لم يكن للصراع السوري عواقب إنسانية واقتصادية مدمرة فحسب ، بل إنه ألحق أيضًا أضراراً كبيرة بالبيئة في البلاد. تُقدم هذه الورقة دراسة استقصائية أولية لمجموعة من التحديات البيئية التي تترتب عليها أضرار صحية واجتماعية واقتصادية فادحة؛ بما في ذلك تلوث الهواء، والانبعاثات، واجتثاث الغابات، وتآكل التربة وانحسار الغطاء النباتي، ونضوب المياه،. تقترح الورقة أيضاً حلولاً خضراء معيّنة كجزء من جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع.
دراسة أجرتها مبادرة الإصلاح العربي وهي مؤسسة فكرية، تعمل بالشراكة مع 20 مؤسسة أخرى كمورد للمعرفة الحصرية عن حكومات ومجتمعات المنطقة العربية جاء في الدراسة :
مقدمة
عشر سنوات مرّت على الصراع السوري أودت بالبلاد في هوة سحيقة، تكبدت خلالها خسائر إنسانية واقتصادية فادحة: إذ تُشير التقديرات إلى أن عدد القتلى يتراوح ما بين 384-593 ألف شخص حتى كانون الأول/ديسمبر 2020؛ فضلاً عن أن ما يُقدّر بنحو 13.5 مليون إنسان يعانون من ويلات النزوح القسريّ، نصفهم تقريباً مشرَّدون داخلياً، يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة؛ في حين تكبدت سوريا خسائر اقتصادية تُقدّر بنحو 428 مليار دولار في الفترة من 2011 إلى 2018 (أي ما يعادل ستة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي عام 2010)؛ وانهارت قيمة الليرة السورية (انخفضت قيمتها الآن إلى أقل 13 مرة عما كانت عليه قبل اندلاع الانتفاضة )؛ بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة؛ والدمار الذي لحق بالممتلكات المادية بما في ذلك المنازل والبنية التحتية والمستشفيات والمدارس؛ إضافة إلى حقيقة أن 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. غير أن هذه الحرب تسببت أيضاً في أضرار بيئية خطيرة – وهي إحدى صور الدمار الذي لا يحظى بقدر كبير من الاهتمام، ولكنه قد يُلحق ضرراً محتملاً كبيراً من شأنه أن يخلف تأثيرات سلبية طويلة الأجل على الصحة العامة والاقتصاد وعملية السلام نفسها، ولا بد وأن يكون عنصراً محورياً في أي جهود ترمي إلى الإغاثة أو إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الضرر البيئي ليس مجرد أثر لكنه أيضاً من الدوافع المؤججة للصراع؛ فقد تبين أن الظروف البيئية السيئة التي مُنيت بها سوريا قبل الحرب هي أحد العوامل الأساسية التي ساهمت في نشوب الصراع المُسلح؛ ويشمل ذلك على وجه التحديد سوء إدارة الموارد الطبيعية والنفايات، واستجابة الحكومة غير الوافية تجاه التلوث الناجم عن التعدين، وقسوة الجفاف الذي حدث في الفترة بين عامي 2006 و2010، والذي ألحق الضرر بالقطاع الزراعي (الذي يُشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي)، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وما أسفر ذلك عنه من موجات الهجرة الجماعية نحو المراكز الحضرية. ومع ارتفاع معدل النمو السكاني، أدت ندرة المياه إلى تعاظم خطر زعزعة الاستقرار السياسي.
لقد خلف عقد من الحرب آثاراً بيئية خطيرة بسبب كثرة استخدام الأسلحة المتفجرة، والأضرار التي لحقت بمصافي تكرير النفط (وما ترتب على ذلك من تلوث التربة، وتلوث البيئة بصورة عامة، وما أعقب ذلك من الاعتماد على مصافي تكرير النفط المؤقتة التي تُسبب درجة عالية من التلوث)، وبسبب سوء إدارة النفايات والمياه، وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. تُقدم هذه الورقة دراسة استقصائية أولية لمجموعة من التحديات البيئية التي تترتب عليها أضرار صحية واجتماعية واقتصادية فادحة؛ بما في ذلك تلوث الهواء، والانبعاثات، واجتثاث الغابات، وتآكل التربة وانحسار الغطاء النباتي، ونضوب المياه، وسوء إدارة النفايات. تقترح الورقة أيضاً حلولاً خضراء معيّنة كجزء من جهود الإغاثة وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع. ولا بد الآن من إيلاء الأولوية لبذل المزيد من الجهود لتقييم الآثار البيئية التي خلفها الصراع، ولإدماج التخطيط والاعتبارات البيئية في خطط إعادة الإعمار. ولكن في نهاية المطاف، سيتطلب أيُّ جهد يرمي إلى التخفيف من الأضرار البيئية ووضع سوريا على مسار أكثر استدامة مستوىً من التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة والمناطق الجغرافية في سوريا، وهو أمر يبدو بعيداً في هذه المرحلة.
