تذكر مراسل صحيفة “التايمز” ريتشارد سبنسر مواجهته مع السجان السوري أنور رسلان الذي حكمت محكمة ألمانية عليه يوم الخميس بالسجن مدى الحياة.
فقد جرى اعتقال سبنسر لفترة قصيرة في عام 2012 في فرع المخابرات الجوية 251 بدمشق.
ويقول ريتشارد سبنسر إن الضحية حسين غرير الذي اعتقل في الفرع نفسه سمع السجانين وهم يقولون له “سنأخذك خلف الشمس حيث لن يعرف حتى الذباب مكانك”. ويعلق سبنسر “لم أكن متظاهرا أو مدونا، وكصحافي يحمل تصريحا لم يكن هناك ما يدعوني للخوف عندما اعتقلني العقيد أنور أرسلان، رغم معرفتي أن الفرع 251 لم يكن مكانا مريحا”.
وقال إن مجموعة من الرجال في منتصف العمر كانوا في صف بالساحة، أيديهم فوق رؤوسهم، ومعظمهم يلبسون جلابية بنية، وهو اللباس المعهود للرجل الذي أنهى عمله في محله أو سيارة الأجرة وكان يتحضر للنوم. وكان أحدهم يواجه الجدار حيث ضربه الحرس وصرخوا عليه بدون اهتمام لوجود الصحافي الأجنبي. ولم يتعرض أحد إليه مع أن أحد الرجال الغاضبين بزي رث لوح الكلاشينكوف بوجهه. وبعد أربع ساعات كـ “ضيف” حاول الصحافي التأكيد على حقه بالمغادرة. وبعد فترة قصيرة اقتيد إلى مكتب مليء بالكتب ثم جاء رسلان الذي لم يعرفه في حينه باستثناء الشارة التي يحملها على كتفها وتظهر أن رتبته عقيد. ولم يتعرف عليه إلا بعد 8 أعوام ببداية محاكمته في ألمانيا ورأى صورته. كان هذا مجرد مجاملة كما شهد من قابلوه خارج السجن، وقال إن اعتقاله مجرد إجراء رسمي وسأل عما كان يفعله الصحافي في دمشق وتجوله وسط الانتفاضة. وقبل إجابته بأنه وصل إلى سوريا بتأشيرة صحافي وكان يتجول في العاصمة عندما أوقف عند نقطة تفتيش، لم يكن رسلان قادرا على مناقضة كلامه لأن التفاصيل واضحة على جواز سفره. وكانت أسئلته طويلة ودقيقة، وكتب ملاحظات وطلب منه التوقيع عليها قبل السماح بالإفراج عنه والعودة إلى فندق فورسيزونز، المكان الخالي من الرفاهية في نيسان/إبريل 2012 بمدينة البؤس، كما يقول.
ويتذكر سبنسر أنه تحت المكان الذي جلس فيه، وهو مكتب العقيد، ارتكبت كل أنواع البؤس، وينقل هنا عن غرير، 43 عاما، قوله “تعرضت للتعذيب في كل جلسة تحقيق. وضربت على قدمي وجسدي بالأحزمة والكوابل الكهربائية والعصي”. وعندما اعتقل الصحافي كان غرير في مكان آخر من نظام السجن “ضيفا” في المخابرات الجوية، وهو الفرع في الاستخبارات السورية الذي يثير الرعب بين السوريين. وكان محظوظا لأنه نجا. ويقع مركز الفرع في مطار المزة، قريبا من دمشق ويحتوي على بيت الموتى الذي التقط فيه “قيصر”، مصور الشرطة الصور وهرب ومعه مجموعة من صور جثث المعتقلين الهزيلة. وصور قيصر حوالي 6.785 جثة لمعتقل. ويقول سبنسر إنه اتصل هذا الأسبوع بخلود حلمي، 37 عاما التي اعتقل شقيقها الأصغر وطالب الماجستير في المزة بعد اعتقاله من بيت العائلة وأسابيع من مغادرة الكاتب سوريا. وقالت إن العائلة لم تره بعد ذلك أبدا ولم تحصل على بلاغ حول وضعه إن كان حيا أو ميتا، ولا يزال واحدا من 100.000 مفقود منذ بداية الانتفاضة ضد نظام الأسد.
وقال إن هناك درسا من تجربته في سوريا والحكم الصادر على رسلان وهو أن هناك طبقات متعددة للدولة البوليسية السورية. و”قد شاهدت الطبقة على السطح وحصلت على نظره أكثر وحشية. وبين ذلك هناك طبقات غير مرئية مثل التي جربها غرير وعدد كبير مثله، و4.000 شخص في الأشهر التي كان يدير فيها رسلان فرع 251. وهي طبقة من الضرب والجلد والصعقات الكهربائية والشبح حيث يتم تعليق السجناء من مرافقهم حتى يغمى عليهم. وتحت هذه الطبقة هناك الاختفاء القسري والمقابر الجماعية والقتل الجماعي والذي تم الكشف عنها من خلال الصور الفضائية على مدى السنوات الماضية. ويقول إن النظام السوري حصل على نصائح من مساعد أدولف إيخمان، الويس برنر الذي وصل إلى سوريا هاربا في الخمسينات من القرن الماضي، وقدم نصائحه للنظام مقابل اللجوء الذي منح إليه.
وقد تكون مجرد قصة، لكن هناك مشتبها بهم آخرين مثل العثمانيين والفرنسيين والمصريين. وربما كانت وسائل التعذيب من بنات أفكار النظام حيث يتخيل البشر الرعب بطريقتهم. وربما كان هناك هوس بالاستخدام الجماعي للعنف المتجذر بشكل غريزي في الإنسان ويتعامل المشاركون به كنوع من الحلم. وهو ما يفسر موقف رسلان أثناء المحاكمة حيث بدا منفصلا عن الجرائم التي حوكم عليها، فهو لم ينف تعذيب النظام ورتبته في المخابرات، ولكنه نفى مسؤوليته الشخصية ورفض الاعتذار للضحايا. وهو ما يحول الهوس إلى الضحايا الذين يحتاجون لسنوات كي يتأقلموا مع طريقة معاملتهم.
وقال المحامي مازن درويش الذي حكم عليه خمس مرات في سجون النظام وقدم التوثيق لجرائم فرع 251 للمحكمة “من الناحية الجسدية أنا ناج ولكن من الناحية العقلية لن أكون نظيفا، وهذا أمر لن تتخلص منه عندما يفرج عنك”. ويقول إنه لم يكن قادرا على النظر في وجه زوجته بعد ستة أشهر من خروجه. ولم يستطع ولعدة سنوات حرف نظره عن الأرض، فالمعتقلون لا يسمح لهم بالنظر إلى وجوه جلاديهم، مع أنه مجبر الآن على النظر في وجهه مباشرة. وقال “أفتقد مازن الذي عرفته في السابق” و”أفتقد ما تم قتله في داخلي”.