لم التق يوما بحافظ الأسد ..التقيت بزوجته أنيسة مخلوف عام 1987 بإطار رسمي مثبت بتقرير نشر في بدايات عملي الصحفي، في صحافة بيروت ..وتعرفت خلال هذا اللقاء على مدير المكتب الصحفي في رئاسة الجمهورية آنذاك جبران كورية ..
الذي استقبلني استقبالا خاصاً بالرغم من صغر سني آنذاك، له طابع من الاحترام، المختلف تماما عما شهدته في حينه من تعامل قاس وجاف مع الصحفيين والمصورين من وكالة الانباء السورية..(سانا)…
ربما لمعرفته المسبقة بتاريخ عائلتي في الصحافة السورية، بكونه صحافي قديم من جيل الخمسينات.
ولست معنيا ً اليوم بتفاصيل هذا اللقاء الذي سأدعه يوما ما للنشر في التوقيت المناسب عندما تكتمل مذكراتي ..
أقول لم أعرف حافظ الأسد ..شخصيا ولكنني عرفت مبكرا عددا من كبار الشخصيات السياسية والعسكرية الذين عرفوا حافظ الأسد مبكرا ..بعضهم لازال حيا إلى اليوم ..عرفوه في الكلية الحربية في حمص، قبل انتقاله إلى سلاح الجو ..
وعرفت بعض من صادقه من الصف الأول في الحزب عندما سطع نجمه، وبدأ ألاعيبه السياسية الأولى مع أقرانه ومتقدميه العسكريين (محمد عمران ولؤي الأتاسي وعبد الكريم الجندي، ثم صديقه صلاح جديد والذي سجنه الأسد حتى خرج مصابا بالسرطان وتوفي خلال أيام من الإفراج عنه .. وغيرهم) . والمدنيين في مقدمتهم ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأكثرهم، ألاعيبا وانتهازية .. أكرم الحوراني ..
صفعه جمعة .. وصرخ فيه أمام دهشة الحضور: ( جاسوس .. وتتوعدنا )
أجمع كثير من هؤلاء الأصدقاء، بالأخص العسكريين منهم في بدايات معرفته، أن حافظ الأسد كان عسكريا انطوائيا متوسط الذكاء .. منعزلا .. يفضل الجلوس لوحده، قليل الكلام .. لسبب يتعلق بطبيعة نطقه، مع معاناته من مشكلة خلقية في اللسان، كأن يبدو حديثه غير مفهوم .. مع لكنته المغرقة في المحلية القروية التي وفد منها ..لذلك كان يجلس صامتا أغلب الاحيان مصغيا إلى أحاديث الطلبة العسكريين من أقرانه خلال سنوات دراسته في الكلية الحربية..
ويرجح هؤلاء أنه خضع إلى عملية جراحية في ستينات القرن الماضي، في موسكو لتحسين نطقه.
وهذه المسألة غير المعروفة عن حافظ الأسد أكدها لي مهندس صوت وموسيقي معروف .. عندما ذكر لي أنه كان يتم جلبه خصيصا لتعديل أجهزة الصوت، لتحسين صوت الأسد خلال خطبه الطويلة والمذاعة على الهواء في المناسبات الكثيرة التي كان يظهر بها على الملأ، في حقبة السبعينات والثمانينات ..
حتى توقف في العقد الأخير توقفا شبه تام .. عن الخطابة .. والخطب الطويلة .. خصوصا بعد مقتل إبنه باسل في حادث سيارة على طريق مطار دمشق.. والذي أدخله من حينه، بحالة من الحزن العميق، تطور الى حالة متقدمة من الذهان ..
وبدأت معالم الهرم المبكر والشيخوخة تتسارع بالظهور على قسماته قبل مقتل إبنه، مع هجمات المرض الخبيث تاليا (لوكيميا الدم) والذي لم يمهله مع سرطانات اخرى يحتمل ان تكون في البروستاتا ، حتى العاشر من حزيران عام 2000 .
ما أذكره تماما، خلال أواسط عقد التسعينات ..عندما سألت أحد زعامات الاحزاب من اصدقائه التاريخيين المقربين، عن آخر مرة التقى فيها حافظ الأسد منفردا .. أجاب، ويشهد الله أنه أجاب بحركة عصبية من يده وملامح وجهه الغاضبة بأكثر مما أجاب نطقا، عندما قال لي: ( بأنه بقي خلال السنوات الماضية يطلب لقاء حافظ الأسد .. دون جدوى).. وأضاف أنه الأسد لا يلتقي أحدا باستثناء الرؤساء ووزراء الخارجية العرب والأجانب ..و
كان هذا معروفا للغالبية الساحقة من الناس …
ولكن من غير المعروف أن حافظ الأسد بعد تخرجه فاز بإحدى بطولات الألعاب الجوية البهلوانية التي كانت تقيمها الكلية الحربية لسلاح الجو، عام 1955..
ولكن بعد عدة أعوام سقطت طائرته الحربية لعطل ألمّ بها ..أو لخطأ ارتكبه الأسد ذاته، وأصيب إصابة طفيفة في فقرات ظهره، إذ تم إخفاء التاريخ الحقيقي من وثائق وزارة الدفاع وسلاح الجو والتقارير الاستخباراتية التي تُخضِع الطياريين عادة للمراقبة الدقيقة والمتابعة.
أحد زعامات حزب البعث المقربين من حافظ الأسد ، والذي اشترك في انقلابات البعثيين على بعضهم البعض (توفي اغتيالا عام 1993) أسَرَّ اليَّ في حديث خاص، أن الفرقاء البعثيين المتنافسين على السلطة بأجمعهم، كان يتصلون بحسب علمه بالسفارات الاجنبية والغربية تحديدا .. في باريس لندن وواشنطن .. أما صلاح جديد، كان الوحيد الذي يتصل بموسكو ..
وبعضهم كان يتصل سرا بالقاهرة ليبلغهم بحركة البعض على بعضهم الآخر ..ولكن الانقلابات في سورية، كانت دائما شأنا لازما ومتعلقا بوزارة المستعمرات البريطانية، التي رتبت قادة الشرق الأوسط ومعالمه الحالية منذ الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم ..كذلك كانت زيارة الأسد بحجة العلاج إلى لندن في العام 1965 وهو برتبة لواء وقائد سلاح الجو، بحسب وثائق الخارجية البريطانية .. ولقائه اللورد تومسون وزير المستعمرات البريطاني، والتي أثارت بدورها سلسلة من التكهنات من رفاقه البعثيين وحقق معه بعد عودته من لندن في قاعدة الضمير الجوية، المقدم بدر جمعة بصفته رئيس الاستخبارات العسكرية ..
وعندما هاج الأسد لأسلوب جمعة الاستفزازي ..صفعه بدر جمعة على وجهه، عندما هدد الأسد باستخدام سلاح الجو في قصف مقر قيادة الحزب بدمشق .. وصرخ جمعة فيه أمام دهشة الحضور : ( جاسوس .. وتتوعدنا ).