المواطنة والمواطنة المتساوية في سورية الواقع والعقبات والمستقبل لـ: د. بدر الدين عرودكي

د. بدرالدين عرودكي
باحث و مترجم سوري

الملخص التنفيذي


تستهدف هذه الدراسة توصيف واقع المواطنة والمواطنة المتساوية في سورية قبل عام 2011، والمكانة التي احتلها مفهومها وشروطها وقيمها ابتداءً من منتصف تسعينيات القرن الماضي تدريجيًا، ثم على نحو واسع مع انطلاق الثورة السورية. ولذلك كان المدخل إليها يستهدف استعراضًا سريعًا لدخول مفهوم المواطنة الحديث عمليًا في الثقافة السياسية العربية، والتعريف بهذا المفهوم شروطًا ومقومات وقيمًا مع تقديم الدراسة بقسميها لتحقيق هدفها.

يتناول القسم الأول واقع المواطنة في سورية، مفهومًا وتطبيقًا، بين عامي 1946 و2021، بادئًا باستعراض مفهوم المواطنة في مختلف الدساتير التي توالت على سورية بين 1930 (الذي استمر العمل به حتى عام 1950) وعام 2012، مع بيان تبني حقوق المواطنة الأساسية وتطبيقها في دستور 1950 والنصّ عليها دستوريًا وعدم تطبيقها عمليًا في الدساتير المتوالية، ولا سيما بين عامي 1958 و2012، وخصوصًا ما بعد عام 1963، في مجال إصدار القوانين الضرورية لتفعيل مواد الدستور.

تنتقل الدراسة بعد ذلك إلى بحث الكيفية التي اعتمدت بها برامج الأحزاب الرئيسة المواطنة وحقوقها ومواقفها، وكذلك غياب هذه الحقوق كليًا لدى بعضها، سواء الأحزاب التي أُسست قبل الاستقلال واستمرت بعده أم تلك التي أُسست في إثره. وقد أشار هذا الفصل من الدراسة إلى المقاربة الجادة للمواطنة وحقوقها من قبل الأحزاب التي كان ممثلوها يمثلون الأكثرية الساحقة في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور 1950. وكيف أن هذه الجدية أخذت في التلاشي مع حكم الحزب الواحد وهيمنته الفعلية على أحزاب قبلت أن تدرج ضمن ما سُمّي بالجبهة الوطنية التقدمية، وأن تنضوي تحت قيادة حزب واحد نص الدستور على أنه يقود الدولة والمجتمع مكرسًا حكم الاستبداد في شخص الرئيس الذي يرأس الجمهورية والحزب والجيش في آن واحد.

ولاستكمال الفصل السابق الخاص بالأحزاب، انتقلت الدراسة إلى استعراض برامج عدد من التنظيمات والأحزاب الوطنية الأخرى التي توالى تأسيسها بعد انطلاق الثورة عام 2011 حتى عام 2020 ومواقفها من المواطنة وحقوقها، ولا سيما أن هذا الاهتمام بحقوق المواطنة وقيمها راوح بين تجاهل كامل لها واعتراف بها صنوًا للديمقراطية وانطلاقًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

كان لا بدَّ من دراسة واقع مفهوم المواطنة لدى تنظيمات الإسلام السياسي وتياراته، ورؤيتها لمفهوم المواطنة كي يكتمل الفصل الخاص بالأحزاب والهيئات السياسية. وقد جرى في هذا القسم عرض لمفهوم المواطنة ومحاولة تأصيله إسلاميًا كما ورد في وثائق جماعة الإخوان المسلمين السورية الثلاث التي صدرت في أعوام 2001 و2004 و2012، وكذلك عرض محاولة التأصيل التي قام بها المفكر الإسلامي يوسف القرضاوي في كتابه عن الوطن والمواطنة، مع الإشارة إلى أن هذه المحاولة خلت من حقوق المواطن الأخرى بما تعنيه من الحريات الفردية والحريات العامة التي يمكن أن تصطدم مع ما يراه الإسلاميون حقوق الله وحرماته، فضلًا عن الموقف من المرأة ومساواتها في الحقوق والواجبات مع الرجل مساواة كاملة.

