حيط وخيط وظلم بائن … لـ : سلوى زكزك

سلوى زكزك
كاتبة سورية

تواطأ الجميع مع قرار عدم توريث البنات. تصرخ عمتي في وجه ابنتها: “ما في ورثة للصهر”. يصير الصهر، أي زوج البنت، عدواً فجأة، غريماً للأبناء الذكور، طامعاً في مال أهل زوجته، وكل الترحيب البروتوكولي به قبل الزواج وبعده، والادعاءات المتكررة بأنه فرد جديد في العائلة تتلاشى بعيداً، يصبح غريباً جداً ومرفوضاً بشدة.

أتذكر كما تتذكر غالبية الفتيات اللاتي وصلن إلى سن الزواج إشارات الأهل الجارحة لبناتهن (يلي بعمرك تزوجت وصار عندها ولاد). يصير الوقت قاسياً كنصل حاد، لدرجة تشعر البنات معه وكأنهن يعشن في الوقت الخطأ وفي بيت الرجل الخطأ.

البيوت ملك للرجال فقط وعنوانها مرتبط باسم الرجال فقط. حتى الاسم على جرس البيت هو باسم الرجل الذي اعتاد هو والمجتمع مناداته بلقب صاحب البيت حتى لو كان البيت ليس ملكاً له.

يعلن البعض بفخر أنهم منحوا بناتهم ذهباً. شاركوا في جهاز العرس أو بعض من أثاث المنزل الزوجي لابنتهم، لا أحد منهم يتذكر عند استعراض عضلاته الحاتمية حق ابنته الأصيل، حقها ليس بالقيمة المادية فقط بل باعتباره حقاً مكتسباً لها، ومهما كان مؤجلاً، لكنه يجب أن يكون مضموناً وعادلاً.

تقول نعمة إنها فقدت زوجها ومنزلها أيضاً في وقت واحد، كانت لا تملك إلا خياراً واحداً، وهو اللجوء إلى منزل أهلها مع أطفالها الأربعة، هي بحاجة فعلية للمأوى، ومع هذا سعت وبجهد ذليل لإقناع أهلها بأنها ضيفة مؤقتة حتى تتمكن من استئجار منزل، كررت أمامهم ان لهم الحق في ردع أطفالها وعقابهم إن أخطأوا. سترضى بغرفة واحدة في بيت أهلها الواسعـ وسيكون عمل المنزل بكامله واجباً حصرياً عليها الالتزام به.

من المؤسف أن الأم والأب لم يقولا لها العبارة السحرية والأبوية الحقيقية التي كانت تنتظرها لتطمئن ولتمنح الطمأنينة والشعور بالاستقرار لأطفالها! لم يقلها أحد! بل تماهى الجميع مع توصيف حضورها الذي عبّرت عنه؛ مجرد ضيفة مؤقتة بساعات عمل مستمرة وطويلة.

البيوت ملك للرجال فقط وعنوانها مرتبط باسم الرجال فقط. حتى الاسم على جرس البيت هو باسم الرجل  الذي اعتاد هو والمجتمع مناداته بلقب صاحب البيت حتى لو كان البيت ليس ملكاً له.

 ما بين المجتمعي والاجتماعي والديني والشرعي والقانوني والذهبي يتم التلاعب بحق النساء في الإرث. حتى المباح والمسموح لها نصاً يغتاله العرف ويصادره القانون تحت ذرائع قانونية ضد القانون، لأن النصوص القانونية ناقصة التفسير، وغير مكتملة في تثبيت الحقوق أو متابعة ومحاسبة من يخرقها ومن يصدرها تحت ألف سبب، حتى لو كان تحت مسمى مال العائلة ملك لذكورها أو أن من يحفظ اسم العائلة هم الذكور وأبناؤهم.

وهنا زوجات الأبناء يصبحن وارثات فعلياً ومرحباً بحضورهن وسطوتهن على أملاك العائلة. وتصبح البنات خارج دائرة الإرث حتى وإن كان الإرث بحد ذاته هو أحد أشكال حمايتها من الفقر أو من ظلم الزوج وتحكمه.

طالما راودتني فكرة عبثية الإرث طالما أنه جالب لكل هذه المشكلات، قالت جدتي ذات يوم: الفقر راحة. لأن من لا يملك شيئاً ليس مضطراً ليمنح الفراغ. تصالحت باكراً مع فكرة أنها لن تغضب أحداً ولن تميز بين ابن وابنة.. فقط لأنها لا تملك مالاً ولا عقارات ولا أراضي زراعية. وهذا منطق هروبي خاص، يهادن الغلبة وتمييز تجاه أحقية ذكور العائلة بالإرث. لم تكن جدتي عادلة، بل كانت مستكينة لدرجة أنها وجدت في فقرها مصالحة طبيعية مع بناتها.

تغيرت بعض القوانين لصالح حق البنات في الإرث. لكن المجتمع دافع عن نفسه بدهاء وشراسة حين منح وساماً خلبياً، لكنه يرن كالجرس حين منح البنات الرافضات في الظاهر وإكراهاً في العمق للحصول على حقوقهن في الإرث.

تتباهى البنات بإرثهن من عائلاتهن. تلومهن شريكاتهن فقط لأنهن عجزن عن التمتع بحقهن في الإرث.. يتم غالباً اتهام البنات الوارثات بالطمع وبالرغبة بالاستيلاء على ما ليس حقاً لهن. وغالباً ما تقول عائلات الأزواج بأن ما ترثه الزوجات يقلب ميزان السيطرة داخل منزل الزوجية.

القاعدة هي المساواة. والعدالة هي منح المحتاج أكثر بغض النظر عن كونه ابناً أو ابنة. لكن ميزان العدالة مائل وميزان المساواة ملتبس ويتم التلاعب به بحكم فرط القوة للطرف المالك أو المتحكم. وما بينهما ظلم بائن وتصرفات ظالمة وتغييب للحقوق وللشراكة تطاول حتى اسم الأب والعائلة وتعيق السعي الأصيل والملتزم لكيلا تتنكر العائلة لحقوق بناتها وكي لا تكره البنات جنسهن.


العربي الجديد



يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية