تشريع قانون سلب الرأي و حرية التعبير…لـ: هشام المسالمة

هشام المسالمة
محامي ناشط في مجال حقوق الإنسان

كشفت مصادر رسمية من لجنة الشؤون التشريعية و الدستورية في مجلس الشعب السوري في منتصف كانون الثاني من عام 2021 ، البدء بدراسة مشروع تعديل قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية ، حيث يتم دراسته حالياً بشكل مفصل ليتم عرضه لاحقاً على المجلس . هذا ما أكده موقع روسيا اليوم الالكتروني و جريدة الوطن السورية المناصرة للسلطة بتاريخ 16/12/2021 .

إن التعديل المراد إقراره قريباً على قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية رقم 17 لعام 2012 هو سلسلة لترسانة المراسيم و القوانين القمعية التي عمدت السلطة الأمنية على اصدارها ، لتحد من الحريات و لا سيما حرية الرأي و التعبير و هي سلاح المواطن السوري و منفسه الوحيد للتعبير عن رأيه و وجعه على وسائل التواصل الاجتماعي ، عن القهر و الظلم و الفساد و أداء هذه السلطة و مسؤوليها في سياسة التجويع و التهجير و ممارسة كل أنواع الانتهاكات بحق المواطن و لكن بقالب قانوني فريد من نوعه .

من الطبيعي أن تسن السلطة التشريعية المراسيم و القوانين لحماية المواطن و المؤسسات و الدولة السورية و أجهزتها ، و لكن المثير في سياسة السلطة الحاكمة هذه التجاوزات الدستورية بتعديها على حقوق المواطنين التي كفلتها دساتير البلاد المتعاقبة و الأخطر هو تشديد بعض العقوبات و سن تقييدات جديدة خطيرة و أكثر قمعاً قد تطال أي مواطن سوري أينما كان بالبلاد أم خارجها لتصل بعض العقوبات المشددة منها إلى الحبس سبع سنوات و الغرامات المالية منها ما يصل إلى 10 ملايين ليرة سورية !! .

الملفت للانتباه استمرار السلطة الحاكمة باختراع تقنيات قانونية متجددة لكم الأفواه و قمع الحريات بداعٍ واهمٍ و هو نشر الأخبار الكاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية أو إثارة الرأي العام .

و هذا ما عودتنا عليه السلطة الحاكمة منذ سبعينات القرن الماضي ليومنا هذا في تغولها على المجتمع المدني و المواطن العادي أيضاً ، من خلال المحاكم العسكرية والاستثنائية كمحكمة أمن الدولة و لاحقاً في قانون محكمة الإرهاب ، رغم أن هذه التشريعات بحد ذاتها إرهاب فكري .

أخطر ما في مشروع التعديل هو نص المادة 36 من المشروع التي أعطت النائب العام بتحريك الدعوى العامة بحق الأشخاص في جرائم النيل من هيبة الدولة أو النيل من هيبة الموظف و لو لم يقدم المتضرر شكوى أو ادعاء شخصي !!

أي تبقى سلطة النيابة العامة واسعة و ليست مقيدة و لها سلطتها التقديرية بتحريك الدعوى العامة و هنا مكمن الخطورة .

إن سلوك مؤسسة تشريعية إلى هذا النحو بسن التعديلات و إقرارها تنفيذاً لإرادة السلطة الأمنية التي تتحكم بمفاصل البلاد ، هو انتهاك صارخ لما ورد في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : لكل شخص الحق في حرية الرأي و اتعبير . و هذا ما أكدت عليه أيضاً منظمة اليونسكو في إعلانها عام 1979 بأن حرية الرأي و التعبير و حرية الإعلام هي جزء أساسي من الحريات المنصوص عنها في حقوق الإنسان .

و ما يثير الحفيظة أيضاً هو مناقضة السلطة لما ورد في الدستور السوري لعام 1950 بمادته 14 : تكفل الدولة حرية الرأي ، و لكل سوري أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول و الكتابة و سائر وسائل التعبير .

و نسف كل ما ورد بمضمون المادة 42 من دستور سورية الحالي لعام 2012 و التي سنته السلطة ذاتها : على حرية التعبير عن الرأي و بحرية وعلانية بالقول أو الكتابة و بوسائل التعبير كافة !!

أي أنها تطلق الحريات نظرياً في الدستور ، لتأتي و تقييدها و تقمعها و عملياً وبنفس الوقت ، عن طريق مراسيم و قوانين قمعية و لا أخلاقية تؤكد خوفها من تنوير المواطن و ممارسته النقد البنَاء و إبداء الرأي العام ، مما يهدد بقائها و كشفها أمام الحاضنة من مؤيديها المغيبين ، مما قد يحرك قسماً كبيراً من الصامتين ضد تغول هذه السلطة  و مطالبتها بأبسط حقوقهم .

إن القانون المتوقع صدوره قريباً بهذه التعديلات يشير مجدداً إلى تعنت السلطة الحاكمة و استحالة انفتاحها على الشعب أو منحه فضاءات و لو هامشية ، للتعبير عن رأيه في نقد موظف أو سياسات خاطئة أو حتى التندر بالطرفات و النكات لتخفيف الاحتقان عن الفساد و التعدي العلني على حقوقه من تغولها ، فبات أمراً محرماً و يشكل تهديداً للسلطة و خدمة لمسؤولي السلطة للتمدد في الفساد المالي و الأخلاقي و بالتالي زيادة النكبات على المواطن السوري بحكم اللامنطق بعلاقة المواطن مع حكومته ، هذا إن صح تسميتها بحكومة أو سلطة و التي هي بسياستها أقرب إلى أن تكون ميليشيا و سلطة أمر واقع ، و برأي الكثير من السوريين قد صارت و استوت .


يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية