لنمضي معاً… لـ: نداء الدندشي

نداء الدندشي
كاتبة وباحثة سورية

ما من عتبة أشد واقسى من التي تسند عليها قدميك, الباب مغلق, كل الأبواب تتكئ على أقفالها, والأمل يوغل في البعد, هي نفسك تمطرك الآن فيض من الأسئلة, أنت الذي أعلنت الرحيل يوما لإحضار الغد ولم يأت غدك بعد. ممعن بالأمل ما زلت, والأفق ينكشف أمامك على عتمة ليل لم يبزغ فجره فتقود النفس محتفلا نحو الرجاء, وهي تبسط الأسئلة وما من جواب….

   تقدم .. تقدم فالخطوة نحو الخلف تفضي للهلاك, تقدم.. فالخطوة الأولى تليها بعد الجهد خطوات وان لم تصل للأفق المفتوح, تكون فتحت أمام غيرك الطريق, لا شيء يبعث على الجفلة بعد أن كسرت قيد الخوف. امضي ..

لنمضي معا, وليأت الآخرون خلفنا, نحن الذين تأخرنا بالمجيء لا لأننا ما رغبناه قبلا, بل لأن غل القيد والذعر شد من قبضته على أعناقنا فاحتمينا من سطوته بالخوف وعملنا بصمت, بكل الصمت. نحن الذين تأخرنا بالمجيء سيأتي بعدنا كثيرون وكثيرون جدا, فلنغذ الخطى وغير ابهين لندخل معا بوابة الغد, هناك.. لن نكون كاليوم منفردين ووحيدين, فكل صنع لنفسه غده ثم مضى عبر طريقنا الآن حيث لا منفذ سوى باب السعي والأمل. وان تعثرتَ… وان تعثرنا معا لن نهوي نحو القاع, بل سنرتقي صعودا ونتمهل لدى رشفنا آخر زفرات للحياة آتية من عمق قلب أوهنته الخيبات وفقدان الأصدقاء, ولن ننتظر بوادر رحمة, ولا كلمة أسف آتية من كتب حقوق الإنسان, وكبرى الشعارات, ومن عظماء الأمم. لن نترقب لحظة اعتذار تقال عن عمد ليبرأ القاتل, فما خاب في التاريخ الا من قبل الاعذار, قربان المحرقة نحن, قربان الصداقات المشبوهة, وتبجيل القهر.

    هات ما عندك, هيء آخر ما لديك عدوي, أمطرنا بكل الحقد المتغلغل عن عمد في قلبك الموتور, فنحن مازلنا عدو الأمس الصامت والغير جدير بالاحترام, وحين نهضنا ذات صباح وجدنا أنفسنا وحدنا عدو اليوم الغير جدير بالحياة, وأنت المبجل الوحيد, مهما فعلت وتفعل, ومهما قيل ويقال, هات ما عندك فالصدر أضحى خولة في الصبر, ولن نرجع ففي كلا الحالتين لن يقابلنا سوى الهلاك, فلنمت اذا ونحن للمرة الأولى نشعر بأننا نحب أنفسنا, وأننا نحب الحياة.

    لنمضي معا صديقي نحن الذين أطلنا الغياب ووصلنا جد متأخرين, لنسلك الدرب الذي سار عليه من قضى قبلنا, لنمضي نفتح للقادمين خلفنا الباب, ما من متسع لوطأة قدم أمام عتبته لكننا سنعبره جميعنا معا, ولن نلتفت ولو مرة وراءنا فإغراء العود كبير, ووعوده كثيرة, ونحن آثرنا السير للأمام, لأننا نحب أن نهلك سائرين, وثائرين.

    لنمضي صديقي, لنمض فالأفق أراه واسعا رحب المدى, وان تأخر الفجر كثيرا لكن يومنا المنشود سيأتي ذات صباح, عصرا أو مساء, لا فرق متى يأت النهار, طالما هو يغذ الخطى, وان وئيدا نحونا, لا فرق ان لم يكن للفجر الممعن في بهائه مكان على أرضنا, هي أرض الخير والوفرة ستلد يوما ألف فجر, وتصنع للقادمين بعدنا حياة.

    الدرب مازالت طويلة وأمامنا الكثير لنفعله, نحن الذين جئنا جد متأخرين. لا وقت لدينا للفراغ, لنغذ الخطى غير ابهين فقد أضعنا بعضا من الأيام, بعضا من الشهور, ولنقبل الأرض الطيبة فقد أحصينا بمعونة اللا أصدقاء مدا من السنين. هو الدرب طويل صديقي فلنعبر الجسور معا, نعدها.. وان تنشقت.. أو تنشقنا بعضا من السم ينفسه قلب أوغل في الحقد, أحب الكره, طغى, وكثيرا…كثيرا تجبر واستجبر, فامسك يدي أنا الماضية دائما معك, علنا نموت, او قد نحيا معا, أو يعيش القادمون خلفنا يحيون يوما ذكرانا, يصنعون لنا رمثا وان فارغا وخاليا من بقايانا, لكنه أبدا سيحكي قصة من ساروا وحيدين, معذبين, مستجيرين, وغارقين في الحيرة يجوبون متاهات المدى الممعن في الضياع أمامهم ليصنعوا لأنفسهم غد آخر خلافا لما يرتب, أو يترتب لهم من أصدقاء ما عادوا كالأصدقاء.  

    شد قبضتك على يدي, أخشى أن يوهن الضعف قلبي فأهلك قبل أن يقتلني عدوي وحاكمي, فأنا أسعى لأحظى بشرف الموت على يديه, هو الممعن في الجبروت, في القسوة, الحقد, واللؤم, فأشرف الموتى من قضوا تحت لهيب من التنكيل والتعذيب, وأشرف النساء من اغتصبت في غياهب السجن والامعان في السطوة وغل الكره, وعادت تجرجر قسوة الذعر والألم والرعب, وضياع الغد, كل الغد, لا..ربما بعض من الغد.

    شد يدك على يدي صديقي واطبق احكامها, لتبقيني حية بعض الوقت قربك نعيد ترتيب ما فاتنا, نحن الذين تأخرنا قليلا بالمجيء لم نذرف الدمع ندما, بل جرينا نمهد درب القادمين المتعبين والمصرين على السعي وراءنا, نمنح الحب لمن فقد في الأتون منبع الحب, لمن سيفقده بعد قليل, لمن اختصر الدرب وآثر مبكرا الرحيل.

    ممعن في المسير أنت, ممعن في التقدم, في المضي نحو الغد, قاسية هي العتبة التي تقصد بابها, لكني معك, بقربك, أشد يدي على يدك, فاختصر الأسئلة, هي النفس تجنح نحو الضعف حينا, وتكثر من الجنوح أحيانا, لكنها تعود لهفى إلى ذاتها تروي من فيض الأسى شتول إرادتها, تهيء مصيرها, فلا تحزن, قريبة منك أنا, قريبة أكثر مما تتصور, ومعا دائما سنمضي نحو غدنا القريب جدا, والبعيد.. البعيد..  


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية