شهدت أزمة المهاجرين العالقين على الحدود البولندية البلاروسية تطورات دراماتيكية على مدى الأيام الماضية، وصلت حتى تخوف جهات محلية ودولية من تحولها إلى نزاع مسلح بين الجارين النقيضين. من جهة، تعتبر بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، أن بيلاروسيا تستخدم المهاجرين كسلاح في “حرب هجينة” ضد الاتحاد، ردا على العقوبات التي فرضتها بروكسل على مينسك. أما بلاروسيا فاعتبرت أن بولندا، ومن ورائها حلفائها الغربيين، يستخدمون أزمة الهجرة ذريعة لتصعيد الموقف في المنطقة، في إطار الكباش السياسي الحاصل بين الدول الغربية وروسيا وحلفائها.
خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الأربعاء 10 تشرين الثاني/ نوفمبر مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل الذي يجري زيارة إلى وارسو، قال رئيس الوزراء البولندي ماتوش مورافيتسكي “ما نواجهه هنا، ويجب أن نكون واضحين، هو شكل من أشكال إرهاب الدولة”.
أما شارل ميشيل فاعتبر أن عقوبات جديدة بحق بيلاروسيا “مطروحة على الطاولة”، وأن الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي ستبحث هذه المسألة الإثنين المقبل.
وكان ممثلو دول الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا الأربعاء على توسيع العقوبات المفروضة على بيلاروسيا والتي تستهدف النظام، في خطوة تمهد لموافقة وزراء خارجية الدول الـ27 على إضافة مجموعة من الأفراد والشركات على القائمة السوداء خلال اجتماعهم الإثنين المقبل.
وتطرق ميشيل إلى موضوع تمويل إنشاء سياج حدودي لمنع عبور المهاجرين، الأمر الذي طالبت به بولندا ودول أوروبية أخرى، لكن المفوضية ترفضه حتى الآن.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، توقعت “توسيع نطاق العقوبات” مطلع الأسبوع المقبل.
I had a productive meeting with @POTUS at the White House⁰
— Ursula von der Leyen (@vonderleyen) November 10, 2021
We touched upon a series of issues including the situation at the border with Belarus⁰
This is a hybrid attack. Not a migration crisis
Beginning of next week, we will very quickly expand our sanctions against Belarus. pic.twitter.com/nsdCVLbyk4
وإثر لقائها الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن قالت فون دير لاين “إنها محاولة من قبل نظام متسلّط لزعزعة استقرار الدول الديموقراطية المجاورة. وهذه المحاولة لن تنجح”.
وفي أحدث تصعيد على مستوى الأزمة المستجدة، تعهد زعيم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو اليوم الخميس بالرد على أي عقوبات جديدة مفروضة بسبب أزمة المهاجرين على حدود بلاده مع بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي.
وقال لوكاشينكو في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية بيلتا، “إذا فرضوا عقوبات إضافية علينا… يجب أن نرد”، ملمحا إلى أن بيلاروسيا قد توقف نقل الغاز من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي عبر خط أنابيب يامال-أوروبا.
وأورد “نحن ندفئ أوروبا وهم يهددوننا… وماذا لو أوقفنا إمدادات الغاز الطبيعي؟”.
وزعم رئيس بيلاروسيا أن المهاجرين على الحدود تلقوا أسلحة ومتفجرات من شرق أوكرانيا خلال اليومين الماضيين، “لماذا تأتي الأسلحة إلى هنا؟ إنهم يريدون القيام بأعمال استفزازية”.
تحرك على مستوى مجلس الأمن
من جهتها، طلبت إستونيا وفرنسا وإيرلندا اجتماعا طارئا لمجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، يُفترض أن يُعقد بعد ظهر اليوم الخميس، وفق ما أفاد دبلوماسيون وكالة فرانس برس الأربعاء.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الأربعاء خلال مؤتمر صحافي إن “هذه الأوضاع يجب ألا تُستغل لغايات سياسية وألا تتحول إلى مصدر للتوتر بين الدول”.
وأضاف “يتابع الأمين العام للأمم المتحدة باهتمام الأوضاع عند الحدود بين بيلاروس وبولندا… وأكد على أهمية معالجة قضايا الهجرة واللاجئين بما يتوافق مع المبادئ الإنسانية والقانون الدولي”.
بدورها، اعتبرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه الأربعاء أن أزمة المهاجرين غير المسبوقة على الحدود بين بولندا وبيلاروس “غير مقبولة”، مؤكدة على ضرورة ألا يقضي اللاجئون ليلة أخرى عالقين بين البلدين.
وقالت باشليه في بيان “أطالب الدول المعنية باتخاذ خطوات فورية لوقف التصعيد وحل هذا الوضع غير المقبول”. موضحة “إنه لأمر مريع أن تتواجد أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين لا يزالون متروكين في وضع يائس مع درجات حرارة تقارب الصفر على الحدود بين بيلاروس وبولندا”.
وساطة روسية بطلب ألماني
المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل دخلت من جانبها على خط الأزمة التي تطال بلادها، بعد أن طلبت من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “التحرك” ضد “استغلال المهاجرين من قبل النظام البيلاروسي”، على ما قال الناطق باسمها شتيفن زايبرت الأربعاء.
وفي اتصال هاتفي، قالت المستشارة المنتهية ولايتها إن “استغلال المهاجرين أداة” على الحدود بين بولندا وبيلاروس “أمر غير مقبول”، كما ورد في تغريدة للناطق الرسمي باسم ميركل.
