أرتور على اتصال عبر رسالة نصية مع والده ، أوليغ ، العقيد في القوات الموالية لموسكو ، يحاول جاهدًا ألا تسيطر الكراهية عليه .
ما أن بدأ القصف الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي حتى سارع الشاب أرتور إلى التقاط هاتفه المحمول للاتصال بعائلته والاطمئنان عليها كما فعل ملايين الأوكرانيين وقتها.
وعلى عكس معظم الشباب الأوكرانيين الذين كانوا متلهفين للاطمئنان على أبويهم أرسل أرتور رسالة مختلفة إلى والده وهو يملؤه الغضب قال فيها: “أيها الحمقى”.
وكان أوليغ والد أرتور عقيداً في القوات الانفصالية الموالية لموسكو في شرقي أوكرانيا.
لم يتأخر أوليغ في الرد على ابنه فأرسل إليه رسالة قال فيها: “إياك أن تحمل السلاح. كييف ستسقط قريباً”.
لم يستمع أرتور إلى نصيحة والده وسارع بتسجيل نفسه متطوعاً في الجيش الأوكراني، وشارك في الدفاع بنجاح عن العاصمة كييف. وبحلول شهر أبريل/نيسان كانت القوات المحاصرة لكييف تراجعت دون أن تتمكن من دخول المدينة.
لم يكتفِ أرتور بذلك وانضم إلى الجيش الأوكراني النظامي وشارك معه مؤخراً في الهجمات المضادة التي شنتها القوات الأوكرانية في شمال وشرقي البلاد، وشارك الشهر الماضي في تحرير مدينتَي ليمان وإيزيوم الاستراتيجيتين من القوات الروسية.
طوال تلك المدة حافظ أرتور على تواصل مع أبيه أوليغ الموجود بمدينة دونتسك الأوكرانية المحتلة، عبر الرسائل النصية.
وبعد أشهر من بدء الحرب أجرى أرتور اتصالاً عبر الفيديو مع أبيه من منطقة زاكارباتيا أقصى غربي أوكرانيا حيث كان يتعافى بعد أشهر من الحرب. وخلال الاتصال قال أرتور لأبيه: “نحن نحارب في جبهتين متضادتين تماماً، إلا أن أحدنا فقط هو الذي يحارب من أجل هدف صحيح”.
ولد أرتور في مدينة بوريسبيل قرب كييف في عائلة عسكرية، وكان والده أوليغ ضابطاً في الجيش الأوكراني لمدة 10 سنوات حتى عام 2011 في منطقة دونتسك شرقي البلاد.
انفصل والد ارتور عن زوجته في ذلك العام وسافر إلى روسيا للبحث عن عمل. وعام 2016 انضم إلى القوات الانفصالية الموالية للروس في دونتسك عام 2016.
ويقول أرتور إنه أصيب بالذهول عندما قال له والده إنه انضم إلى القوات الانفصالية في دونتسك.
وأضاف: “بالنسبة إليَّ هذه الحرب بدأت في 2014 (عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم). وكان ذلك يعني انضمامه إلى صفوف الأعداء”.
ويقول أرتور إنه حتى قبل بدأ الاشتباكات كان يلاحظ أن أباه يتخذ موقفاً مؤيداً للانفصاليين الموالين للروس، وإن الدعاية الروسية كانت تسيطر عليه، إلا أنه ظن أن والده سيتعقل ولن يستسلم لذلك ولكنه كان مخطئاً.
وأوضح أرتور أنه عقب إتمامه دراسة الهندسة وفي أثناء سنوات محاولته العمل في قطاع السينما في كييف كان لا يزال محافظاً على التواصل مع أبيه. إلا أن القطيعة بين الأب وابنه ازدادت مع ازدياد التوتر بين موسكو وكييف قبيل بدء الحرب.
وفي شهر مارس/آذار الماضي مع انسحاب معظم الجنود الروس من محيط كييف أرسل أرتور رسالة مصورة إلى والده سخر منه بسبب أنه أخبره قبل ذلك أن العاصمة كييف ستسقط خلال مدة قصيرة.
وقال أرتور في الرسالة: “أتجول في الأنحاء ولا أرى أي أثر للروس. يبدو أنهم اختفوا. هل تخبرني أين ذهبوا؟”.
وقال أوليغ لابنه إن مصير روسيا سيتغير قريباً وطالبه مرة أخرى بترك السلاح.
يقول أرتور: “حينها رأيت أن أمل الروس في النصر بدأ يتراجع وكلما استعدنا المزيد من الأراضي بدأ أبي يزداد حزناً”.
بعد الكشف عن أدلة تثبت قتل الروس للمدنيين في بلدة بوتشا الأوكرانية اتصل أرتور بوالده أوليغ مرة أخرى.
وقال أرتور إن والده لم يقبل ذلك وظل يكرر أن هذه الأخبار كاذبة وملفقة وأن التلفزيون الروسي يقول إن المدنيين قتلهم الجنود الأوكرانيون وليس الروس.
وأشار إلى أنه “أخبر والده بأنه موجود في بوتشا وأنه رأى كل شيء بعينيه”، مستدركاً: “ولكني أدركت أنْ لا فائدة من محاولة إقناعه بأي شيء”.
وكان آخر اتصال بينهما عندما شاركت الوحدة التي يخدم بها أرتور في تحرير منطقة إزيوم شمال شرقي أوكرانيا.
وعندها أرسل أوليغ رسالة إلى ابنه قال فيها: “افرحوا الآن بينما يمكنكم الفرح”.
فرد عليه أرتور قائلاً: “أنت مثل الشخصيات الشريرة في أفلام الرعب. فدائماً ما يعد الشخص الشرير أنه سيعود مجدداً بعد أن يُضرب في الفيلم”.
وفي سؤال وجهه مراسل صحيفة ذا غارديان البريطانية إلى الجندي الأوكراني أرتور حول ما الذي سيفعله لو واجه والده في ميدان المعركة قال أرتور بعد أن صمت لفترة قصيرة: “لا أعتقد أني يمكنني أن أطلق عليه النار، أو أن يطلق هو عليَّ النار. فمن بوسعه أن يقتل والده؟!”.
وفي رسالة أرسلها أوليغ منذ فترة قريبة قال لابنه: “أنت لا تزال ولدي. وأنا أريد الأفضل لك لكي تكون سعيداً وبصحة جيدة”.
ويقول أرتور إنه لا يمكنه إطلاق النار على والده ولكن لا بد أن يُحاسب والده على ما فعل وأن يمثل أمام القضاء.
ويضيف: “أريده أن يكون شاهداً على انتصارنا. وأن أرى عالمهم يتهاوى”.
ويؤكد أرتور أنه رغم كل ذلك لا يزال يحاول ألا يجعل الغضب والكراهية يسيطران عليه.
ويقول أرتور إنه يرغب في أن ينتج فيلماً بعد الحرب وأن يساعد الجنود الذين يعانون صدمات نفسية بسبب ويلات الحرب.