يمكن تغليف كل دعارة او لصوصية أو حكم غير شرعي بغلاف ديني من بعض الكهنة المأجورين والمنتفعين وطلاب المناصب ..
لذلك تعمد النظام الأمني القمعي لحكم الأسدين خلال خطة ممنهجة باستغلال أقصى طفح ممكن للجردل بإغراق الناس في مظاهر التدين .. وقشور الطلاء الديني الفاسد، جنبا الى جنب مع تفشي كل معاملات الرشوة والاتاوة وتخريب التراث والاعتداء على القانون الأخلاقي المجتمعي العريق للشعب السوري، مع تحطيم القانون الوضعي الناظم والمؤسس لتطور الدول، والسعي الحثيث لتقبل الناس للقيم الجديدة التي فرضتها شعارات الكذب والنفاق، بوجهيها السياسي والديني ..
لذلك كان تنظيم التجمعات الدينية النسائية والجهادية تتم في مطابخ المخابرات السورية بتعليمات وتعاون وثيق مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية والألمانية ثم الروسية والإيرانية ( متطوعون فاشيست من بقايا الحروب الباردة ) التي رسمت بعض الخطط بتكوين خلايا جهادية ممولة ومرتبطة بالتنظيمات السلفية .. أو مؤسسة لها ..
وجدت في جحافل من الجهلة والمتدينين الأغبياء خامة ممتازة لإشغال العالم بقضية الإرهاب ( بعد انتهاء الاستثمار السابق بالتنظيمات الفلسطينية مع توقيع اتفاقيات السلام سرا وعلنا مع الدولة العبرية ) ..
والاستثمار الملائم عند التهديد الخطير لأركان الحكم الأسدي الذي أثرى التخلف بطبقات سميكة من الإدعاءات الشعاراتية الفارغة والتي بحاجة الى زمن مديد للخلاص من نتائجها الكارثية .. (قضية الهجوم على السفارة الدنماركية 2004 من أسراب من المتشددين الدينيين ومحاولة إحباط تفجير السفارة الامريكية بدمشق2006)
محال سقوط هذا النظام لأنه نسج علاقاته العميقة المتشابكة مع المنظومة الدولية بحيث أصبح من المتعذر الاستغناء عن ورثة النظام الأمني القمعي مالم يتم إسقاط المنظومة بأسرها.
مصطفى طلاس
ويشهد أحد رموز حكم حافظ الاسد بعد 2011 (مصطفى طلاس) لأحد ابنائه بالقول: “محال سقوط هذا النظام لأنه نسج علاقاته العميقة المتشابكة مع المنظومة الدولية بحيث أصبح من المتعذر الاستغناء عن ورثة النظام الأمني القمعي مالم يتم إسقاط المنظومة بأسرها” .
.. حتى لو استُبدِل الشعب السوري، أو نفق كاملا، كما ينفق قطعان من الأبقار غير الصالحة للاستهلاك، او كما لو كانوا أسراب من الحشرات، بالبخ الكيميائي بالبيف باف .. أو بالمجاعة الرهيبة القائمة اليوم على رغيف الخبز …
إنها شهادة عن حكم الجواسيس .. من قلب المنظومة الحاكمة طوال نصف قرن ..
مثال سريع .. أقربه لأذهان البعض .. نخبة من الأمثلة التي مررت على ايرادها في نصوص سابقة، كإثبات لايحصره الشك … عن مدى انحطاط حكم الجواسيس طوال نصف قرن في سورية من وثائق التعليم العالي والجامعة السورية :
في عام 1903 أسست الحكومة العثمانية في دمشق ما أطلق عليه (المكتب الطبي) والذي كان نواة مصغرة للجامعة السورية بما يقدمه من علوم تخصصية يمكن أن يمارس خريجوها الطب بترخيص رسمي .. بعد جائحة (الريح الاصفر ) التي اجتاحت الشام في العامين 1902 /1903.
وليصار إلى دمج هذا المكتب مع مدرسة الحقوق عام 1913 لتكون الجامعة السورية واحدة من أعرق الجامعات العربية في المنطقة والعالم بعد تأسيس الجامعة الامريكية في بيروت 1866.
إلى أن تأسست الجامعة السورية رسميا بفروعها المعهودة ( الطب البشري والاسنان والصيدلة والقبالة والحقوق ) في العام 1919.
وقد ناف عدد خريجوها عن 1500 مجاز في العام 1924 خلال بداية سنوات الانتداب الفرنسي .
هذه الجامعة التي ترأسها الطيب الذكر العلامة رضا سعيد وانتقلت فيما بعد إلى إدارة الدكتور حسني سبح ومن ثم العلامة العروبي قسطنطين زريق ولا انتهاء بالدكتور احمد السمان ..
