إذا زرت بريطانيا و أمعنت النظر في بعض المباني التاريخية القديمة ، ستجد أن شيئًا مميّزًا يجمعها كلها. وهو أنها تخلو من النوافذ تقريبًا أو نوافذها قد أغلقت بالطوب بعد أن كانت مفتوحة !
فلماذا يا ترى ؟
مثلا بريطانيا في القرن السادس عشر كان لها بعض العادات والسلوكيات بل والقوانين الغريبة الخاصة بها .
مرت فترة على بريطانيا كان فيها فتح النوافذ في المنازل أو الأبنية أمراً مكلفا، وبدأت هذه الفترة في عام 1696 مع ظهور قوانين مخيبة لآمال السكان وقتها.
حيث كانت تُجبى الضرائب تبعاً لعدة أمور:
منها عدد نوافذ المنزل؛ فكلما كان عددها أكبر كانت الضريبة أكبر، وغيرها من الضرائب الغريبة التي ظلت تفاصيلها تتغير مع مرور الوقت، ولكن العامل الأساسي الذي لم يتغير كثيراً كان عدد النوافذ.
كانت ضريبة النوافذ في نظر السلطة التشريعية طريقةً رائعةً لوضع عبء الضريبة على كاهل الطبقة العليا من المجتمع دون غيرها، لأن الأغنياء عادةً كانوا يملكون منازل فارهةً مع عدد نوافذ كبير.
وبالتالي كان يتوجب عليهم دفع ضريبة أكبر من غيرهم، فمن ناحية أخرى كان فقراء تلك الحقبة يعيشون في بيوت أصغر ذات نوافذ أقل وبالتالي كان عليهم دفع مبلغ أقل من المال، ولجعل هذا النظام الضريبي أكثر فعالية، ومن أجل إعفاء الفقراء منه، تم إعفاء المنازل التي تحتوي على 10 نوافذ أو أقل.
ولكن الضريبة لم تكن بالفعالية المرجوة منها لأنه في المدن الكبيرة كانت تعيش العديد من العائلات الفقيرة في بنايات كبيرة بنوافذ عديدة مما أوجب عليهم دفع هذه الضريبة.
صحيح أن بقية الضرائب كان يدفعها مالك العقار ولكنه كان يفرض على المستأجرين دفعها بحجة أنهم هم من يستفيد من ضوء الشمس، مما أضعف من فعالية الضريبة وفتح مجال المناقشة في أمرها، لأن الفقراء كانوا يدفعون ثمن الإيجار أولا ثم الضريبة على النوافذ ثانيا وهو الأمر الذي أثقل كاهلهم.
ومنه أصبح المستأجرون من الفقراء يبحثون عن بنايات ذات نوافذ أقل وبالتالي إضاءة أقل وتهويةً أقل أيضاً.
كما فشل هذا التشريع بتحديد ماهية النافذة بدقة مما سمح لهواة جمع الضرائب بفرض ضريبة على أي شيء يشبه ولو بشكل تقريبي النافذة، من بين ذلك نوافذ المخازن الصغيرة المثقبة وغيرها، مما أدى لاستياء الكثير من فئات المجتمع.
كان الروائي الإنكليزي المعروف (تشارلز ديكنز) هو من بدأ بالتعبير عن استيائه من هذه الضريبة، ففي عام 1850 كتب حولها في مجلة Household التي كانت تصدر آنذاك، فقال: ”أصبحت مقولة ’مجاناً كالهواء‘ مقولةً غير قابلة للتطبيق في بلدنا بموجب تصرفات البرلمان، فلا الهواء ولا الضوء أصبحا مجانيين بعد فرض ضريبة النوافذ، نحن ملزمون بدفع ثمن أمور تقدمها الطبيعة لنا بسخاء ومجاناً للجميع، وهذا عبء كبير على الفقراء الذين لا يستطيعون تحمل كل هذه النفقات وخصوصاً نفقات أكثر أساسيات الحياة ضرورةً: الهواء والضوء“.
كانت ضريبة النوافذ مجرد واحدة من عشرات الضرائب السخيفة التي فرضتها الحكومة البريطانية وتفننت في انتقائها بغرض جمع أموال الشعب، فعلى سبيل المثال كانت هناك ضريبة أخرى هي ضريبة الطوب، حيث كانت الضريبة تحتسب بناء على عدد أحجار الطوب التي بُني بها المبنى.
وُجدت هذه الضريبة خلال عهد الملك (جورج الثالث) في عام 1784 للمساعدة على دفع رسوم تكاليف الحرب التي كانت تخوضها بريطانيا في المستعمرات الأميركية، وكذلك تمكن الناس من التلاعب بهذه الضريبة من خلال زيادة أحجام أحجار الطوب المستخدمة في البناء، فبدل أن يكون البناء مكونا من 1000 حجر طوب صغير أصبح مكونا الآن من 500 حجر كبير على سبيل المثال، ولا تزال هذه المنازل المبنية بالطوب الكبير موجودة في Measham.
ضريبة أخرى هي الضريبة التي فُرضت على المداخن (الشومينيهات)، فكلما كان المنزل يحتوي على مداخن أكثر كلما زادت الضريبة، مما دفع الناس أيضاً للتلاعب بهذه الضريبة من خلال تقليل عدد المواقد والمدافئ وأيضاً الانتقال للعيش في بيوت صغيرة لا تحتوي أحياناً على أي مدفأة، ورغم كل هذا الأمر كانت ضريبة النوافذ هي أكثر ضريبة استمرت لمدة طويلة وأكثرا إثارة للاستياء الشعبي.
يمكنك اليوم رؤية ما خلفته هذه الضرائب من خلال التجول في مختلف أنحاء المدن الإنجليزية حيث ستجد بيوتاً وأبنية قديمة فيها العديد من النوافذ المغلقة بالطوب (كانت مفتوحة ولكنها أُغلقت بعدما تم فرض هذه الضريبة في محاولة لتخفيف حجمها).