بعد رفع القيود عن السفر بسبب كوفيد- 19، بدأ مؤثرون على مواقع التواصل ، بالوصول إلى سوريا بأعداد كبيرة، حيث قدموا للمعجبين بهم رؤية من الداخل عن البلد الذي يعيش حربا منذ عام 2011، لكن هؤلاء تعرضوا في الوقت نفسه لانتقادات بسبب تطبيع نظام الأسد الوحشي ، حيث قال نشطاء إنهم في كثير من الأحيان ، عن قصد أو بغير قصد ، يرددون رواية النظام عن الحرب .
وكان دخول السياح إلى سوريا وعلى مدى عقد مستحيلا، لكن تراجع القتال في عام 2019، أدى بالسياح الباحثين عن المغامرة والمؤثرين على يوتيوب إلى العودة، حتى أوقفهم كوفيد-19، ثم عادوا من جديد بعد رفع القيود.
10 شخصيات مشهورة على الأقل سافرت إلى سوريا خلال الـ12 شهرا الماضية، ومنهم سايمون ويلسون، ونجم برنامج “بولد أند بانكربت” بنجامين ريتش، وجانيت نيوينهام، وغوغهام يلدريم. وقام هؤلاء بالتجول في سوريا عبر السيارات، حيث نقلهم مرشدون سياحيون إلى الأسواق والمعالم التراثية والتاريخية في المناطق التي يسيطر عليها النظام مثل حمص ودمشق، وقدم لهم المرشدون دروسا في التاريخ. وتجنب كل صناع المحتوى تقريبا أي ذكر للحرب ، وركزوا بدلا من ذلك على الشعب السوري وكرمه ولطف معشره. ولم يرد لا ويلسون أو ريتش على طلب الموقع للتعليق.
قال أيوب موراتا، السوري الذي ينظم رحلات للأجانب في سوريا: “هناك عدد كبير من المؤثرين على اليوتيوب يحاولون الذهاب، وهذه تجارة بالنسبة لهم”. وأضاف: “السياح الآن هم شباب ويحاول معظمهم القيام برحلات مغامرات، ولا تمانع حكومة النظام السوري من وصول المؤثرين على يوتيوب طالما كان كل شيء تحت السيطرة”.
“كوريا الشمالية المقبلة”
يعتمد الدخول إلى سوريا كسائح أولاً على الحصول على تصريح أمني من مديرية المخابرات العامة في البلاد ، وهو أمر ممكن فقط من خلال شراء رحلة مع شركة سفر سورية.
كل هذه الشركات تحتاج إلى موافقة نظام الأسد لتعمل.
قال صناع المحتوى على يوتيوب إنهم لم يتعاملوا مع مسؤولي النظام أثناء فترة إقامتهم في سوريا. إلا أن الناشطين يرون أن وكالات السياحة ليست متحررة من تأثير النظام. وقال كريستيان بنديكت، مدير حملة سوريا في منظمة أمنستي إنترناشونال: “من المؤكد أن مخابرات الأسد تسيطر على رحلات كهذه. يشمل هذا الدليل السياحي والمراقبة والمرافقة المباشرة من أجل التأكد أن المدونين يقدمون الصورة التي يريدها النظام عن سوريا”.
يُسمح للسائحين الأجانب باختيار المكان الذي يريدون الذهاب إليه في سوريا ، طالما أنهم يقيمون في مناطق خاضعة لسيطرة النظام وقريبة من مرشديهم ، وفقًا لموراتا وشين حوران ، اللذين تدير شركتهما ” روكي رود ترافيل” جولات منتظمة في سوريا.
وقال هوران: “بعض الطرق والبلدات ممنوعة لأسباب أمنية ولضمان أمننا، ولكن الحكومة لا تتدخل في برنامج الرحلة وبمن نلتقي”.
ويُحظر على مواطني عدد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة السفر كسياح؛ لأن استخدام المسيّرات ممنوع، رغم أنها وسيلة مهمة للمؤثرين. ويقول الناشطون إن الكثير من “المرشدين” الذين يظهرون في خلفية الكثير من أفلام يوتيوب هم في الحقيقة مرافقون يعملون مع الحكومة، ولكن بالزي المدني. لكن لا توجد أدلة لدعم هذا.
The Youtubers don't show us usually their local assistants in their visits, not only #Syria trips, but this Youtuber showed us her assistant many times. here we can see him before entering the #Aleppo citadel how he showed the soldiers his "mission card.
