رغم وابل القصف الشديد واحتدام المعارك في أوكرانيا، تصر إيرينا بوندارينكو على الخروج من منزلها رفقة بعض الأشخاص لتحقيق هدف نبيل، يتمثل في إيصال الأدوية والخدمات اللازمة لإنقاذ حياة مرضى من فئة خاصة، وفقا لتقرير “إندبندنت“.
بوندارينكو تعمل مع تحالف الصحة العامة (APH)، وهي أكبر منظمة غير حكومية تركز على تقديم الخدمات الطبية في أوكرانيا، والتي استمرت في دعم آلاف الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المسبب لمرض الإيدز في جميع أنحاء البلاد، وذلك رغم شراسة الغزو الروسي.
ويعد عمل تلك المنظمة حيويا وضروريا للغاية، حيث يوجد في أوكرانيا أحد أعلى معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية في العالم، ويبلغ عدد المرضى نحو 250 ألف شخصا.
ويعيش ما يقرب من نصف المرضى في مدن ومناطق تخضع حاليًا لقصف مكثف، مما أثار مخاوف من أن الحرب قد تؤدي إلا إلى تفاقم المرض في أوكرانيا، وأنها قد “تعكس المكاسب ضد الفيروس لمدة 20 عامًا إذا تم تقليص العلاج والاختبارات وخنق الإمدادات الطبية”.
وتقول جمعية تحالف الصحة إن الوصول إلى المرضى صار كابوسا مع صعوبة إيصال الإمدادات إلى المناطق التي اجتاحها القتال العنيف.
وفي بلدة ميكولايف، حيث تعيش وتعمل، يتعين على بوندارينكو التنقل في خط المواجهة المتحرك، حيث صدت القوات الأوكرانية لأسابيع المحاولات الروسية للاستيلاء على المدينة الساحلية الاستراتيجية.
وفي مدينة خيرسون، التي تحتلها القوات الغازية، يحاول فريق تحالف العمل هناك رغم انتشار الجنود الروس المدججين ونشر دوريات عسكرية على مدار الساعة.
وأما في مدينة ماريوبول التي تعاني حصارا وقصفا عنيفا منذ أكثر من شهر، فقد جرى الإعلان عن فقد اثنين من زملاء بوندارينكو، إذ لا توجد إمكانية للتواصل معهم مع انقطاع خدمات الهاتف الجوال، فيما تعتقد منظمة “تحالف الصحة” أن منشآتها في المدينة قد تعرض للقصف والدمار.
وتقول بوندارينكو وهي تصف الانفجارات بالقرب من منزلها “نحن قلقون من أن تتعرض فرقنا للقصف والضربات الجوية والصواريخ، ولكن عملائنا أكثر خوفًا، ولذلك علينا المساعدة.. إنه أمر ضروري”.
وتقول إن المنظمة كانت تدير عيادة متنقلة جيدة التجهيز في ميكولايف، وتعمل في جميع أنحاء المنطقة لتوفير خدمات الاختبار والعلاج والدعم الاجتماعي للمجتمعات الضعيفة بما في ذلك متعاطي المخدرات والعاملين في مجال الجنس.
ولكن منذ اندلاع الحرب في مدينتها، لجأت بوندارينكو مع زملائها إلى استخدام السيارات الشخصية أو التنقل سيرًا على الأقدام، لأن الشاحنات التي تضم العيادات “كبيرة ويمكن أن تصبح بسهولة هدفًا للغارات الجوية”.
وأردفت: “علينا العمل، ليس لدينا خيار. وما نفعله مهم بقدر ما يفعله الجيش على الخطوط الأمامية”.
تدمير نظام الصحة
ويخشى العاملون الطبيون الأوكرانيون من حدوث طفرة في الأمراض المعدية، من السل إلى فيروس كورونا المستجد، حيث قضى الغزو الروسي على أجزاء من نظام الرعاية الصحية وشبكات الإمداد في البلاد.
وكانت أوكرانيا تكافح بالفعل مع ثاني أعلى معدل لانتشار فيروس نقص المناعة البشرية في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وفقًا لـ Frontline Aids، وهي منظمة عالمية تدعم “تحالف الصحة”، وتدير حاليًا حملة لجمع التبرعات للمؤسسة الخيرية.
