استقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بعد ستة أسابيع فحسب على عودته للمنصب، في أعقاب انقلاب عسكري في أكتوبر تشرين الأول.
تلُف الخطوة المستقبل السياسي للسودان بمزيد من الغموض وتثير الشكوك حول مستقبل العملية الانتقالية نحو الانتخابات منذ غروب شمس نظام عمر البشير عام 2019.
بعد شد وجذب وتوترات شديدة بين المكونين المدني والعسكري في مجلس السيادة السوداني انتهت باعتقاله هو شخصياً ووضعه قيد الإقامة الجبرية ومقتل ما لايقل عن 50 سودانياً برصاص قوات الأمن، قرر عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني الاستقالة تاركاً خلفه مشهدا شديد الضبابية والتعقيد.
خطاب رئيس الوزراء للأمة السودانية.#مستقبل_وطنhttps://t.co/91umRPNB5S
— Abdalla Hamdok (@SudanPMHamdok) January 2, 2022
وقال حمدوك في خطاب استقالته: “قرّرت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء، مفسحا المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا.. والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية”.
مغزى التوقيت
على مواقع التواصل الاجتماعي وخلال الفترة الماضية، عبر كثير من السودانيين عن غضبهم من استمرار حمدوك في منصبه، وطالبوه بتقديم استقالته عدة مرات.. غضب تصاعد بعد اتفاق وقعه مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ندد به كثيرون خصوصاً التحالف المدني الذي دعمه في السابق.
ويرى الدكتور الرشيد محمد ابراهيم، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الخرطوم أن استقالة حمدوك جاءت وسط تعقيدات شديدة للمشهد السوداني. ويعتقد الخبير السياسي السوداني أن حمدوك “ربما كان يأمل أن تقوم الحاضنة السياسية وقوى إعلان الحرية والتغيير بالوصول إلى اتفاق لاستكمال الفترة الانتقالية، وهو ما كان يمكن أن يضمن لرئيس الوزراء أن يستمر في منصبه”.
ويرى الخبير السياسي الألماني أن موقف حمدوك أصبح حساساً للغاية، “فالمكون المدني وعلى رأسه الشباب في الشارع يرفض بشدة اتفاقه مع الجيش ويرى في ذلك خيانة لثورة – إن جاز التعبير- فيما يراه الشباب أنه أصبح كورقة توت للجيش، وبالتالي لن يدعم أحد منهم أي حكومة قد يشكلها حمدوك منبثقة عن هذا الاتفاق، ما جعله يدرك أنه عاجز عن القيام بما يجب عليه فعله في منصبه”.
لماذا فشل التوافق بين المدنيين والعسكريين؟
كان حمدوك قد أكد في خطاب استقالته أنه حاول دون جدوى التوصل إلى توافق بين الفصائل المنقسمة بشدة، وأضاف: “لقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق إلى الكارثة.. ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء ولكن ذلك لم يحدث”.
يقول الدكتور الرشيد محمد ابراهيم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن جذور الفشل في التوافق بين المكونين المدني والعسكري تعود إلى فترة ما بعد سقوط نظام البشير، والتي ظهر خلالها أن هناك تبايناً لدى الطرفين حول مفهوم الفترة الانتقالية من حيث الوسائل والأدوات بل وربما من حيث الأهداف والغايات، الأمر الذي جعل كل طرف ينظر للآخر باعتباره عدوا محتملا وليس صديقا محتملا ..هذه النظرة هي التي جعلت الفترة الانتقالية غير مستقرة، نظرا لغياب الثقة”.
وأضاف أن “أهم دلائل فقدان الثقة هو الجدل بشأن مسألة المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة النظام السابق والعدالة القضائية وذلك من قبل المدنيين تجاه العسكر. أما العسكر فهم أيضاً بدورهم استخدموا مسألة التلويح بالانتخابات المبكرة في وجه المدنيين والتهديد المبطن بالتعاون مع الإسلاميين من خلال المصالحة معهم”.
من البديل؟
رغم تساؤلات الناشطين المطالبين بالديمقراطية حول فرص نجاح أسلوب حمدوك الذي ينشد حشد الإجماع وسط حالة من الاضطراب السياسي تكتنف العملية الانتقالية بالسودان، إلا أن الرجل يحظى باحترام واسع في الداخل، كما أنه شريك رئيسي للمجتمع الدولي.
واجتهد القادة العسكريون لإقناعه بالعودة بعد الانقلاب، ومن غير الواضح ما هي الشخصيات الأخرى التي قد يستدعونها بعد ذلك.
هل تفضي الخطوة لسيطرة الجيش الكاملة؟
منذ عودته يوم 21 نوفمبر تشرين الثاني ألغى حمدوك بعض التعيينات التي أجراها الجيش في مناصب الدولة العليا بعد الانقلاب، بما في فلول عهد البشير.
وستظل هذه القرارات بمثابة اختبار واحد لنوايا الجيش.
أُطلق سراح شخصيات بارزة مؤيدة للديمقراطية، ببينهم بعض من الوزراء السابقين، على الرغم من استمرار عمليات اعتقال المتظاهرين.
كما استمرت عمليات تفريق قوات الأمن للمظاهرات باستخدام الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية. ويقول مسعفون إن عشرات الأشخاص قتلوا منذ أكتوبر تشرين الأول.
وتنظم لجان المقاومة الاحتجاجات، وتقول معظم الأحزاب السياسية البارزة إنها ترفض التفاوض أو الشراكة مع الجيش.
لماذا هي مهمة؟
مصير عملية الانتقال السياسي سيحدد ميزان القوى في السودان، الذي يقدر عدد سكانه بنحو 46 مليون نسمة وشقت فيه انتفاضة شعبية طريقا لإنهاء عقود من الحكم الاستبدادي والصراع الداخلي والعزلة الاقتصادية في ظل حكم البشير.
وأمَنت حكومة حمدوك اتفاقا لإعفاء البلاد من أكثر من 56 مليار دولار من الديون الخارجية، في خطوة ثارت حولها الشكوك بسبب الانقلاب. وأجرت إصلاحات اقتصادية مؤلمة قالت إنها بدأت تؤتي ثمارها فيما يتعلق بأوجه النقص وانتشار الفقر.
كما أنها قبلت أن تحذو حذو دول عربية أخرى فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأبرمت السلطات الانتقالية اتفاق سلام جزئيا مع المتمردين في جنوب البلاد ودارفور حيث تزيد الاضطرابات وعمليات النزوح.
وسيكون لمسار السودان تأثير في منطقة مضطربة تتاخم الساحل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي حيث تتنافس قوى دولية لبسط نفوذها. وتسبب الصراع في منطقة تيجراي الإثيوبية في لجوء عشرات الألوف من سكان المنطقة إلى السودان قبل عام وجدد التوترات بخصوص الأراضي الزراعية على حدود الجيران المتنازع عليها.