قوبلت إدانة ضابط سوري سابق بجرائم بحق الإنسانية بترحيب الأوساط الحقوقية، فقد وصفه وزير العدل الألماني بـ”العمل الريادي” الذي ينبغي أن يحتذى به، فيما اعتبرته المفوضة الأممية “قفزة مهمة إلى الأمام لإرساء الحقيقة والعدالة”.
رأى وزير العدل الألماني ماركو بوشمان أن حكم المحكمة الإقليمية العليا بمدينة كوبلنز (كوبلنتس) بالسجن مدى الحياة بحق ضابط مخابرات سوري سابق بتهمة المشاركة في أعمال تعذيب قامت بها الدولة السورية، يعد “عملا رياديا”.
وقال بوشمان عقب صدور الحكم اليوم الخميس (13 يناير/كانون الثاني 2022) أن حكم القاضي في مدينة كوبلنز الألمانية يستحق أن يتم ملاحظته في جميع أنحاء العالم، وتابع: “سأرحب بأن تتبع دول دستورية أخرى هذا المثال. من اقترف جرائم ضد الإنسانية، يجب ألا يجد أية ملاذات آمنة بأي مكان”.
وأضاف الوزير الألماني أنه “وقع ظلم مروع في سجون التعذيب” التابعة لنظام حكم بشار الأسد، وأكد “أنها مسؤولية المجتمع الدولي بأسره أن يجيب على هذا بلغة القانون”. وتابع “يجب ألا تمر هذه الجرائم ضد الإنسانية دون عقاب”.
وكانت المحكمة الإقليمية العليا بمدينة كوبلنز قد حكمت في وقت سابق اليوم بالسجن مدى الحياة على الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السوري “أنور. ر.” بعد إدانته بقتل 58 شخصاً واغتصاب آخرين وتعذيب نحو أربعة آلاف معتقل في السجن التابع لقسم التحقيقات-الفرع 251 والمعروف باسم (أمن الدولة – فرع الخطيب).
الحكم “قفزة مهمة لإرساء الحقيقة والعدالة”
من جانبها أشادت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت بمحاكمة ألمانيا وإدانتها للمسؤول الاستخباراتي السوري السابق، وقالت إن الحكم “قفزة مهمة إلى الأمام لإرساء الحقيقة والعدالة وترميم انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة التي تم ارتكابها في سوريا على مدار أكثر من عقد”.
وأضافت باشيليت “حكم اليوم يجب أن يكون بمثابة دفعة تحفيز لكل الجهود لتوسيع شبكة المحاسبة لكل مرتكبي الجرائم المروعة التي كانت سمة هذا العنف الوحشي”.
وقالت المفوضة الأممية “هذا مثال واضح على مدى قدرة المحاكم الوطنية على سد فجوات المساءلة لمثل تلك الجرائم أيا كان المكان الذي ارتكبت فيه من خلال تحقيقات عادلة ومستقلة، ومحاكمات تجرى تماشيا مع قوانين ومعايير حقوق الإنسان الدولية.. وهذا يكون بمثابة رادع قوي ويساعد في منع الأعمال الوحشية المستقبلية”.
يذكر أن المحاكمة تمت وفق المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية الذي تطبقه ألمانيا ويسمح لقضائها بموجبه بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطرة، بغضّ النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجرائم.
من جهتها أشادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بهذا الحكم، واصفة إيّاه بـ “التاريخي”. وقال مديرها التنفيذي كينيث روث خلال إحاطة صحافية في جنيف “إنه تاريخي بالفعل”.
من جهته قال ماركوس بيكو مسؤول منظمة العفو الدولية في ألمانيا إن المحكمة “ثبتت بشكل واضح ورسمي ظروف الاعتقال غير الإنسانية وأعمال التعذيب المنهجية والعنف الجنسي والقتل في سوريا”.
وقال إريك ويت من مبادرة العدالة الاجتماعية المفتوحة التي دعمت عددا من الشهود في القضية “المحاكمة تبين أن المحاسبة عن الأعمال الشنعاء التي ارتكبها نظام الأسد أمر ممكن… إذا تحرك المدعون والقضاة”. وأضاف “ونحن نرحب بنتيجة المحاكمة، علينا ألا ننسى أن بشاعة الجرائم التي ثبتت في المحكمة لا تزال مستمرة في سوريا حتى يومنا هذا”.
الدفاع يعلن استئناف الحكم
وبعد صدور الحكم أعلن فريق الدفاع عن “أنور ر.” استئناف الحكم أمام المحكمة الفيدرالية العليا. وقال محامي الدفاع يورك فراتسكي إن موكله “غير راض” عن الحكم الصادر بحقه، مشيرا إلى أنه تم سجنه نيابة عن النظام السوري”.
والتزم “أنور ر.” الذي كان يرأس شعبة التحقيقات في الفرع 251 من جهاز أمن الدولة الواسع الانتشار، الصمت طوال جلسات هذه المحاكمة التي بدأت في 23 نيسان/أبريل 2020.
وفي أيّار/مايو 2020، تلا محاموه إفادة خطّية نفى فيها هذا الضابط السابق مشاركته في تعذيب المعتقلين وقتلهم. وهو أعاد التأكيد على موقفه هذا في بيان تلاه مترجمه في مطلع كانون الثاني/يناير.