بعد 12 عاما من الفراق، التقى المعارض السوري عمار حيدر، ابنته مروة في تركيا، ليحقق “حلما” عاشه في الوسط الافتراضي طوال سنوات عجاف.
دخل حيدر (58 عاما) سجون نظام بشار الأسد عام 2009، ومنذ ذلك التاريخ لم ير ابنته مروة؛ إلا بعد فترة فراق طويلة انتهت باللقاء أواخر الشهر الماضي في إسطنبول التركية.
ولد حيدر في محافظة حماة (وسط)، وعارض عائلة الأسد منذ ريعان شبابه جراء ممارساتها المناهضة للديمقراطية، وحُكم عليه بالسجن عدة مرات بعدما بدأ نشاطه السياسي أوائل ثمانينات القرن الماضي.
اعتقل المعارض السوري ودخل السجن عام 2009، حيث استمرت فترة اعتقاله عامين؛ ومع ذلك لم يكتف النظام بذلك، بل واصل معه التضييق على أسرته.
حيدر الذي كان يعمل في قطاع التعهدات، كان ميسور الحال وأحواله المادية جيدة، ومع مواصلة التضييق ضده، أرسل زوجته وابنته إلى الأردن.
أُفرج عن حيدر بعفو شمله بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد، ورغم إطلاق سراحه فضّل الانخراط في المعارضة وبدأ نضاله ضد النظام، بدلا من اللحاق بزوجته وابنته.
واصل نضاله ضد النظام حتى العام 2014، ثم اعتقل مرة أخرى وقضى في السجن مدة قصيرة، وفي العام الذي يليه وصل إلى تركيا، لعدم قبول الأردن اللجوء السياسي على أراضيه.
اضطرت ابنته مروة البالغة حاليا 28 عاما إلى الذهاب إلى الأردن مع والدتها عندما كانت تبلغ 16 عامًا وطالبة في الثانوية.
في الأردن، تخرجت مروة من الثانوية، وبدأت تعليمها الجامعي في إحدى الجامعات الخاصة في قسم التصميم الغرافيكي؛ إلا أنها اضطرت إلى تجميد تعليمها في السنة الثالثة لتردي الأوضاع المادية لوالدها.
واضطرت مروة للعمل في العديد من المجالات لإعالة والدتها وإدامة حياتهما، مع مواصلة رسوماتها الغرافيكية بين الحين والآخر.
وطوال هذه المدة، سعى الأب وابنته إلى اللقاء؛ إلا أن هذه المساعي كانت تبوء بالفشل، وبالتالي يزداد شوق وحنين الوالد لابنته، والبنت لوالدها.
وبعد جهود كبيرة ومساع طويلة، تكلل اللقاء المرتقب بالنجاح عقب 12 عاما، فتمكن الأب عمار حيدر من لقاء ابنته في إسطنبول حيث يقيم فيها.
وفي لقاء مع الأناضول، تحدث عمار حيدر عن تجربته السياسية، ومآسيه وحلمه بلقاء ابنته خلال الأعوام الماضية.
وقال إنه اعتقل عام 2009 لدى عودته إلى بلاده قادما من لبنان، حيث ألقى كلمة في ملتقى عن حقوق الإنسان في سوريا.
وأضاف حيدر “مكثت في المعتقل حتى 2011، وبعد خروجي في ذلك العام، كانت الحرب قد اندلعت، حيث أفرج عني في عفو عام أصدره الأسد وشملني هذا العفو”.
وبيّن حيدر أنه شارك الشعب السوري الثورة ضد نظام بشار الأسد، حيث اعتقل مجددا في 2014، قائلا: “أمضيت شهرا واحدا في المعتقل، وكان أصعب شهر يمر في حياتي، لقد دخلتُ العديد من السجون؛ إلا أن هذا الأخير كان الأسوأ”.
وتابع: “لقد عذبوني كثيرا، وكانوا يحتجزون 17 معتقلا في مساحة مترين مربعة، نأكل ونشرب ونقضي احتياجات الحمام في نفس المكان، خلال شهر كان يموت أمامي 3-4 معتقلين”.
وأكمل: “هؤلاء (السجانون) لم يكونوا بشرا عاديين، حتى أن النظام لم يكن بمقدوره فرض كامل سيطرته عليهم، لقد كانوا عديمي الرحمة ومجردين من الإنسانية”.
