بشار الأسد، سفاح دمشق هو “الناجي الكبير”، فمنذ الربيع العربي عام 2011، تم الرهان على تداعي حكم عائلة الأسد التي تحكم سوريا منذ عقود، وتم التعويل على المعارضة والجهاديين ودول المنطقة والقوى العظمى للتخلص منه، لكن الجهود فشلت، حيث ظهر بشار الأسد قبل فترة وهو يتمشى في شوارع حلب مع أبنائه، وكأنهم في رحلة وسط الآثار اليونانية القديمة.
واستطاع النجاة خلافا للديكتاتوريين الآخرين في الشرق الأوسط، لسببين: الأول، هو قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام القوة لدعم بقاء الأسد في السلطة. وبات اليوم الديكتاتور الوكيل لموسكو، حيث تعمل المخابرات العسكرية الروسية على توفير الحماية له.
أما السبب الثاني، وإن لم يتم الحديث عنه، فهو قرار القادة في الغرب والشرق غسل أيديهم من الجرائم المتعددة للنظام، رغم وجود بعض الإجراءات القانونية لملاحقة النظام، مثل قرار محكمة ألمانية في كانون الثاني/يناير بسجن ضابط سوري بعد إدانته بجرائم قتل جماعي.
وأدت مقابلات مع اللاجئين السوريين في الخارج لتحديد مقبرة جماعية خارج دمشق، حيث دفنت فيها جثث السجناء الذين ماتوا في مراكز الاعتقال وكانت تنقل إلى مشارح المستشفيات ثم ترمى في الحفرة.
لكن بشار الأسد لا يزال بعيدا عن الوقوف أمام محكمة الجنايات الدولية في هيغ، وهو المكان الذي يجب أن يكون فيه. وبحسب الأمم المتحدة، فقد قتل حوالي 350.000 سوري منذ آذار/مارس 2011 إلى جانب تشريد 14 مليون نسمة. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حوالي 14.664 حالة وفاة جراء التعذيب.
وتم سحب هذه الجرائم تحت البساط ليس لأن هناك مجازر جديدة في أوكرانيا بل بسبب الدرع الذي بناه بوتين لحماية الأسد من المحاسبة.
وتحمل الرايات المعلقة على محطات توليد الكهرباء عبارات مكتوبة فوق صورة الأسد: “سوريا في حماية الله” مع أن الكرملين هو من عمل على حماية الأسد.
فبعد هجوم غاز السارين في الغوطة الشرقية عام 2013 وقتل فيه 1.400 مدني، بدا من الواضح أن الأسد يمكنه الإفلات من أي شيء يرتكبه، فرغم اعتبار الأمم المتحدة ما حدث في الغوطة “جريمة حرب” لم يقم الغرب إلا بمحاولات فاترة لتحميله المسؤولية.
وانتهز باراك أوباما، الذي وضع خطوطا حمراء بشأن استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية، فرصة العرض المقدم إليه ليتجنب المواجهة مع محور الأسد- بوتين. وساعد الكرملين على إحصاء والتخلص من الترسانة الكيماوية السورية وتخلت واشنطن عن سوريا لروسيا. وما أعقب هذا هي سلسلة من الهجمات الكيماوية حيث تم توثيق 200 هجوم كيماوي. والقائمة ليست مكتملة وتم استخدام غاز الكلور ضد طوابير الخبز.
وشملت أساليب روسيا إطلاق صواريخ طويلة المدى من روستوف، مركز عمليات الحرب في أوكرانيا اليوم واستهداف المستشفيات. وكذا الهجمات المزدوجة حيث ضرب الهدف مرتين.
وافتخرت القيادة العسكرية بالحملة في سوريا لدرجة أنه يتم تدريس دروسها في الأكاديميات العسكرية. وكان تردد الغرب بفرض الخطوط الحمر بمثابة رسالة للكرملين أن لديه خيار التصعيد عندما يريد، وهو خيار كشف عن التصدعات داخل حلف الناتو. ويحتاج الأسد لدعم الإيرانيين والروس وربما الأتراك لإعادة إعمار سوريا، وهي الخطوة القادمة التي يراها ضرورية لتوطيد دعائم حكم العائلة والتأكد من نصب التماثيل له في كل أنحاء البلاد. ومن أجل الحفاظ على الاستقلالية والمصداقية وأنه ليس مجرد دمية روسية، فهو بحاجة إلى تعبئة الجماهير.
وفي الوقت الحالي تعتبر سوريا ومن الناحية الفنية عاجزة ومفككة. إلا أن رحلة بالسيارة تستغرق ساعة من مقر إقامته في دمشق إلى مدينة اللاذقية الساحلية، فهناك فرقة من المخابرات الروسية العسكرية التي توفر الحماية له وتحرس مجاله الجوي وتقود البلاد. ولو قاد سيارته إلى الشمال نحو تركيا وشرقا نحو الحدود مع العراق فسيواجه خطوط قتال معادية. ففي الشمال هناك الجهاديون والجماعات المعارضة التي تدعمها تركيا. وسيجد صعوبة في استخدام الليرة السورية لان التعاملات التجارية بالمنطقة كلها بالعملة التركية. وسيواجه في حقول النفط السورية جماعات كردية تدعمها الولايات المتحدة. وهي نزاعات مجمدة لكنها خفضت بلد الأسد إلى دولة منكمشة.
وأول مهمة تواجه الأسد هي إظهار أن البلد بات آمنا لعودة 11 مليون لاجئ سوري. وعند عودتهم فسيمنح المستثمرين الأجانب قوة إعمار متعلمة. ولكن النهج الذي يسير عليه، غير ناضج، فبعض الفروع في أجهزته الأمنية باتت تعتمد على المؤثرين على قنوات الفيديو لزيارة سوريا ونشر أشرطة إيجابية عن تجربتهم فيها، ويختلط مدونو الفيديو مع السكان الباسمين والتجار لإظهار أن الحياة طبيعية وعادية وسط المباني المهدمة. وتوقف أحد المؤثرين عند صيدنايا، وبدون أن يعرف أن فيها أكبر السجون سيئة السمعة للنظام، وسجلت فيه منظمات حقوق الإنسان 72 طريقة تعذيب منها الصلب وقلع العيون. ولو انتهى الأسد في المنفى، فربما لاحقه أعداؤه. وتظل سوريا هي سجنه الرخامي، وظل في السلطة بسبب الدعم الروسي ولامبالاة الغرب.