زيادة بمقدار ستة أضعاف في عدد الأشخاص الذين يعانون من ظروف تشبه المجاعة منذ بدء الجائحة
يموت 11 شخصًا في الدقيقة بسبب الجوع على الأرجح، وهو عدد يتجاوز الآن عدد الوفيات بسبب كورونا، تحذر منظمة أوكسفام
يقول تقرير جديد أصدرته منظمة أوكسفام اليوم إنّ حوالي 11 شخصًا يموتون كل دقيقة بسبب الجوع وسوء التغذية على الأرجح، وهو عدد يتجاوز العدد الحالي للوفيات بسبب كورونا وهو ما يقرب من سبعة أشخاص في الدقيقة الواحدة.
وبحسب ما ورد في تقرير”فيروس الجوع في تكاثر” (رابط التقرير بالعربية هنا،) لا يزال النزاع هو السبب الرئيس للجوع منذ تفشي الجائحة، ما دفع بأكثر من نصف مليون شخص إلى ظروف شبيهة بالمجاعة – وبزيادة أكثر من ستة أضعاف منذ عام 2020.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث دفعت آثار فيروس كورونا 45 مليون شخص إلى الفقر، بينما تستمر عدة صراعات في الاشتعال، تعد سوريا واليمن من أسوأ الدول بمعدلات الجوع في العالم.
الجدير بالذكر أن عدد قليل من البلدان قد تضررت من الجوع مثلما سوريا، وذلك في العام المنصرم. حيث وجدت منظمة أوكسفام أن سوريا كانت أزمة الجوع الأسرع نمواً في العالم، إذ ارتفعت معدلات الجوع بنسبة 88٪ ، فيما ثلاثة من كل خمسة سوريين – اي 12.4 مليون شخص – يواجهون حالات من الجوع الحاد في الوقت الحالي.
اليمن هو ثاني أكبر أزمة غذاء في العالم. تسبب الحصار والصراع في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة تزيد عن 100٪ منذ العام 2016. فيما انه من المتوقع أن يواجه أكثر من 16 مليون شخص في اليمن أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي هذا العام .
بشكل عام، يعيش الآن 155 مليون شخص حول العالم في حالة انعدام الأمن الغذائي عند مستوى الأزمة أو أشدّ – أي بزيادة نحو 20 مليون شخص عن العام الماضي. ويعاني حوالي ثلثا هؤلاء الاشخاص من الجوع في المقام الأوّل جراء الحروب والنزاعات الدائرة في بلدانهم.
كما يصف التقرير الأثر الهائل للصدمات الاقتصادية، التي تفاقمت بشكل خاص جراء جائحة كورونا وأزمة المناخ، ما دفع عشرات الملايين من الناس إلى الوقوع في براثن الجوع. وقد أدّت البطالة الجماعية والاضطرابات الشديدة في إنتاج الاغذية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية بنسبة 40%، وهو أعلى ارتفاع لها منذ أكثر من عقد من الزمان.
بحسب غابرييلا بوشيه المديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام،
“اليوم، دفع استمرار النزاع، علاوة على التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وأزمة المناخ المتفاقمة، بأكثر من 520 ألف شخص إلى حافة المجاعة. وبدلًا من التصدّي للجائحة، حاربت الأطراف المتنازعة بعضها بعضًا، موجهةً في ذلك ضربة قاضية إلى ملايين البشر المنهكين أصلًا بفعل كوارث المناخ والصدمات الاقتصادية”.
وعلى الرغم من تفشي الجائحة، إرتفع الانفاق العسكري العالمي بمقدار 51 مليار دولار – وهو ما يكفي لتغطية ستة أضعاف ونصف ما تقول الأمم المتحدة إنها بحاجة إليه لوقف الجوع. وفي الوقت نفسه، أدّى النزاع والعنف إلى أكبر نزوح داخلي على الاطلاق، ما أرغم 48 مليون شخص على الفرار من ديارهم في نهاية عام 2020.