ودَرّسَ فيها بعض أشهر علماء العصر بمختلف الاختصاصات .. وصلت إلى الحدود العالمية، وبقيت محافظة على المستوى العلمي والقيمي والبحثي عقود طويلة حتى الاستقلال والحكومات الوطنية المتعاقبة في نهاية الأربعينات والخمسينات .. حتى كادت أن تحوز المنافسة العلمية بين جامعة بغداد ودمشق والقاهرة على مراتب متقدمة عالميا خلال الحكمين الملكيين في القاهرة وبغداد وقبل تسربل البعث إلى سدة الحكم عام 1963 وانهيار المنظومة التعليمية العالية بعد تسلم حافظ الأسد وتسليمه مكتب التعليم إلى شقيقه الأمي رفعت الاسد ومن ثم وريثه الغبي وزوجته اللص واقربائها .
وكمثال إثبات على ما أقول عن حكم الجواسيس ..
عندما تصبح الجامعة السورية مآلا للفساد وبيع الأسئلة الامتحانية والابتزاز الجنسي للطالبات وتشكيل عصابات دعارة وترويج المخدرات، وتخريج الأطباء والممرضات القتلة والمجرمين، وبيع مسابقات التوظيف بمبالغ وصلت إلى المليون ونصف رشوة كي يقبض الموظف راتبا دائما بدخل شهري يصل إلى خمسين الف ليرة سورية .. فوق كل ذلك يأتي ترتيب الجامعة السورية العريقة في سلم الانحطاط العلمي .. في مؤخرة جامعات العالم التي لاتعترف بشهاداتها مؤسسات التصنيف الأكاديمي العلمي الدولي..
لابد أن تكون هذه الإشارة كافية لوحدها كشاهد إثبات على حكم الجواسيس …!!
مثال ثان ..بدأت أزمة الكهرباء في سورية عام 1983 .. كما أذكرها تماما .. إذ كنت في سنتي الدراسية لشهادة البكالوريا ..
وتم الترويج حينها أن تركيا قد قامت بإنشاء سد أتاتورك الذي خفض المخزون المائي في بحيرة سد الفرات مما أوقف عنفات التوليد المائي للكهرباء عن نصف سورية الشمالي .. مع ان اسبابا أخرى غامضة كانت وراء هذا التقنين الذي استمر لسنوات قادمة طوال حقبة الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، مخلفا وراءه دمارا اقتصاديا شاملا للتصنيع العام والخاص،
شمل كافة مناحي الحياة اضافة إلى الأضرار الهائلة على الأجهزة الكهربائية التي شملت كل بيت في سورية متسببة بخسائر إضافية غير منظورة قدرت بالمليارات ..
من مهام حافظ الاسد الخطيرة في سورية هو إعادة سورية والسوريين إلى العصر الحجري
مسؤول سوري كبير سابق
في العام 1985 .. التقيت بأحد الشخصيات الوزارية السورية الذي تقلب بالمناصب الرفيعة في مطلع عهد البعث، وكان له شأن فيما مضى من أيام، بما فيها دوره بإنشاء سد الفرات، وعرف دواخل نظام الأسد وارتهانه لمنظومة حكم الجواسيس الدوليين في منطقة الشرق الأوسط ، في الوقت الذي كانت فيه الحرب العراقية الإيرانية مستعرة في أشد سنواتها دمارا، بمرحلة محددة من القصف المتبادل بين الطرفين المتصارعين دخلت فيها معارك النفط مرحلة خطيرة دعيت في حينه بحرب الناقلات ( النفطية ) ..
ما أذكره تماما في ذلك العام ما قاله ذلك المسؤول الكبير السابق بالحرف : “من مهام حافظ الاسد الخطيرة في سورية هو إعادة سورية والسوريين إلى العصر الحجري” ..
وأضاف بقوله إن مشكلة أزمة الكهرباء التي يعاني منها الشعب بأكمله يمكن حلها ببساطة، إحدى هذه الحلول الإسعافية السريعة بصفقة واحدة وبأقل التكاليف، يمكن أن يكون بشراء ناقلة نفط بسعر الحديد ( نظرا لكساد النقل بعد حرب الخليج الاولى 1980- 1988) وافاض بالشرح بأن ناقلة نفط بحمولة تصل الى نصف مليون طن من النفط في شحنة واحدة ( 45) مليار غالون، يمكن لمحركها أن يولد طاقة كهربائية تكفي نصف حاجة سورية من الكهرباء ..
ولكن من مهام حافظ الأسد إعادة سورية إلى الوراء ..
وهو ما أتم فعله الأسد الصغير اليوم بالضبط ..