مع إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “التعبئة الجزئية” للزج بنحو 300 ألف جندي في الحرب بأوكرانيا، سارع عشرات الآلاف من الشبان إلى الفرار متجهين إلى جمهورية جورجيا وسط “عدم ترحيب بهم” من قبل سكان تلك البلد الصغيرة التي لا يزيد سكانها عن 3 ملايين نسمة.
تسود من مشاعر من الاستياء لدى سكان جورجيا والذين خسروا خمس مساحة بلادهم بعد أن دعم الجيش الروسي الانفصاليين في ما بات يعرف باسم جمهوريتي “أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا”.
وقد اعترفت موسكو بتلك الجمهوريتين الانفصاليتين عقب حرب اندلعت نيراها في أغسطس من العام 2008، مما جعل العلاقات متوترة بين موسكو وتبليسي، والتي كانت تعاني الاضطرابات منذ استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفيتي في العام 1991.
ومع دخول نحو 40 ألف روسي إلى جورجيا عقب إعلان بوتين “التعبئة الجزئية”، أبدى الكثير من سكان العاصمة، تبليسي، غضبهم من ذلك، بل أن بعضهم كان قد دعا سابقا عبر استطلاع للرأي أجري في أبريل الماضي إلى فرض تأشيرة إلزامية على الروس القادمين بلادهم، والذين يحق لهم حاليا دخول البلاد لمدة عام دون الحاجة إلى أي تأشيرة دخول.
ومنذ بدء غزو قوات الكرملين لأوكرانيا، أبدت أعداد كبيرة من الجورجيين، تعاطفا كبيرا مع أوكرانيا باعتبار أن ذلك يذكرهم بما حدث لهم في العام 2008.
وانتشرت في العاصمة الجورجية لافتات وعبارات مؤيدة للأوكرانيين، وبعضها حمل عبارات مثل “الروس غير مرحب بهم في بلدنا”، بينما علقت مقاه على نوافذها لوحات خط عليها : “نحن لا نتكلم اللغة الروسية هنا”.
ويوضح، نودار روخادزي، وهو كاتب وناشط، جورجي يبلغ من العمر 25 عاما: “لقد تغيرت التركيبة السكانية لبلدنا الصغير بشكل كبير”.
وأضاف: “إذا كنت تمشي في أي شارع في تبليسي، فإنك سوف ستلاحظ بسهولة العدد الكبير للروس الموجودين هنا. إنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي”.
“نحن لاجئون”
وكان الشابان الروسيان، أناتولي وسيرغي إلى مطار تبليسي الدولي بعد عناء طويل، حيث قالا إنهما مثل العديد من الرجال في بلادهما قد غادرا فور إعلان بوتين عن التعبئة خوفا من استدعائهما للقتال.
ووصف أناتولي بلاده بأنها دولة فاشية “تمامًا مثل ألمانيا النازية في الثلاثينيات”.
ووافقه سيرغي على ذلك، مضيفا: “لست مستعدًا للموت من أجل مجد بوتين”، بيد أنه كان قلقًا بشأن الترحيب الذي سيحظى به مع صديقه في تبليسي، قائلا: “آمل أن يتفهم الشعب الجورجي أننا مجرد لاجئين”.
أما سالومي، 22 سنة، والتي تعمل في مقهى عصري لا يحبذ استقبال الروس، فتقول:”إنهم لا يحترموننا ويصرون على التحدث معنا بلغتهم”.
وتوضح سالومي التي تتحدث الجورجية والإنكليزية وترفض الحديث باللغة الروسية أن جيلها لن يتحدث باللغة التي فرضت على أهلهم أبان حكم الاتحاد السوفيتي السابق.
وتابعت: “رفضنا الحديث بها هو تصرف سياسي”، لافتة إلى أنها لا تزال تتذكر الحرب التي شنتها روسيا على بلادها قبل نحو 14 عاما.
وكانت سالومي، بحسب كلاها، تأمل في أن يحاول الروس الذين وصلوا إلى بلادها أن يروا الأشياء من منظور جورجيا، لكنها كانت متشككة، إذ تقول: “يأتون إلى هنا، ويشربون النبيذ، ويتمتعون بضيافتنا، و لكنهم لا يحاولون فهمنا”.
وفي محاولة لوقف المد البشري، بدأ النشطاء الجورجيون في الضغط من أجل الحصول على تأشيرات إلزامية للروس، ومع ذلك، لم تلق تلك الدعوات آذانًا صاغية من حكومة بلادهم التي تأخذ بعين الاعتبار الفوائد الاقتصادية المتمثلة في انتقال أعداد كبيرة من الأثرياء الروس إلى البلاد.
ولقد أدى قدوم الوافدين إلى ارتفاع أسعار الإيجارات في تبليسي، إذ أضحى إيجار شقة تتألف بغرفة نوم واحدة في وسط العاصمة 650 دولار أميركي، أي ثلاثة أضعاف الأجرة سابقا، وهو ما يتجاوز بكثير إمكانيات معظم الجورجيين.
وربما قد يؤدي الفرار من التجنيد العسكري إلى زيادة التعاطف الجورجي مع الروس، لكن هناك القليل من المؤشرات على انحسار التوترات، وفي هذا الصدد تقول سالومي: ” من ناحية إنسانية أشعر بالشفقة عليهم.. ولكن كمواطنة جورجية أريدهم أن أراهم خارج بلادي”.