— Mohamed Al Neser (النسر) (@M_Alneser) March 22, 2022
🖱️https://t.co/fc9NbD6vve pic.twitter.com/4OZLpukJdY
قال فريد المهلول، المصور الصحافي السوري: “تلاحظ أن من يزور سوريا لا يتحرك بحرية بين المناطق وحده، فدائما هناك عملاء لنظام الأسد يرافقونهم في كل مكان”.
وعلقت المسؤولة في مجال الكشف عن التضليل، صوفي فوليرتون: “طبعا أنت مراقب 24/7” و”ربما اعتقد الناس الذين يذهبون أنهم أحرار فيما يفعلون، لكنهم أحرار لعمل ما يريدون في مناطق الحكومة، فأنت لا تشاهد هؤلاء المدونين في إدلب”، آخر معقل للمعارضة في شمال- غرب سوريا.
ومن الواضح أن الكثيرين ممن سافروا إلى سوريا، قدّموا صورة مهمة وضرورية عن الشارع السوري الذي عاش العنف. وقالت جانيت نيوينهام التي حصل آخر فيديو لها على 185.000 مشاهدة بعد زيارتها للبلد في عام 2021، قالت للموقع: “نحن لا نسمع عن الشعب السوري، فقط عن الحرب وعن فظاعة الأسد، أريد أن يعرف المتابعون لي، نسبة 90% من الغرب، من هم السوريون، لأنهم لا يعرفون الكثير عنهم”. وقالت نيوينهام إنها لم تلاحظ أن المرافقين لها من الحكومة السورية أو أجهزة الأمن. أما المؤثر التركي غوغهام يلدريم، فقد زار سوريا في آذار/ مارس، وأخبر الموقع أنه لم يلاحظ وجود مسؤولين في الحكومة السورية، وأنه ذهب إلى سوريا للتعلم: “جئت إلى هنا متحيزا، ولكنني اكتشفت وضعا مختلفا عن ذلك في الأخبار”.
واتُهم كل من نيوينهام ويلدريم بالتربح من بؤس الناس وتبييض جرائم نظام الأسد. وانتقد المشاهدون لفيديو يلدريم عندما كرر مزاعم مرشده بأن بناية في حمص دمرها “الإرهابيون”. وقال إنه اكتشف أن الكثير مما قيل له كذب وأنه صحح الأخطاء: “انتقدت كثيرا بسبب فيديو حمص، ولم أُنتقد بعد التصحيح لأنني أظهرت الحقيقة”.
وتعرضت نيوينهام لنفس النقد لأنها كررت نفس الزعم الذي ورد على لسان مرشدها، بأن هذه المناطق دمرها “الإرهابيون”. وقالت: “كانت هناك تعليقات مثل “هذه دعاية” و”ما كان عليك الذهاب إلى هناك” و”تظهرين كل صور الأسد””. مضيفة أن الداعمين لها جمعوا بعد ذلك 10.000 يورو، لكنها لم تصحح الفيديو بعد تلقيها تعليقات ناقدة. وقال بنديكت من منظمة أمنستي، إن “المدونين الذين يقومون بحذف الواقع الكئيب من أجل الحصول على لايكات ومشاركات على منصات التواصل الاجتماعي أمر متهور بشكل لا يصدق، وليس ترفيها”. مضيفة: “هناك ملايين من السوريين لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم لخوفهم من الاعتقال والإعدام”.
وقال الناشط السوري في حقوق الإنسان، محمد النسر، إن المدونين والمؤثرين وبطريقة غير مقصودة، جزء من جهود العلاقات العامة للنظام السوري. وقال المهلول إن المدونين لا يقولون الحقيقة، ولكنهم يغسلون الجرائم ويكذبون.
ويقول بنديكت إن المدونين أحيانا يمارسون الرقابة على أنفسهم خشية إغضاب النظام، كما كان يفعل السياح الذين زاروا البلد قبل عام 2011. و”ربما تكررت نفس الأشكال مع المدونين والسياح الذين يراقبون ما يقولون حتى لا يقعوا ضحية مخابرات الأسد سيئة السمعة”.
وانتُقد البعض من المؤثرين لقرارهم القيام بمغامرات سياحية أو سياحة مظلمة مستفيدين من وضعهم المتميز. وقالت نيوينهام: “طبعا أردت الذهاب إلى حمص وحلب” و”بالطبع هذا نوع من السياحة المظلمة”.
وأصبحت سوريا وجهود النظام لتأهيل صورته مثل كوريا الشمالية، كما تقول فوليرتون: “يستخدم البعض سوريا من أجل دعم مسيرتهم العملية، ونجح هذا بطريقة ما”.