وبحسب التقرير، “تواصل الاطراف المتحاربة استخدام التجويع كسلاح حرب، من خلال حرمان المدنيين من الغذاء والماء وإعاقة المساعدات الانسانية. ولا يمكن أن يعيش الناس بأمان أو أن يجدوا حاجتهم من الغذاء حين تُقصَف أسواقهم أو تضرم النيران في محاصيلهم أو تقتل مواشيهم”.
بهجة سيدة يمنية من محافظة حجّة، وهي أم لثمانية أطفال، اضطرت إلى النزوح عدّة مرّات بسبب الحرب. قالت بهجة لمنظمة أوكسفام، “زوجي طاعن في السن ولا يستطيع العمل، وأنا مريضة. لم يكن أمامنا خيار سوى إرسال أطفالنا ليتسوّلوا بعض الطعام أو ليجمعوا بقايا الأكل من المطاعم. وحتى الطعام الذي استطاعوا جمعه لم يكن كافيًا”.
وقالت بوشيه: “لقد كشفت الجائحة أيضًا عن اللامساواة العميقة في عالمنا. فقد ارتفعت ثروة أغنى عشرة أشخاص بالعالم – تسعة منهم من الرجال – بمقدار 413 مليار دولار في العام الماضي. ويفوق ذلك بـ11 ضعفًا الحاجة المعلنة للأمم المتحدة كي تموّل بالكامل مساعداتها الانسانية العالمية”.
ولا تزال بعض أسوأ بقع الجوع الساخنة في العالم، بما في ذلك أفغانستان وإثيوبيا وجنوب السودان وسوريا واليمن، يقسمها النزاع، وقد شهدت ارتفاعًا في الجوع عند مستوى الشدّة منذ العام الماضي.
ويعاني حوالي 400 ألف شخص في منطقة تيغراي الإثيوبية من ظروف شبيهة بالمجاعة وفق تحليل أجراه التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي مؤخرًا – وهو أكبر عدد جرى تسجيله منذ مجاعة الصومال في عام 2011، حين توفي ربع مليون صومالي. ومن المتوقع أن يواجه أكثر من نصف سكان اليمن مستويات من انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ من ذلك هذا العام.
كما اشتدت حدّة الجوع في بؤر الجوع الناشئة – في البلدان المتوسطة الدخل مثل الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل – التي شهدت أيضًا بعض أشدّ الارتفاعات في حالات العدوى بفيروس كورونا. ومن الامثلة التي أوردها التقرير عن بقع الجوع الساخنة ما يلي:
- البرازيل: أجبرت تدابير الحدّ من انتشار فيروس كورونا الشركات الصغيرة على الإغلاق فيما فقد أكثر من نصف البرازيليين العاملين وظائفهم. وتضاعف الفقر المدقع ثلاث مرات تقريبًا، من 4.5% إلى 12.8%، ليدفع بنحو 20 مليون شخص إلى براثن الجوع. ولم تتمكن الحكومة الاتحادية من توفير الدعم إلا الى 38 مليون أسرة محتاجة فقط، تاركة الملايين من دون حدّ أدنى للدخل.
- الهند: دمّرت العدوى المتصاعدة بفيروس كورونا الصحة العامة والدخل، ولا سيما بالنسبة للعمال والمزارعين المهاجرين، الذين أجبروا على ترك محاصيلهم لتتعفن في الحقول. وقال أكثر من 70% من الأشخاص الذين شملهم الاستبيان في 12 ولاية إنهم قد خفضوا نظامهم الغذائي بسبب عدم قدرتهم على سداد ثمن الطعام. كما حرم إغلاق المدارس 120 مليون طفل من الحصول على وجبتهم الرئيسية.
- اليمن: أدّت حالات الحصار والنزاع وأزمة الوقود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية إلى أكثر من الضعف منذ عام 2016. وانخفضت المساعدات الانسانية إلى النصف، ما أدّى إلى تقليص استجابة الوكالات الانسانية وخفض المساعدات الغذائية المقدمة إلى 5 ملايين شخص. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من ظروف شبيهة بالمجاعة ثلاث مرّات تقريبًا ليصل إلى 47 ألف شخص بحلول تموز/يوليو 2021.
