كتاب توثيقي نشر في ألمانيا بجهود شخصية، ليرصد قصص نجاحات اللاجئين في ألمانيا بأسلوب جديد. أراد المؤلف تسليط الضوء على فئة واسعة من اللاجئين يرى أن الإعلام أهملها أو تجاهلها. فما ميزه هذا الكتاب، وماهي هذه القصص التي يضمها بين دفتيه؟
مشروع توثيقي جديد، لنجاحات مهاجرين يرصدها كتاب “نستطيع إنجاز المهمة”. الكتاب الذي يحتوي على عشرات القصص ويجمع بين صفحاته الـ2013 نجاحات وانجازات للاجئين السوريين في ألمانيا، يتناولها من زاوية جديد مثيرة للانتباه. فالباحث بركات عبيد الذي أشرف على تجميع هذه القصص وإخراجها بالشكل المناسب.
ويقول اللاجئ السوري بركات لموقع مهاجر نيوز “هذا الكتاب والذي استمد أسمه من عبارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل “wir schaffen das” والتي وجهتها أثناء الحديث عن استقبال ألمانيا للاجئين. لتصبح هذه العبارة شعار مشروع أدبي جديد، ليثبت أمام المجتمع الألماني نجاح فئات كبيرة من اللاجئين بالاندماج في المجتمع، وليكون هذا المشروع الأدبي ردا عمليا على عبارة المستشارة الألمانية”.
ويسلط الكتاب الضوء على فئات تجاهلتها أو أهملتها وسائل الإعلام، ويوضح عبيد “لم نبحث عن قصص ذات نجاحات خارقة، أو لأشخاص يتمتعون بالشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أردنا اتاحة المجال لنجاحات مختلفة أن تظهر إلى العلن”.
بدأت الفكرة تختمر في رأس اللاجئ السوري من أجل إنجاز هذا الكتاب، بعد موجة اللجوء الكبرى لألمانيا عام 2015، حيث أتت أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى بحثا عن الأمن وهروبا من الحرب في سوريا. هذا الانتقال بالرغم من صعوبته كما يقول عبيد، إلا أنه هيأ للاجئين ظروف النجاح في بلد يسوده القانون ولكل مجتهد نصيب. فكان على هؤلاء اللاجئين أن ينجحوا ويندمجوا في مجتمع لم يكن لأكثرهم أدنى فكرة عنه أو معرفة بلغته.
وبحسب الباحث السوري المنحدر من دير الزور فإن أهمية هذا المشروع التوثيقي تكمن في أنه يمثل شرائح واسعة من اللاجئين في ألمانيا، وأيضا يعطي دفعة أمل “للأناس العادين” ممن يقرأون الكتاب بأن يفخروا بإنجازاتهم، ويتحدثوا عنها بفخر أمام الآخرين. ومن أجل توثيق هذ الأمر، وتوفيره للمؤسسات والمراكز المهتمة في ألمانيا، جاء هذا الكتاب.
المتصفح للكتاب يجد أنه يجمع قصص نجاحات مختلفة، واستغرق إعداد الكتاب فرابة الخمسة أشهر، حيث تم التواصل مع أصحاب قصص النجاح عبر الإنترنت، ومن خلال الاتصال المباشر، حيث راعى الباحث التوزيع الجغرافي للاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا. وعلى الرغم من سخرية بعض الأصدقاء ومحاولتهم إحباطه، صمم عبيد على إكمال مشروعه وعلى نفقته.