التدهور البيئي والمخاطر الصحية والتكلفة الاقتصادية
تلوث الهواء
عانت سوريا من مستويات عالية من تلوث الهواء حتى قبل اندلاع الثورة . فقد تعرض 69% من السكان عام 2010 إلى مستويات عالية من “الجسيمات الدقيقة” (التي يبلغ قطرها أقل من 2.5 ميكرومتر PM2.5). هذا المستوى المرتفع من تلوث الهواء نتج عن الانبعاثات الصناعية وعوادم المَرْكبات، وحرق النفايات، والتلوث الموسمي؛ فقد ساهمت الجسيمات الخطرة في الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة ومشاكل التنفس وأدت إلى الحاجة إلى العلاج داخل المستشفيات. وقد أدى اندلاع الصراع، في البداية، إلى خفض نسبة السكان المعرضين للجسيمات الدقيقة (بنسبة 7% عام 2011)، وذلك نتيجة هروب السكان من المدن بأعداد كبيرة وانخفاض النشاط الصناعي واستهلاك الطاقة. ولكن هذا التوجه انعكس مساره في بداية عام 2012، وبلغ الانعكاس هذا ذروته عام 2015 ليصل إلى 72%.
ومع أن من الصعب للغاية إثبات وجود مثل هذه العلاقة السببية -لا سيما في ظل غياب البيانات الدقيقة الخاصة بمناطق جغرافية محددة حول تلوث الهواء داخل سوريا- فإن الزيادة الهائلة التي شهدها عام 2015 قد تكون نتيجة لمجموعة من العوامل؛ منها عمليات القصف الجوي التي شنها النظام السوري والروسي ضد المعارضة ؛ وعمليات القصف التي قادتها الولايات المتحدة ضد المنشآت النفطية التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”؛ وحرائق الغابات والعواصف الترابية العاتية التي نجمت عن العمليات العسكرية، إضافة إلى تدهور النشاط الزراعي؛ علاوة على الهجمات الكيميائية التي شنها نظام الأسد في آذار/مارس ونيسان/أبريل وأيار/مايو من عام 2015. وقد حلت سوريا في المرتبة 18 بين أكثر الدول تلوثاً في العالم (من بين 92 دولة) عام 2019، وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية، إذ بلغ تركيز “الجسيمات الدقيقة” (PM2.5) ثلاثة أضعاف مستوى التعرض الموصى به من منظمة الصحة العالمية.
يؤثر مستوى “الجسيمات الدقيقة” تأثيراً مباشراً على الصحة العامة: فقد ازدادت تقديرات الوفيات الناجمة عن الأمراض التي يسببها تلوث الهواء في الأماكن المفتوحة بنسبة 17% بين عامي 2010 و2017، بإجمالي 7,684 شخص؛ وتُشكل حالات الإعاقة الناجمة عن التعرض إلى “الجسيمات الدقيقة” 1,625 لكل 100 ألف شخص في سوريا. فضلاً عن ذلك، فإن معدلات الوفاة والعجز المرتفعة هذه تؤثر أيضاً على تكاليف الرعاية الصحية: إذ يُقدَّر العبء الاقتصادي للأمراض والوفيات المبكرة المرتبطة بتلوث الهواء في سوريا بنحو 0.6% – 1.42% من الناتج المحلي الإجمالي؛ في حين زادت المخاطر البيئية/المهنية التي تؤدي إلى الوفاة والعجز بنسبة 16.5% بين عامي 2007 و2017. علاوة على هذا، تؤثر المستويات العالية من “الجسيمات الدقيقة” أيضاً على الإنتاجية الزراعية وتقلل من غلّة المحاصيل، لا سيما بذور القمح والبذور الزيتية التي تتأثر أكثر من غيرها.
انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون
أدى اندلاع الحرب إلى انخفاض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وذلك بسبب الدمار الذي لحق بقطاع الطاقة (المصدر الرئيسي للانبعاثات)، وتردِّي الأنشطة الزراعية، وتراجع عمليات التصنيع، وتعطل إنتاج النفط والغاز بسبب الأضرار التي لحقت بخطوط الأنابيب وغيرها من البنية التحتية في المصافي الرئيسية المملوكة للدولة في مدينتي بانياس وحمص..
يشكل النفط والغاز المصدرين الرئيسيين لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وبما أن هذه الانبعاثات قد انخفضت انخفاضاً كبيراً على مدى العقد الماضي، بالتوازي مع تراجع إنتاج المواد المرتبطة بالنفط والغاز، والذي تقلص بنسبة 28% بين عامي 2011 و2015 (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، 2017). وقد تعرضت محطات الطاقة، في العديد من المدن، للتدمير التام أو تعرضت لأضرار جسيمة نتيجة للقتال والنهب وتفكيك المعدات المعدنية في المنشآت. بالإضافة إلى ذلك، حالَ نقصُ الغاز الطبيعي والديزل وزيت الوقود الثقيل دون تشغيل هذه المنشآت، وهو ما يُفسر أيضاً انخفاض مستوى الانبعاثات. وانخفضت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن صناعة الأسمنت أيضاً على مر السنين، بيد أنه ليس من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، في ضوء مرحلة إعادة الإعمار المتوقعة في سوريا (لما لا يقل عن 60% من المناطق الحضرية التي تعرضت للدمار والخراب).
ومع انخفاض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ما تزال أعلى من المستويات الموصى بها. فقد وصلت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون السنوية في سوريا إلى 26.96 مليون طن عام 2019 ، وهو ما أسفر عن تكبد البلاد 1.4 تريليون دولار من التكاليف الاجتماعية (إذ تُقدَّر التكاليف الاجتماعية الحالية للكربون بنحو 50 دولار لكل طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي)، إضافة إلى زيادة احتمال حدوث ظواهر جوية قاسية مثل فترات الجفاف، مع انقطاع في سلاسل الإمدادات الغذائية – مماثلة لديناميات ما قبل الحرب.
علاوة على ذلك، واكَب انخفاضَ انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون حدوثُ أضرار بيئية أخرى. فقد تشكلت مواد خطرة بسبب قصف مصافي تكرير النفط في حمص وإنشاء داعش مصافٍ مؤقتة جديدة. فقد أدى انسكاب النفط من المصافي والآبار والشاحنات وخطوط الأنابيب والصهاريج المتضررة -التي تستخدمها داعش في عمليات التكرير- إلى تلوث الأرض والمياه السطحية والتربة، الأمر الذي أدى إلى تلوث مياه الشرب والأراضي الزراعية. وقد أدى التلوث والآثار الناجمة عن حرائق النفط إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي المزروعة والرعوية وقتل الماشية، الأمر الذي أدى إلى التأثير على مُربِّي الماشية والمزارعين.
اجتثاث الغابات
فقدت سوريا 20.4% من الغطاء الشجري في الفترة بين عامي 2012 و2019، وقد تأثرت محافظتا اللاذقية وإدلب بقدر كبير من هذه الخسارة، التي بلغت في اللاذقية 10% وفي إدلب 27% من مساحة الغطاء الشجري بين عامي 2011 و2014 (أو ما يعادل 89% من إجمالي الفاقد في الغطاء الشجري في سوريا). وقد ارتبط نضوب الغطاء الحَرَجي بمجموعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة المرتبطة بالصراع، منها حرائق الغابات المتكررة، وقطع الأشجار بصورة غير قانونية، والتوسع الزراعي، وإنتاج الفحم النباتي، وضعف مؤسسات الدولة في إدارة الموارد الطبيعية والتنمية البيئية..
