منذ استعادة القوات الموالية لرأس النظام السوري بشار الأسد لجنوب سوريا عام 2018 ، انتشر تهريب المخدرات على طول الحدود مع الأردن.
وتحت أعين الكاميرات المنتشرة على طول الحدود الفاصلة بين الأردن وسوريا ، وهي منطقة تهريب تقليدية وسط الصحراء ، تبدو رقصة باليه غريبة تراقبها قوات الأمن الأردنية منذ شهور.
يقول العقيد مصطفى حياري : “لدينا مقاطع فيديو تثبت التعاون بين مهربي المخدرات وحرس الحدود السوريين”. تظهر الصور مهربين لجأوا إلى المعابر الحدودية عندما أطلق حرس الحدود الأردنيون النار. وقد صورت الكاميرات وصول رجال في سيارات مجهولة الهوية إلى هذه المرافق ، يشتبه في انتمائهم لمليشيات ، لتوجيه طائرات مسيرة محملة بالمخدرات باتجاه الأردن. منذ استعادة القوات الموالية لرأس النظام بشار الأسد لجنوب سوريا عام 2018 ، تفجر تهريب المخدرات على طول هذه الحدود التي تبلغ قرابة 400 كيلومتر.
في قلب هذه الحركة المرورية ، التي تغذيها الحرب والأزمة الاقتصادية ، يوجد الكبتاغون ، وهو عقار أمفيتامين سهل الإنتاج ورخيص الثمن. أصبحت سوريا مركزا لإنتاج المخدرات سواء الكبتاغون أو الحشيش. والمنطقة الحدودية هي منطقة رمادية ، بين الحرب والسلام ، حيث يتم تجنيد الناس من قبل المتاجرين بالبشر والميليشيات “.
يتزايد تعاطي المخدرات في المملكة الهاشمية وسط ارتفاع معدلات البطالة ، لكن البلاد تستخدم بشكل أساسي كطريق عبور إلى المملكة العربية السعودية ، الوجهة الرئيسية لتهريب الكبتاغون من سوريا. يُباع “كوكايين الفقراء” ، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب السعودي ، هناك بما لا يقل عن عشرة أضعاف سعره (حوالي 15 يورو للقرص الواحد).
سوريا دولة مخدرات
حجم الظاهرة من هذا القبيل لدرجة أن الخبراء يصفون سوريا بأنها “دولة المخدرات”. أصبحت تجارة المخدرات مصدرا رئيسيا للدخل في بلد انهار اقتصاده تحت وطأة الحرب والعقوبات. وأشار التقرير إلى أنه “على الرغم من أن تهريب الكبتاغون كان من بين مصادر التمويل التي تستخدمها الجماعات المسلحة المناهضة للدولة ، إلا أن توطيد سيطرة نظام الأسد وحلفائه الإقليميين سمح لهم بأن يصبحوا المستفيدين الرئيسيين من تجارة المخدرات”. المركز لتحليل وبحوث العمليات (COAR) ، ومقرها قبرص ، في تقرير نُشر عام 2021.
والجدير بالذكر أن معظم المعامل الإنتاجية تقع في مناطق تخضع لسيطرة النظام من حلب إلى السويداء مرورا بدمشق وحمص. وأشار خبير سوري طلب عدم الكشف عن هويته إلى أن “المنتجات الصيدلانية والكيميائية مستوردة في معظمها من لبنان وتحضّر في سوريا في مختبرات صغيرة. كما يوجد كبتاغون وحشيش لبناني بجودة أفضل يمر عبر سوريا”. وحسب هذا الخبير، فإن حزب الله – حليف نظام الأسد – يسيطر مع وسطاء على إنتاج المخدرات في لبنان ومرور البضائع والمواد الخام إلى سوريا. وفق مركز البحوث والتحليل التشغيلي “طورت الحركة الشيعية اللبنانية هذه الخبرة منذ حرب 2006 ضد إسرائيل، من خلال التعاون مع القوات الإيرانية”.