وكان وزير الخارجية الالماني هايكو ماس أعلن في وقت سابق تأييده لفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة ضد بيلاروسيا، متهما رئيسها ألكسندر لوكاشينكو باستغلال المهاجرين عبر إرسالهم إلى الحدود البولندية.
ويتهم الأوروبيون منذ أسابيع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو بتأجيج التوتر من خلال إصدار تأشيرات للمهاجرين وإحضارهم إلى الحدود انتقاما للعقوبات الأوروبية التي فرضت على بلده لقمعه حركة المعارضة بعد الانتخابات الرئاسية في 2020.
إقليم كردستان العراق على خط الأزمة أيضا
وتتزايد المخاوف بشأن مصير أكثر من ألفي مهاجر، غالبيتهم من أكراد الشرق الأوسط، عالقين عند الحدود، في ظروف وصفتها الأمم المتحدة بأنها “لا تحتمل”، مطالبة بتحرّك لمعالجة الأمر.
من جانبها، أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق (الذي يتمتع بوضعية الحكم الذاتي) والذي يتحدّر منه المئات من المهاجرين العالقين عند الحدود بين بيلاروس وبولندا، الأربعاء، أنّها تعتزم معالجة “الأسباب الجذرية” للمشاكل التي تدفع أبناء المنطقة للهجرة.
وقال المتحدث باسم حكومة كردستان العراق جوتيار عادل إن من بين العوامل التي تدفع شباب كردستان العراق إلى الهجرة “مشاكل الأمن الإقليمي والركود العالمي”.
وأضاف في بيان أن “حكومة إقليم كردستان ملتزمة معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة”، وستشكّل لجنة مكلّفة تقديم توصيات للحكومة.
وشدّد المتحدث على أن حكومة الإقليم “ستواصل تطبيق الإصلاحات الرامية إلى خلق مزيد من الوظائف للشباب وتحسين مستوى المعيشة لكل الناس في منطقة كردستان”.
اصطفاف بيلاروسي – روسي!
من جهتها، اتهمت بيلاروسيا بولندا بخرق الأنظمة الدولية بمنعها دخول المهاجرين، وبصدهم بالضرب وأعمال العنف.
وزير الخارجية البيلاروسي فلاديمير ماكي، اتهم “الغرب” بافتعال أزمة الهجرة على الحدود البولندية لفرض عقوبات جديدة على مينسك.
وقال ماكي خلال لقاء مع نظيره الروسي أمس الأربعاء “في ضوء الجولة الخامسة من العقوبات التي يتحدثون عنها في الغرب، الذريعة المستخدمة هذه المرة هي أزمة الهجرة التي افتعلها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه التي تتشارك حدودا مع بيلاروس”، داعيا إلى “رد مشترك” مع موسكو.
وأضاف ماكي إنه يأمل في “تعزيز العمل” مع روسيا، حليفة بلاده الرئيسية، خصوصا في صياغة “رد مشترك” على “الأعمال غير الودية” التي تستهدف بيلاروسيا.
من جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن مينسك وموسكو “عززتا تعاونهما بشكل فعال لمواجهة حملة ضد بيلاروسيا شنتها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون في المنظمات الدولية”.
مقاطعة أوروبية
وفي تصريح لوكالة ريا نوفوستي الإخبارية اليوم الخميس، قال ماكي إن الاتحاد الأوروبي رفض مناقشة الأزمة الجارية على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا. وأكد أن الاتحاد أوقف تمويل كافة مشاريعه في مينسك عام 2020 لتعزيز بنيته التحتية على الحدود وبناء أماكن استقبال للمهاجرين، ما أجبر مينسك على التوقف عن احترام اتفاق مع بروكسل لإعادة قبول المهاجرين الذين دخلوا الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني.
وقال ماكي “اقترحنا على الاتحاد الأوروبي إجراء مشاورات حول هذا الموضوع لكننا قوبلنا بالرفض. عرضنا مرارا بدء حوار حول هذه المسألة، لكننا لم نتلق ردا إيجابيا”. وأكد أن مينسك تؤيد تسوية هذه الأزمة “بأسرع ما يمكن”.
وزعم وزير الخارجية أن أزمة الهجرة الحالية جاءت نتيجة “السياسات المتهورة” لبروكسل، التي قال إنها “دعت اللاجئين وأعلنت أنها مستعدة لاستقبالهم”.
ويسعى مهاجرون منذ أشهر عبور الحدود بين البلدين، إلا أن الأزمة تفاقمت تحديدا يوم الإثنين الماضي، عقب محاولة المئات دخول بولندا.
المهاجرون أنشأوا مخيما عند الحدود حيث يقيمون في خيم ويشعلون النار للتدفئة بعدما نصب حرس الحدود البولنديون أسلاكا شائكة عند حدود بلادهم.
ونشرت بولندا 15 ألف جندي على طول الحدود لمؤازرة الشرطة وحرس الحدود.
وأغلقت السلطات البولندية الطرق المؤدية إلى الموقع أمام الصحافيين المستقلين، لكن في بلدة سوكولكا القريبة، أفاد مراسلو وكالة فرانس برس أنهم شاهدوا دورية توقف السيارات وتفتشها بحثا عن مهاجرين، ودوريات للجيش والشرطة تغادر البلدة.