تعتبر حرائق الغابات من الأسباب الرئيسية لاجتثاث الغابات، وقد ازداد تواتر اندلاعها وشدتها بشكل كبير خلال سنوات الحرب في سوريا. ففي عام 2020 وحده تسببت الحرائق في القضاء على ما يزيد عن 9 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية والغابات، مما ألحق الضرر بنحو 140 ألف إنسان، من خلال تدمير بيوتهم وممتلكاتهم وتخريبها، فضلاً عن فقدان إمدادات الطاقة والمياه وقلة فرص الحصول على الخدمات مثل العلاج في المستشفيات. من الجدير بالذكر أن أحد الأسباب الرئيسية وراء اندلاع هذه الحرائق هي حملات القصف التي شنتها مختلف أطراف الصراع التي تتحصن في الغابات الكثيفة وتتخذها درعاً للحماية والتخفّي عن الطائرات المسيَّرة والطائرات القتالية.
من الأسباب الأخرى، المتعلقة بالصراعات، لاجتثاث الغابات هو ذلك الاعتماد الكبير للسكان على الأشجار من أجل الحصول على التدفئة والمأوى. في العام 2013، تعرضت 40٪ من خطوط الكهرباء في البلاد للهجوم، وتعطلت 30 محطة، فصارت الأشجار ضرورية للتدفئة والحصول على الكهرباء. لنأخذ بعض الأمثلة على مناطق تعرضت لعمليات قطع أشجار بإفراط: فقد قُطعَت 7 آلاف شجرة في تل كلخ وفي الهامة، بما في ذلك محمية البلعاس حيث فُقِدت مئات الأشجار التي تصل أعمارها إلى قرون؛ وقُطعَت 7500 شجرة في الحسكة، معظمها من محمية جبل عبد العزيز؛ فيما أُزيلت غابات بأكملها في محمية جباتا بمحافظة القنيطرة، ويُقدَّر عدد أشجارها بحوالي 100 إلى 300 شجرة؛ بينما قُطعَت 100 شجرة صنوبر حجري في الشحار، جنوب جباتا . تضر عملية اجتثاث الغابات بالاقتصاد، وتؤدي إلى تدمير المحميات الطبيعية، كما حدث في محمية الضمنة جنوبي سوريا. من بين تلك الخسائر أشجار معمّرة وموسمية كأشجار البلوط والبطم الأطلسي وأشجار التوت وشجيرات توت العليق وأشجار الصنوبر البري وكرز المحلب، ومئات الأنواع من النباتات الطبيعية، كالبابونج والقُرّاص والزعتر البري، وهي نباتات ضرورية للصناعات الدوائية، إضافة إلى أعشاب عطرية نادرة مثل اللافندر والكزبرة والفِطر . وبين شهرَي تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر 2016، دُمّرت أكثر من 251 ألف شجرة فاكهة في حرائق غابات اندلعت [بمحافظة اللاذقية] في مناطق الحَفّة وجبلة والقرداحة واللاذقية المركز، الأمر الذي أدى إلى تدمير سبل العيش وعرَّض الأمن الغذائي لكثير من العائلات للخطر.
اجتثاث الغابات وحرائقها، والأعطال التي تعرضت لها نظم الري، إضافة إلى التغيّر المناخي والعجز عن الوصول إلى المزارع للاعتناء بالأشجار – كل ذلك أدى إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج البلاد من زيت الزيتون. قبل نشوب الصراع، كانت سوريا من كبار منتجي زيت الزيتون في المنطقة، مع وجود أكثر من 79 مليون شجرة زيتون تُنتِج تقريباً ما يصل إلى 1.1 مليون طن من الزيتون: يُستهلَك منها 250 ألف طنّ في صورة خام، ويدخل 850 ألف طن في إنتاج الزيت فيُستخرَج منها 200 ألف طن من زيت الزيتون. ومع إسهام واضح في الناتج المحلي الإجمالي، يتراوح بين 1.5 إلى 3.5٪ قبل اندلاع الحرب، مثّلت زراعة الزيتون قطاعاً اقتصاديّاً بارزاً في سوريا، ووفرت وظائف لحوالي 337 ألف أسرة في 2003. ففي اللاذقية، على سبيل المثال، كانت هناك 57 ألف أسرة تعيش على زراعة 45900 فدان من الزيتون، فيما كانت هناك 44700 أسرة تنتفع بزراعة 43500 فدان من الحمضيات . علاوة على ذلك، مثل زيت الزيتون نسبة 3٪ من الصادرات السورية غير النفطية، واعتمد حوالي 10٪ من السكان، جزئياً أو كلياً، على قطاع الزيتون مصدراً للدخل، سواء من خلال زراعة الزيتون أو حصاده أو إنتاجه أو بيعه أ؛ وفي مرحلة ما من الصراع انخفضت الصادرات الرسمية من زيت الزيتون إلى أقل من 20 ألف طن. وقد ارتفعت التقديرات إلى 32 ألف طن و30 ألف طن في موسمَي 2016-2017 و2017-2018 على التوالي – وهي زيادة تُعزَى إلى تراجع الأعمال القتالية .