وبحسب المنظمة، فإن أكثر من 250 ألف شخص يعيشون حاليًا مع الفيروس في أوكرانيا، وهو رقم يرتفع بنسبة 15 في المائة كل عام.
وتؤكد المنسقة الإقليمية لـ”تحالف الصحة” في مدينة أوديسا الساحلية،آنا كوروبتشوك، إن معظم الأوكرانيين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية يعيشون في المدن والمناطق الأكثر تضررًا من غزو بوتين وتشمل هذه بعض المدن الساحلية وكذلك المناطق المحيطة بخاركيف وتشيرنيهيف في شرق وشمال شرق أوكرانيا.
وتضيف: “ثمانية من أصل 10 مناطق نعمل فيها تتعرض للقصف، وبالتالي فإن الأماكن الأكثر تضررًا من فيروس نقص المناعة البشرية هي أيضًا الأكثر تضررًا من الحرب”.
وقالت ناتاليا من جمعية سبوديفانيا الخيرية لتي تعمل في المنطقة التي دمرتها الحرب حول زابوريجيا، إن معركة أوكرانيا ضد فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز قد تتقهقر إلى الوراء بمقدار 20 عامًا.
وتابعت: “نحن قلقون للغاية من أن فيروس نقص المناعة البشرية سوف يزداد سوءًا في الحرب بسبب نقص توزيع الأدوية والواقي الذكري وأجهزة والاختبار، ولذلك نحاول الحصول على كل الإمدادات التي في وسعنا لمن هم في أمس الحاجة إليها”.
وتضيف قائلة: “لا يمكننا العمل في المناطق المحتلة، ونقلق على مرضانا الموجودين هناك”.
وزادت: “تحولت عياداتنا أيضًا إلى مراكز مساعدات إنسانية، ونوفر الأدوية والإمدادات الطبية والغذاء للفئات الأكثر ضعفًا”.
في غضون ذلك، تقول كلتا المؤسستين الخيريتين إنهما قلقتان من أن حركة التنقل والنزوح بسبب الحرب ستسهم في تفاقم أزمة فيروس نقص المناعة البشرية في أوكرانيا خلال الصراع.
وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في أسوأ أزمة نزوح ولاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، حيث فر الآن أكثر من 4.2 مليون شخص من أوكرانيا، بينما نزح 6.5 مليون شخص آخرين داخليًا.
وتخشى كوروبتشوك من أن يؤدي هذا إلى انتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية في أوكرانيا على نطاق أوسع، موضحة: “نقوم حاليًا بإنشاء منشآت في مدينة لفيف الغربية لإدارة هذا الأمر”.
“أخشى الرحيل”
ومع ذلك، فإن الشاغل الرئيسي هم المرضى، فكثير منهم من المجتمعات الضعيفة والفقيرة والمهمشة، معظمهم ليس لديهم الوثائق التي من شأنها أن تسمح لهم بمغادرة البلاد في حالة نفاد الأدوية، ومنهم أناتولي، 39 عاما، الذي يتلقى العلاج من فيروس نقص المناعة البشرية.
ويقول إنه لا يريد مغادرة أوكرانيا، لكنه يخشى أن يضطر إلى ذلك إذا نفدت الأدوية، ولكنه قد لا يُسمح له بالمغادرة عبر أي من حدود أوكرانيا بعد التعبئة العامة التي أصدرها الرئيس الأوكراني.
وبعد أن كان مدمنًا للهروين في سن الخامسة عشرة، أقلع أناتولي منذ ست سنوات، لكنه لا يزال يعاني من وصمة العار الاجتماعية.
وقال لصحيفة إندبندنت: “أنا قلق حقًا بشأن أولئك الذين علقوا في أماكن مثل ميكولايف، وعندما قابلت أخصائي اجتماعي لأول مرة لم أستطع الوقوف، كنت مريضا للغاية والعلاج أنقذ حياتي، ولكني أشعر بالقلق مما سيحدث للإمدادات إذا استمرت الحرب”.
ويشاركه مخاوفه أوليغ، 43 عامًا، الذي أصبح أيضًا مدمنًا عندما كان مراهقًا واكتشف أنه مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية في الثلاثينيات من عمره، وفي هذا الصدد يقول: “في النهاية سيكون الروس هم من سيوقفون علاجنا، وستكون كارثة”.