في حال لجوء الدول المضيفة لطالبي الحماية لإعادة و ترحيل ممن استقبلتهم يستوجب على عملها و تصرفها توافر عدة شروط و دون انتقاص
كإنسان أولاً و كمواطن سوري دُمرت بلاده و مورس ضد شعبه أبشع أنواع الانتهاكات ضد حقوق الإنسان ثانياً ، أثمن و أشكر الشعب الدنماركي الذي استقبل و احتضن عدا من اللاجئين السوريين و طالبي الحماية ممن هربوا عنوةً من هول الحرب المستعرة ظلماً في بلدهم و من الكثير من التهديدات و الانتهاكات الحاصلة ضدهم .
إن توجّه و سياسات الأحزاب اليمينية و الشعبوية الدنماركية جلبت و ستجلب سخطاً أوربياً و دولياً على صعيد الشعوب و المنظمات الدولية و منظمات المجتمع المدني ، حيث شكلت تصريحات أعضائها و مسؤوليها الصدمة للجميع كونها ترسم سياسات لا تلتزم بالمعايير الأخلاقية و القانونية و فيها تعدٍ على روح و مضمون و الغاية التي شُرعت فيها القوانين و الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المدنيين القادمين من مناطق الصراعات المسلحة ، و خصوصاً القانون الإنساني الدولي و إتفاقية اللاجئين الدولية لعام ١٩٥١ و البروتوكولات الإضافية لها .
ما زالت سورية و وفق تقييم منظمة الأمم المتحدة و الهيئات الدولية المعنية تُصنفها بلداً غير آمن و بكل جغرافيتها ، و في حال لجوء الدول المضيفة لطالبي الحماية لإعادة و ترحيل ممن استقبلتهم يستوجب على عملها و تصرفها توافر عدة شروط و دون انتقاص :
* العودة في أمان:
أي يجب توفر السلامة الشخصية و عدم التمييز و عدم الخوف من الاضطهاد و التعدي أو تلقي العقاب عند العودة ، و كذلك الأمر توفر الأمن الجسدي أي الحماية من الهجمات المسلحة ، و كذلك الأمن المادي أي الوصول إلى الأرض و سبل العيش الكريم .
* العودة بكرامة :
أي عدم ممارسة الضغوط على طالبي الحماية أو التعامل بخشونة و قسوة نفسية أو معنوية و أن يتمكنوا من العودة برضاهم ودون قيد أو شرط و كما يعاملون باحترام و قبول من جانب سلطاتهم الوطنية ، بما في ذلك الاستعادة الكاملة لحقوقهم .
إن دول الإتحاد الأوربي تلتزم بتشريعات و سياسات مجلس الإتحاد الاوروبي بما يخص السياسة الخارجية و الدولية و فيما يخص استقبال طالبي اللجوء و كما يتصل التزامها بالاتفاقيات الدولية و مبادئ حقوق الإنسان ، و قد منحت كل دولة حق تقدير قضية كل طالب لجوء على حدى و وفق ما ينسجم مع قانونها الوطني ، أما في الحالة الدنماركية و في قضية المئات من السوريين القابعين تحت رزح الضغوط النفسية و المعنوية المؤلمة بقصد ترحيلهم إلى وطنهم و بالأحرى العودة إلى مصير مجهول و بعد وضعهم بمخيمات للترحيل مؤقتاً ، هذا التصرف يعد جنوحاً عن السياسة الخارجية لدول الاتحاد التي الأوربي و خرقاً واضحاً للمعايير الدولية الإنسانية منها و الأخلاقية أيضاً ، و التي التزمت بها دول الإتحاد .
إن التوجه الأخير للسياسة الخارجية لدول الإتحاد هو عدم التعامل أو التعاون مع الحكومة و السلطة الحاكمة في دمشق كونها لم تلتزم بتنفيذ القرارات الدولية وصولاً للحل السياسي وفق القرار الدولي رقم ٢٢٥٤ و مبادئ جنيف لعام ٢٠١٢ .
كمراقبين ، نتفهم اللعبة السياسية الداخلية للأحزاب اليمينية و الشعبوية بالدنمارك و في سباقها على كسب الأصوات و الوصول للسلطة و هذا حقها ، إلا أن استثمار قضية إنسانية و أخلاقية كقضية طالبي الحماية من السوريين ، هو خداع للناخب و تشويه للحقائق و الأهم هو عمل لا أخلاقي بالدرجة الأولى .
عدة مئات من السوريين لن يشكلوا عبئاً على الدولة الدنماركية و لن يشكلوا تهديداً لبنية المجتمع ، بل أن سياسة الأحزاب اليمينية نحو سياسة (( صفر من اللاجئيين )) هو تهرب من الالتزامات القانونية و التي وقعتها الحكومة الدنماركية على الاتفاقيات و المعاهدات الدولية .
من ناحية قانونية ، أحترم حق الدولة المضيفة بتقدير نوع الحماية التي يجب أن تمنح للضيف و طالب الحماية ، و لكن هناك أيضاً معايير دولية يجب الالتزام بها و الكف عن التلاعب بقضية هؤلاء السوريين و خصوصاً أن غالبهم عرضة للاضطهاد و التوقيف من السلطة الحاكمة و التي لن ترحمهم و وتعاقبهم فور وصولهم غير آبهةً بأبسط حقوق الإنسان .
و بأبسط الاحتمالات ستهدر كرامتهم و تمنعهم من العيش الكريم كما هو حال أغلب المستضعفين ممن يعيشون في مناطق سيطرة الحكومة و كذلك ممن يرزحون تحت سيطرة الفصائل و الميليشيات المسلحة ، حيث مصير كل المواطنين يكون بيدي سلطات الأمر الواقع .
أي قرار نهائي تتخذه مستقبلاً الحكومة الدنماركية ، يجب أن يؤسس وفق القانون الدولي أولاً و لكن يجب بناءه على معيار إنساني و أخلاقي و عقلاني ثانياً ، و إلى جانب مراعاته المصلحة الوطنية للدولة الدنماركية يجب أن لا ينسلخ قرارها عن السياسة العليا التي تبنتها دول الاتحاد الاوروبي احتراماً للاتفاقيات و المعاهدات الدولية ذات الصلة .