وأوضح أنه بعد شهر من الاعتقال في هذه الظروف السيئة، تدهورت صحته وتراجعت عافيته، وخرج من السجن بأعجوبة، مبينا أنه بعد الإفراج عنه انتقل من بلاده إلى لبنان، على أمل أن يكمل النضال ضد النظام.
واستدرك: “إلا أن الظروف كانت سيئة جدا في لبنان، سيما وأن (أفراد ومؤيدي) حزب الله اللبناني – المؤيد لنظام بشار الأسد – كانوا يعترضون السوريين ويؤذونهم، لقد شاهدت الكثير من التمييز والضغوط، ولم أستطع البقاء في لبنان سوى عاما واحدا”.
ولفت إلى أنه انتقل من لبنان إلى تركيا لاحقا، وحاول مرات عديدة إلى الهجرة (بطريقة غير نظامية) إلى دول أوروبية، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، بعدما أعادته القوات اليونانية إلى المجال الإقليمي التركي في كل محاولة.
وذكر حيدر أنه لم يلتق زوجته وابنته على مدى 12 عاما، أي منذ دخوله السجن في 2009 وحتى آخر لقاء مع ابنته في إسطنبول في الشهر الماضي.
وعن حكاية فراقه، وأمل اللقاء طوال هذه السنوات، قال حيدر “لم أستطع التواصل مع أسرتي مدة طويلة بعد دخولي السجن، بعدها تمكنت من التواصل معهم وطلبت منهم السفر إلى الأردن، حيث كانت أسرتي تتعرض لضغوط النظام، وكانوا يعانون من ضغط نفسي كبير، أي أننا لم نلتق إلا عبر الهاتف”.
وزاد: “طوال 12 عاما وهذا اللقاء كان يتشكل في مخيلتي، عشت اللقاء افتراضيا قبل الواقع لأنه كان حلما، وأنا أزعم أني شخص يحقق حلمه إن أصر عليه”.
وأردف: “كنت أعيش يوم اللقاء مع ابنتي يوميا، كنت أسأل نفسي قبل خلودي إلى النوم هل سترى ابنتك؟ وأجاوب نفسي بأمل: نعم ستلتقيها”.
وشدد حيدر على أنه لدى لقاء ابنته في مطار إسطنبول غمرته سعادة فائقة، لا يمكن وصفها بالكلمات، سعادة أنهت اشتياقا دام 12 عاما، على حد قوله.
ولفت إلى أنه التقى ابنته بعدما حصلت على تأشيرة دخول إلى تركيا، وذلك بفضل إرسال أحد أصدقائه السوريين الحاصلين على الجنسية التركية، دعوة إلى مروة لزيارة تركيا.
وأعرب عن أمله في قبول السلطات التركية طلب حصول ابنته على إقامة في تركيا، قائلا: “لتقدم سني وعائق حالتي الصحية لا أستطيع إيجاد عمل، وأريد أن تبقى أسرتي معي، خاصة بعد أن أنفقت كل ما معي في سبيل الوصول إلى أوروبا”.
من جانبها قالت الابنة مروة، إنها كانت مشتاقة لوالدها، وتحدثت عن صعوبة الإقامة في بلد أجنبي بدون والد، وأن عزاءها الوحيد كان في أمل لقائه مجددا.
وأضافت أنها عاشت طوال 12 عاما حلم لقاء والدها، وأنها كانت تشعر بالغبطة والحزن معا، لدى مصادفتها عناق الآباء مع أبنائهم في الشارع.
وتابعت “طوال هذه السنوات، تحدثنا عبر الهاتف وعبر مكالمات الفيديو من وقت لآخر، كان هناك دائما أمل اللقاء الذي لم يكن يأتي بأي طريقة من الطرق”.
وعن اللقاء الأول في المطار، قالت مروة إنها عانقت والدها بشدة، وكانت تقول له أثناء العناق “دعني أرى وجهك كي أطمئن قلبي بأنه هذا أنت والدي”.
وفي ختام اللقاء مع أسرة حيدر، ناشدت مروة السلطات التركية منحها إقامة في تركيا، لأنها غير راغبة في العودة إلى الأردن.