التعلم لإعادة الإعمار
من ضمن قصص النجاح العديدة التي أوردها الكتاب كانت قصة الشاب ماهر دعبول، من مواليد عام 1990. دعبول القادم من دمشق والمقيم حاليا في مدينة هانوفر اضطر لقطع دراسته للهندسة في جامعة دمشق، والهروب من سوريا دون إكمال دراسته، وبسبب توتر الأوضاع وظروف الحرب سافر إلى تركيا، وعمل في مكتب هندسي هناك ليصرف على نفسه، قبل أن يصل إلى ألمانيا لاجئا. ويقول دعبول لموقع مهاجر نيوز”لشدة حبي للهندسة، حاولت المستحيل من أجل أن أدرسها في ألمانيا. كنت أشعر أن دمار الحرب في بلدي دافع من أجل أن أنهي تخصص الهندسة في مجال إعادة الإعمار، من أجل أن أتمكن من المشاركة في بناء بلدي من جديد، في حالة أتيحت لي الفرصة”. ويتابع “بالرغم من اللغة الجديدة وعدم احتساب الجامعة لسنوات دراستي في سوريا، أثبت تفوقي وقدراتي أمام الجامعة، لتعود وتعترف بجزء كبير من المواد التي درستها مسبقا، لأحصل على البكالوريوس والماجستير خلال 3 – 4 سنوات من التحاقي بالجامعة”. واختار دعبول ريف دمشق في مشروع تخرجه ليحصل على درجة عالية، ويثبت تفوقه، وهو ما ساعده على الحصول بسرعة على فرصة عمل في شركة هندسية كبرى في مدينة هانوفر.
ويقول دعبول إنه شعر بالفخر بعد أن أخبره بركات عبيد أنه اختار قصته لتكون ضمن مشروع كتابه الجديد، ويعتقد أن الإعلام يبحث أحيانا عن قصص ضخمة من أجل نشرها للحصول على متابعة كبيرة. إلا أن النجاح موجود بأشكال متعددة داخل المجتمع. ويقول “تجربة ألمانيا التي نهضت من ركام الحرب والدمار والمعارك، يجب أن تحفزنا من أجل أن ننهض ببلدنا وننجح من جديد
مثال المرأة الصلبة
بعكس المهندس ماهر دعبول، لا تعتقد اللاجئة السورية يسرى السيد القادمة من دمشق والمقيمة في بريمن أن الأعلام يتجاهل قصص النجاح العادية، بل إن الحظ يعلب دورا كبيرا في ذلك. العلاقة مع صحفيين أو إعلاميين أو حتى مقابلتهم بالصدفة، يفتح للمرء أبوابا كثيرة كما تقول لمهاجر نيوز. يسرى درست في دمشق الأدب الانكليزي، وساعدت في تأسيس جمعية لدار رعاية الأيتام. بيد أن اعتقالها من قبل النظام، أدى إلى هربها من سوريا.
هروب يسرى لم يكن سهلا، حيث فقدت ابنتها البالغة من العمر 18 عاما، بعد سقوطها من على متن القارب الذي كان يقلهم في عرض البحر، أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا. إلا أن الحظ كان حليف هذه العائلة وتم إنقاذ الإبنة من قبل قارب إنقاذ، ولتلتقي الأم وابنتها بعد رحلة طويلة مرة أخرى.
وبسبب تعرض عينها للإصابة من جراء الاعتقال، ورعايتها لطفل من ذوي الإعاقة، كان عليها الابتعاد عن الدراسة والسلك الأكاديمي كما تقول، فاختارت أن تؤسس مشروعها الخاص، والذي هو عبارة عن عربة لبيع الوجبات السريعة.
شغفها بالطبخ دفعها لتخطي الصعاب، وتقدم مأكولات شرقية على متن عربة مجهزة، ولتفتتح بعدها عربة أخرى، وتصبح مديرة مشروع ناجح، يوظف العديد من العاملين والعاملات.
في متن هذا الكتاب الذي صمم لأغراض بحثية وليست تجارية، أكثر من خمسين قصة مشوقة، لأناس قد نصادفهم يوميا في الشارع أو المقهى، قد يكونون جيرانا لنا، بيد أنهم كتبوا بالصبر والمثابرة والدموع قصص نجاحهم، التي تستحق أن تذكر وأن يفخروا بها.