- الساحل: شهدت البلدان الأكثر عرضة للتمزيق بسبب النزاع، مثل بوركينا فاسو، زيادة في الجوع بنسبة تزيد عن 200% – من 687 ألف إلى 2.1 مليون شخص. وأجبر تفاقم العنف في وسط منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد 5.3 مليون شخص على النزوح كما أوصل التضخم الغذائي إلى أعلى مستوى له خلال خمس سنوات. وأدّت أزمة المناخ إلى تفاقم الوضع، فقد زادت الفيضانات بنسبة 180% منذ عام 2015، ما أدّى إلى تدمير المحاصيل وضرب مداخيل 1.7 مليون شخص.
- جنوب السودان: بعد مرور عشر سنوات على استقلالها ، يواجه أكثر من 100 ألف شخص الآن ظروفًا شبيهة بالمجاعة في جنوب السودان. وقد أدّى استمرار العنف وزيادة الفيضانات إلى تعطيل الزراعة في السنة الماضية كما أجبر 4.2 مليون شخص على الفرار من ديارهم. وقد جرى حتى الآن تمويل أقلّ من 20% من النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة لجنوب السودان بقيمة 1.68 مليار دولار.
أضطُرَت مولو غيبري، البالغة 26 عامًا، إلى الفرار من مسقط رأسها في تيغري، إثيوبيا وهي حامل في شهرها التاسع، وقد قالت لمنظمة أوكسفام: “جئت إلى ميكيلي لأنني سمعت أن الطعام والحليب يقدمان هنا للرُضّع. حين وصلت، لم أتمكن من العثور على الطعام حتى لنفسي. أحتاج إلى الطعام لا سيما لطفلي، الذي لا يبلغ من العمر الآن سوى أربعة أشهر – وقد وُلد ناقص الوزن أصلًا”.
وأضافت بوشيه: “إنّ العمال غير النظاميين والنساء والنازحين وغيرهم من الفئات المهمّشة هم الأكثر تضررًا من النزاع والجوع. وتتأثر النساء والفتيات بشكل خاص، وغالبًا ما يكنّ آخر من يتناولن الطعام وبأقلّ كميات متاحة. كما يواجهن خيارات مستحيلة، مثل اضطرارهن إلى الاختيار بين الذهاب إلى السوق والمخاطرة بالتعرّض للاعتداء الجسدي أو الجنسي، أو مشاهدة أسرهن وهي تتضوّر جوعًا”.
“على الحكومات أن تمنع استمرار النزاع في مفاقمة الجوع عند مستوى الكارثة وأن تضمن بدلًا من ذلك وصول وكالات الاغاثة إلى المحتاجين. كما يجب على الحكومات المانحة أن تموّل فورًا وبالكامل النداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة للمساعدة في إنقاذ الأرواح الآن. ويجب على أعضاء مجلس الأمن أيضًا أن يحاسبوا جميع الذين يستخدمون التجويع كسلاح حرب”.
“ولمنع الوفيات غير الضرورية ودفع ملايين آخرين إلى براثن الفقر المدقع والجوع، يجب على الحكومات أن توقف مرض كورونا القاتل؛ ولم يسبق أن كان لقاح للجميع أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. كما يجب عليها في الوقت نفسه بناء نظم غذائية أكثر عدلًا واستدامة ودعم برامج الحماية الاجتماعية”.
ومنذ بدء الجائحة، وصلت منظمة أوكسفام إلى ما يقرب من 15 مليون شخص من أشدّ الناس ضعفًا في العالم من خلال الغذاء والمساعدة النقدية والماء النظيف، فضلًا عن مشاريع دعم المزارعين. كما نعمل مع أكثر من 694 شريكًا في 68 بلدًا.
وتهدف منظمة أوكسفام إلى الوصول إلى ملايين الأشخاص خلال الأشهر المقبلة، وتسعى على وجه السرعة للحصول على تمويل لدعم برامجها في جميع أنحاء العالم.