بينما يتركز اهتمام العالم بشكل مفهوم على أوكرانيا، يظلّ من الضروري محاكمة المسؤولين عن ارتكاب بعض أسوأ جرائم الحرب في القرن الحادي والعشرين والتي حدثت في سوريا.
على الرغم من كل الإنكار لارتكاب أخطاء من قبل نظام الدكتاتور بشار الأسد، ودعايته السخيفة بأنه زعيم متحضّر ملتزم بالقانون كان يحمي بلاده فقط من المتطرفين المدعومين من الخارج، فإن مجموعة مفحِمة من الأدلة ترسم قصة مختلفة تماماً: قصة ارتكب فيها النظام فظائع بشكل منهجي ضد مواطنيه.
وإذا كان مرتكبو الجرائم المروعة المماثلة ضد الإنسانية التي تُرتكب في أوكرانيا سيواجهون العدالة بكل تأكيد، فمن الضروري أن يضمن المجتمع الدولي محاسبة الأسد وأتباعه على جرائمهم المروعة.
ربما تكون أسوأ تجاوزات الصراع السوري قد ولّت، لكن الحرب الأهلية ستبقى إلى الأبد في الذاكرة بسبب صور البراميل المتفجرة تمطر على الأحياء المدنية، والسجون السورية تفيض بالمدنيين الذين يتعرضون لأهوال لا توصف، وقوات النظام تقتل المتظاهرين في الساحات العامة.
الآن، وبفضل البحث الشامل الذي أجراه فريق متخصص يعمل مع لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA)، تم تجميع جزء كبير من المواد التي توفر أدلة لا جدال فيها على تورط النظام في بعض أسوأ الفظائع التي ارتُكبت خلال النزاع.
توفر المواد تفاصيل شاملة حول الطريقة التي أجرى بها النظام – وما زال يدير – حملة منهجية ومخططاً لها مركزياً من القتل الجماعي والتعذيب.
جمعت اللجنة المواد التي تميز بين فئتين من السلوك الإجرامي: تعذيب وقتل المعتقلين، واستخدام القوات العسكرية وشبه العسكرية لارتكاب فظائع ضد المدنيين العزل.
اتصالات النظام الداخلية التي حصلت عليها اللجنة الدولية للعدالة والمساءلة صدرت أوامر تظهر من أعلى مستويات القيادة “بعدم التعاطف والرحمة تجاه المتظاهرين” وحل الاحتجاجات العامة “بغض النظر عن العواقب”، كما تلقى قادة عسكريون تعليمات خطية بتهديد المجتمعات بالتدمير في حال مقاومة قوات الأسد.
تسمح لنا وثائق النظام أيضاً بتتبع سلسلة السلطات التي تم من خلالها تنفيذ هذه التهديدات، بما في ذلك عن طريق الأوامر المباشرة بضرب المستشفيات بالمدفعية وتعبئة وتسليح القوات شبه العسكرية الموالية التي قامت بعد ذلك بذبح المدنيين.
إن المسؤولية الجنائية واضحة تماماً عن الفظائع التي حدثت في مراكز احتجاز نظام الأسد، يمكن لمسؤولي النظام رفيعي المستوى مشاهدة هذه الجرائم في الوقت الفعلي عبر الكاميرات المثبتة في غرف الاستجواب، مع إرسال الصور مباشرة إلى مكاتبهم، بل إن بعض كبار المسؤولين شاركوا في اغتصاب المعتقلين أنفسهم.
تم إصدار أوامر بهذه الجرائم وإدارتها بشكل دقيق من قبل الخلية المركزية لإدارة الأزمة، وهي هيئة عليا لاتخاذ القرارات أنشأها بشار الأسد في آذار 2011 لتنسيق حملة القمع من قبل مؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية وقد أبقت هذه الآلية بشار الأسد على اطلاع واسع بما يجري، وقد كان يديرها عن كثب.
في نهاية المطاف، ستنتهي قضية الملاحقة القضائية ضد الأسد وأتباعه، تماماً كما كان الحال في محاكمات نورمبرغ لمجرمي الحرب النازيين بعد الحرب العالمية الثانية، على التقارير الدقيقة التي سجلتها بيروقراطيتهم بشأن القتل الجماعي لمواطنيها.
لقد قرأ الأسد بنفسه التقارير التفصيلية المرسلة إليه بشكل يومي، وقام بدوره بإصدار التعليمات من خلال التسلسل القيادي، وتظهر الوثائق الداخلية للنظام أن جميع كبار مساعدي الأسد الحاليين كان لهم دور مباشر في إبلاغه وتنفيذ تعليماته بوحشية.
مع وصول عملية السلام السورية التي تقودها الأمم المتحدة إلى طريق مسدود – أعاقتها روسيا على وجه الخصوص- تحولت الأولويات الغربية إلى صراعات أخرى مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، وللأسف، تم تخفيف الضغط الغربي على الأسد.
لكن هذا يجب أن لا يعني السماح للجناة الرئيسيين في جرائم النظام ضد الإنسانية بالإفلات من العدالة، حالياً تجري التحقيقات والملاحقات القضائية لبعض مجرمي الحرب السوريين في مختلف الولايات القضائية – في أوروبا، على وجه الخصوص.
هذه بداية جيدة، على الرغم من أنه، نظراً لحجم الجرائم المرتكبة، فإن المطلوب حقاً هو تشكيل محكمة جنائية دولية خاصة في لاهاي مخصصة للقضايا المتعلقة بسوريا من شأنها تسريع عملية المساءلة الجنائية.
من المؤكد أن إنشاء مثل هذه المحكمة سيخدم مصالح القوى الغربية الكبرى، وسيساعد تقديم مرتكبي جرائم الحرب في سوريا إلى العدالة على توليد الزخم اللازم لتأمين تسوية سياسية حقيقية للحرب في سوريا، كما من شأن محاسبة نظام الأسد ومجرمي الحرب الآخرين أن يخدم غرض ردع الأنظمة الأخرى، مثل روسيا، التي قد تحاكي حرب الأسد الوحشية في المستقبل لحل مشاكلها السياسية.