أما الفصل الخاص بالثقافة ومؤسساتها فقد تناول في جزئه الأول منجزات المؤسسات الثقافية التي أُسست بعد انفجار الثورة السورية التي اهتمت بالمواطنة مثل رابطة المواطنة التي أسسها حسان عباس، أو موقع الجمهورية الذي أسسه ياسين الحاج صالح وياسين سويحة، أو مركز حرمون للدراسات المعاصرة الذي نشر ما لا يقل عن أربعمئة مادة تناولت المواطنة بين دراسة أو مقالة أو ندوة. وتناول في جزئه الثاني مفهوم المواطنة كما قاربه المثقفون السوريون على اختلاف رؤاهم ومواقفهم السياسية أو الأيديولوجية، موضحًا الاتجاهات الثلاثة التي ميزت هذه الكتابات: تأصيل مفهوم المواطنة في الشريعة الإسلامية، أو التوفيق بين مفهوم المواطنة الحديث ومفهومها في الشريعة الإسلامية، أو اعتماد المفهوم الحديث للمواطنة انطلاقًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أما الفصل الأخير فقد عرض الكيفية التي عولجت بها مسألة المواطنة في كتب التعليم المدرسية من خلال دراستين، إحداهما كتبت داخل سورية في 2011 والثانية كتبت خارج سورية في 2018، وكيف أن هاتين الدراستيْن الميدانيتيْن على اختلاف منطلقاتهما بالنسبة إلى قيم المواطنة، كانتا في نتائجهما مع ذلك تقولان الكارثة التي عاشها السوريون خلال أربعين عامًا حين حرموا على امتدادها من أدنى معاني المواطنة وحقوقها.

كرس القسم الثاني لدراسة المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق المواطنة المتساوية وقيمها وكذلك العقبات التي لا بد من التغلب عليها لاعتماد مفهوم المواطنة الحديث بعيدًا من محاولات التأصيل أو التلفيق اعتمادًا على نصوص تعود إلى قرون الإسلام الأولى. وقد تناول هذا القسم كيف أن مسألة المواطنة مفهومًا وقيمًا تؤلف مسألة إشكالية لأنها لم تحظ -بعد تغييبها الفعلي مفهومًا وحقوقًا في حياة السوريين طوال أكثر من خمسين عامًا- بقدْرٍ مقبول من إجماع من وقفوا مع الثورة السورية وتبنوا علَمَها وأهدافها العامة، ثم اختلفوا على التفاصيل، ولا سيما على كل ما يتعلق بمفهوم الديمقراطية بما تعنيه من استقلال السلطات الثلاث، والتعددية، وحقوق المواطنة والمواطنة المتساوية من أجل سورية الجديدة التي يفترض أنهم يناضلون من أجل تحقيقها. وهو ما يشكل اليوم إحدى العقبات الأساس ليس أمام اعتماد مفهوم المواطنة فحسب، بل كذلك مفهوم الديمقراطية وما يعنيه كل منهما بالنسبة إلى حقوق السوريين في الحرية والكرامة اللتين ثاروا من أجلهما. ولهذا كان لا بد من تحديد مفهوم المواطنة المتساوية ثم استعراض معوقات اعتمادها والعقبات السبع التي تقف في وجه تحقيقها دستوريًا وقانونيًا وسياسيًا واقتصاديًا.

وفي الجزء الأخير من هذا الفصل، وفي ضوء المعوقات والعقبات، جرى تناول ممكنات تحقيق المواطنة المتساوية في سورية المستقبل والمهمات التي يقع على كاهل القوى السياسية ومراكز الدراسات والمواقع الإعلامية عبء العمل من أجل التمهيد لمواجهتها بمختلف الوسائل التربوية والتثقيفية والتوعوية، فضلًا عن العمل حثيثًا من أجل توحيد كلمة أغلبية القوى الوطنية السياسية المعارضة كي تستعيد للسوريين دورهم في تقرير مصيرهم الذي حرموا من أدائه حتى اليوم.


عن مركز حرمون للدراسات المعاصرة
لقراءة وتحميل البحث كاملا اضغط هنا


الغلاف : Syrians for Truth and Jsutice-STJ


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية