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية، مسألة محورية في هذه الانتخابات، فقد وعدت المعارضة الموحدة ضد أردوغان بالفعل، في حال فوزها، باستئناف الاتصال مع بشار الأسد لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
بخلاف اللاجئين؛ يحتاج الرئيس التركي أيضا إلى دعم النظام السوري أو على الأقل موافقته الضمنية لشن هجوم عسكري ضد المنظمات الإرهابية الكردية في شمال سوريا. وقد وعد أردوغان بعملية عسكرية برية ضد المنظمات الإرهابية الكردية التي تسيطر على شمال سوريا بدعم أمريكي لعدة أشهر وتحديدًا منذ هجوم إسطنبول في 13 تشرين الثاني /نوفمبر الماضي.
وعلق الكاتب فابريس بالونش: “يتحرك الروس أيضا من خلف الكواليس. في الوقت الراهن لا خيار أمام الأسد غير الخضوع بالنظر إلى أن الحرب استنزفت قواه وعدم تسجيل الاقتصاد السوري أي نمو، جنبًا إلى جنب مع تنامي الاحتجاجات بسبب غلاء تكلفة المعيشة. في الحقيقة؛ لا يقدم الروس خدماتهم مجانًا بل يمارسون ضغطًا على النظام السوري من أجل قبول الشروط التركية التي تخول إنشاء جبهة موحدة تجمع موسكو وأنقرة ودمشق، موجهة بشكل أساسي ضد المنظمات الإرهابية التي تدعمها أمريكا “.
وبسبب تورطه في الحرب الأوكرانية؛ يجد بوتين نفسه مضطر لإرضاء نظيره التركي، الذي يعارض دخول السويد وفنلندا إلى حلف الناتو.
وتشير الصحيفة إلى نفاد صبر موسكو بسبب تفشي الفساد داخل النظام السوري ورغبتها في تسريع عائد الاستثمار؛ ففي حال عدم خروج دمشق من العزلة الدولية، فإن مسألة إعادة بناء سوريا ستترك على الرف، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على إيران، التي تستميت في تمويل النظام السوري، والتي تعيش على وقع احتجاجات جماهيرية منذ أيلول/سبتمبر من العام الماضي. وفي سياق متصل؛ يعتزم وزير الخارجية الإيراني زيارة أنقرة الثلاثاء المقبل من أجل تعزيز التقارب التركي السوري.
في هذا الخصوص يتابع بالونش قائلًا: “من الناحية الموضوعية؛ الأسد هو الحلقة الأضعف ويخدم التوصل إلى اتفاق مع تركيا مصالحه، لكن هذا دون الأخذ بعين الإعتبار نفسيته ونفسية المواطن السوري بشكل عام. على مدى عقود من الزمن؛ اشتهر السوريون بخلق رهانات على جميع الجهات؛ حيث يعود اقترابهم من تركيا، أو التظاهر بالتقرب من تركيا، إلى إدراكهم حقيقة إزعاج ذلك للإمارات والسعودية. وبناء عليه، يسعى الأسد إلى الاستفادة من القوى المتنافسة فيما بينها”.
وبحسب بالونش فإن سياسة المناورات التي يمتهنها الأسد قد تضمن حضوره قمة جامعة الدول العربية المقبلة، التي ستحتضنها الرياض في الربيع المقبل.
التطبيع مستحيل مع الغرب
وتابعت الصحيفة مع كريستوفر فيليبس الذي قال: “من غير المستبعد عودة الأسد إلى اللعبة الإقليمية؛ لا سيما أن تاريخ الشرق الأوسط زاخر بمثل هذه المواقف. على العكس من ذلك؛ بالنسبة للغرب يعتبر الأمر معقدًا ويبدو مستحيلًا خاصة في حال لم يقدم الأسد عروضًا ترقى إلى مستوى التحديات”.
والجدير بالذكر أنه في بداية شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، عقب كشف أردوغان عن احتمال عقد لقاء مع الأسد، استبعدت الولايات المتحدة تطبيع العلاقات مع النظام السوري معبرة عن عدم دعمها لمثل هذا التقارب تحت أي ظرف كان.
رغم إقناع بعض دول جنوب أوروبا قبل عامين بالتعاون الخفي مع دمشق، غير أن الأزمة الروسية الأوكرانية غيرت الموازين وجعلت من تطبيع العلاقات مع دولة تسيرها روسيا أمرًا مستحيلًا.