كانت العدالة على نطاق مجهري. في 13 كانون الثاني (يناير) ، حُكم على الضابط السابق في المخابرات السورية أنور رسلان بالسجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.
جاء الحكم في أعقاب أكثر من 100 جلسة محاكمة تحدث فيها شهود عن تعرضهم للضرب والصعق بالكهرباء والاغتصاب في الفرع 251 ، وهو السجن الذي استمر فيه أنور رسلان لمدة عامين. قُتل ما لا يقل عن 27 معتقلاً وتعرض 4000 للتعذيب خلال فترة حكمه.
وبالرغم من كونها مروعة، إلا أن الشهادة غطت زاوية صغيرة من جهاز أمني مترامي الأطراف. فنظام بشار الأسد مسؤول عن العديد من الفظائع في الحرب التي أودت بحياة ربما 500 ألف شخص وشردت أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب البالغ عددهم 22 مليون نسمة.
ومع ذلك، فإن رسلان هو أول مسؤول يُدان لمشاركته (سُجن موظف منخفض الرتبة العام الماضي)، وتدور عجلات العدالة ببطء شديد فيما الضحايا يعانون.
دارت تلك العجلات فقط لأن رسلان حوكم في ألمانيا فقط، حيث تميل المحاكم في الشرق الأوسط إلى التعامل بسخرية مع العدالة، فالأسد لن يحاسب جلاديه، كما أن الجهود الدولية لا تعطي الكثير من الأمل في ملاحقتهم ومحاسبتهم
المحكمة التي حققت في اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، عملت لمدة 11 عاما لتأمين إدانة واحدة متوسطة. يتم الاستماع إلى عدد متزايد من قضايا الشرق الأوسط البارزة في محاكم أجنبية، وهو توجه يثير تساؤلات قانونية ودبلوماسية.
هناك مشكلة واضحة تتمثل في القبض على المعتدين المزعومين، حيث تمت محاكمة رسلان لأنه هرب من سوريا وحصل على حق اللجوء في ألمانيا.
وبدأت محكمة في فرانكفورت تنظر في قضية مماثلة في 19 كانون الثاني/ يناير، قضية طبيب سوري متهم بتعذيب معتقلين مصابين. انتقل إلى ألمانيا في عام 2015. لكن الأسد ودائرته يميلون إلى تجنب أي اختصاص قضائي قد يحاسبهم.
“حتى محاكمة الناس غيابيا يمكن أن تتطلب تعاون الحكومات غير المتعاونة. خذ مثلا حالة جوليو ريجيني، الطالب الذي عُثر على جثته مشوهة في حفرة خارج القاهرة في عام 2016. كانت الشرطة المصرية قد احتجزته، وهي متهمة بتعريضه لأيام من التعذيب. ويشتبه في أن السلطات نظمت عملية تستر متسرعة، قائلة إن ريجيني اختطف في الواقع من قبل عصابة كانت تستهدف الأجانب. قُتل رجال العصابات على أيدي الشرطة، وبالتالي فإنهم لم يكونوا متاحين للاستجواب”.
وعلى عكس معظم ضحايا الديكتاتورية في مصر، كان ريجيني مواطنا إيطاليا. وبطلب من عائلته، اتهم الادعاء الإيطالي أربعة مسؤولين مصريين بقتله. لكن قاضية أوقفت المحاكمة في تشرين الأول/ أكتوبر قائلة إنها لا تملك دليلا على أن المتهمين على علم بالاتهامات وأعادتها إلى الجلسات التمهيدية.
السياسة هي تعقيد آخر، مشيرة إلى محاكمة محكمة تركية 26 سعوديا غيابيا بتهمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، حيث ذبح في قنصلية المملكة في إسطنبول.
ولفتت إلى أن الرئيس رجب طيب أردوغان، كان متحمسا للقضية ذات يوم. لكن حماسه تضاءل في الأشهر الأخيرة بينما يسعى إلى التقارب مع دول الخليج. ومن المتوقع أن يزور السعودية الشهر المقبل ويلتقي محمد بن سلمان، ولي العهد، المتهم على نطاق واسع بأنه أمر بقتل خاشقجي (الأمير ينفي ذلك). وقد توقفت المحاكمة الآن، ومن غير المرجح أن تستأنف حتى الصيف.
ويواجه الأمير محمد نفسه قضيتين قضائيتين في أمريكا، إحداهما رفعتها أرملة خاشقجي، والأخرى رفعها سعد الجابري، مسؤول مخابرات سعودي سابق يتهم الأمير بالتخطيط لقتله. واستند كلاهما إلى قانون صدر عام 1991 يسمح للمحاكم الأمريكية بالنظر في الدعاوى المدنية ضد مرتكبي التعذيب الأجانب المزعومين.
“يمكن لرؤساء الدول تأكيد الحصانة السيادية. لكن هذا لا يساعد الأمير محمد: فهو الحاكم الفعلي لكنه لا يشغل المنصب الأعلى بعد. وقد سعى محاموه إلى حمايته لأسباب أخرى، بما في ذلك “الحصانة القائمة على السلوك”، والتي تحمي المسؤولين الذين يتصرفون بصفتهم الرسمية”.
إنها تخلق مفارقة غريبة. وقال الأمير محمد إنه لم يأمر بقتل خاشقجي. وللمطالبة بالحصانة، فإنه يجب عليه أن يجادل بأنه إذا أمر بما ينكر أنه أمر به، فإنه قد فعل ذلك نيابة عن الدولة.
لكن ليست كل حالة مظلمة للغاية، ففي لبنان وجد المودعون أنفسهم ممنوعين إلى حد كبير من الوصول إلى حساباتهم بالعملات الأجنبية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، عندما انزلقت البلاد في أزمة مالية.
لقد بدأوا بمقاضاة البنوك اللبنانية في الخارج للمطالبة بالتعويض. البنوك تصر على أن تلك المحاكم ليس لديها سلطة قضائية.
ومع ذلك، فإنه في حالتين على الأقل، حكم القضاة بأن قوانين حماية المستهلك الأوروبية تمنح حق المقاضاة (على الرغم من أن أيا من المطالبين لم يسترد أي أموال حتى الآن).
هناك بعض النفاق في كل هذا بالطبع. وتميل المحاكم الغربية إلى أن تكون أقل حرصا على محاكمة مواطنيها على الجرائم التي يرتكبونها في الشرق الأوسط وأفريقيا.
لم تكن هناك إدانات جدية بشأن برنامج التعذيب التابع لوكالة المخابرات المركزية. وأصدر الرئيس السابق دونالد ترامب عفوا عن الجنود والمتعاقدين المتهمين بارتكاب فظائع في زمن الحرب.
ويقول محققو الأمم المتحدة إن إريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر الأمنية، انتهك مرارا عديدة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، وأرسل بنادق ومرتزقة إلى أحد أمراء الحرب هناك. ولم توجه له أي تهمة وينفي هذه المزاعم.
ومع ذلك، فإنه لا يوجد إفلات كامل من العقاب في أمريكا. ففي 13 كانون الثاني/ يناير، أعلنت وزارة العدل أن رجلين من فلوريدا كانا يعملان في متجر للغوص قد حُكم عليهما بالسجن لمحاولتهما تصدير أجهزة تدوير الأكسجين [المستخدم في الغوص] (مادة محظورة) إلى ليبيا.. إن عجلات العدالة تدور ببطء في الحقيقة.