في سوريا، يقال إن الفرقة الرابعة، وهي وحدة من النخبة العسكرية تضم حوالي 80 ألف عنصر بقيادة ماهر الأسد، متورطة في هذه التجارة- علما بأن ماهر الأسد هو الشقيق الأصغر للرئيس السوري وله علاقات وثيقة مع إيران وحزب الله. ويوضح الخبير ذاته: “تقوم الفرقة الرابعة بالتغطية على تحركات المنتجين السوريين من خلال رجال أعمال مرتبطين بماهر الأسد يملكون استثمارات في السعودية”.
أوردت الصحيفة أن هذه الفرقة تتولى مهمة مراقبة النقل عبر البلاد. ويضيف الخبير أن حرس الحدود والاستخبارات العسكرية يساعدون المهربين على الحدود، ويعتقد أن “بشار الأسد لا يحصل بالضرورة على أموال بيع الكبتاغون وإنما يترك هذه المساحة لماهر ليدفع لرجاله”، مشيرا إلى أن “النظام لا يستطيع الاستغناء عن تهريب المخدرات”.
ذكرت الصحيفة أن تهريب الكبتاغون كان محور الاتصالات التي جرت في أيلول/ سبتمبر 2021 مع مدير مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، ثم في كل اجتماع أمني على الحدود. يقول مصدر مطلع: “رد السوريون بأنهم فوجئوا وأنهم سيتحركون لوقف ذلك. مع كل محاولة للتواصل، تحسن الوضع لمدة أسبوع إلى أسبوعين قبل أن يتدهور مرة أخرى مما يثبت أنه حتى عندما تكون الإرادة موجودة، فليس لديهم سيطرة كاملة”.
وأفادت الصحيفة بأن المهربين، الذين يرافقهم أحيانا رجال مسلحون ببنادق آلية، أظهروا أنهم أكثر إصرارًا. فقد دفع مقتل ضابط أردني في تبادل لإطلاق النار في منتصف كانون الثاني/ يناير عمان إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة. والآن، لدى حرس الحدود أوامر بإطلاق النار على أي شخص يدخل المنطقة المحرمة الحدودية.
في الأثناء، لم يتوقف تهريب المخدرات وتم ضبط أكثر من 17 ألف عبوة من الحشيش و16 مليون حبة كبتاغون في الربع الأول من هذا العام، أي أكثر من ثلث إجمالي المحجوز في سنة 2021 وفقا للجيش. ويشير ضابط أردني إلى أن “هناك أكثر من 160 شبكة داخل سوريا، لكن لا يمكن تحديدها جميعا”.
التقارب بين عمان ودمشق
حسب مصدر سوري مقرب من المعارضة “لا يغير موت المهربين شيئًا لأن من يشرف على عمليات التهريب ليس هؤلاء المهربين الذين ليس لديهم ما يخسرونه بسبب كثرة البطالة وقلة سبل العيش في سوريا”.
إن أولئك الذين يحملون البضائع سيرا على الأقدام، حوالي 35 كيلوغراما من الكبتاغون في حقيبة الظهر، يكسبون ما يقارب 10000 دولار. إنهم يعتمدون على التضاريس الوعرة وينتظرون أن تسوء الأحوال الجوية – ضباب أو عاصفة رملية – لتجنب الكاميرات.
ويضيف المصدر السوري: “هناك تكتيك آخر يتمثل في حشو سيارة رباعية الدفع بمخدرات ذات نوعية رديئة واستخدامها كطعم للأردنيين من أجل تهريب منتجات أفضل على طريق آخر. ويمكن لهذه المركبات أن تحمل ما يصل إلى طنين من هذه المواد”.
إن استمرار هذه التجارة يُلقي بظلاله على التقارب بين عمان ودمشق. يندد النائب خلدون حينا، رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية، وكله أسى على الوضع: “نطلب منهم محاربة هذا التهريب إنه تهديد لأمننا القومي. 50 بالمئة من الشباب الأردني عاطلون عن العمل والبعض معرضون لخطر الانضمام إلى تجارة المخدرات”.