نضوب المياه
قبل اندلاع الحرب، كانت موارد المياه في سوريا بالفعل تحت ضغوط نتيجة محدودية الاحتياطي الطبيعي ومعدل النمو السكاني المرتفع في البلاد . بدأ نضوب المياه الجوفية في بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي وساء الأمر مع التوسع في الزراعة المعتمدة على الريّ [لا الأمطار]. إضافة إلى هذا، لعب التغيّر المناخي دوراً بارزاً في تفاقُم الجفاف وإحداث أضرار جسيمة بالموارد الزراعية. خلال الصراع الدائر، مثّل النزوح في الداخل والهجرة إلى المناطق الحضرية ضغوطاً هائلة على المياه الصالحة للشرب، وخصوصاً في ضواحي المدن ، فأضحَت مياه الشرب متاحة لمدة لا تزيد على أربع ساعات يومياً. وإضافة إلى عدم كفاية إمدادات المياه، تضيف مشكلاتٌ أخرى، من قبيل تلوث موارد المياه وعدم كفاية المرافق الصحية اللازمة لمعالجتها، تكلفةً عالية تتمثل في الأمراض المنقولة من خلال المياه والوفيات الناتجة عن ذلك.
سوء إدارة النفايات
عانت سوريا بالفعل، في فترة ما قبل نشوب هذا الصراع الدائر، من مشكلة تتعلق بالنفايات الخطرة، نتيجة الافتقار إلى نظم ولوائح مناسبة لإدارة النفايات. أدّى سوء الإدارة على المدى الطويل للنفايات الخطرة -وفي المقام الأول النفايات الصناعية والطبية (80٪ منها معدٍ، و15٪ كيماوية، و5٪ مشعّة)- إلى توليد مستوى عالٍ من الديوكسين وغيره من الغازات الأخرى، وإلى زيادة تلوث الهواء، وخصوصاً في حلب ودمشق، وجلب هذا الأمر معه مخاطر صحية جسيمة مرتبطة بالنفايات الخطرة.
ومع الإغلاق التام لخدمات إدارة النفايات التي يديرها النظام ، أحدثت الحرب مشكلة كارثية فيما يتعلق بالتخلص من النفايات، وأسهمت في إنتاج المزيد من النفايات الخطرة عبر عمليات حرق النفايات وإلقائها بدون ضوابط أو رقابة. وقد أدى تدمير المصانع المختلفة والمستشفيات والمدن إلى انبعاث مستويات عالية من السموم في الهواء، وإلى تسرّب كميات من المواد الكيماوية إلى التربة ومنابع المياه الجوفية. ومع أن مستويات التخلص من النفايات في سوريا لا يمكن قياسها بدقة في الوقت الحالي، يُقدَّر أن النفايات الصلبة تصل إلى 850 طن يومياً، وهي ضعف الكمية التي كانت قبل الحرب. تجتذب تلك النفاياتُ البلدية والمنزلية غير المجمعة القوارضَ والحشرات التي تحمل وتنقل الأمراض المعدية، الأمر الذي يعرّض الأطفال وجامعي القمامة للخطر (بتول ونوفوتني، 2018)، ويؤدي أيضاً إلى تلويث التربة والمياه، ويجلب مخاطر صحية وتكاليف اقتصادية، وخصوصاً على قطاعَي الزراعة والصيد.
انحسار الغطاء النباتي، وتآكل التربة، وانعدام الأمن الغذائي
تسبّبت سنوات الجفاف الطويلة التي شهدتها البلاد بين عامَي 2006 و2010 في جدب التربة وتدهورها وانحسار الغطاء النباتي؛ وهي مشكلات تفاقَمَت مع اندلاع الثورة ، وتمثّل تهديداً لإنتاجية الأراضي والتنوع الحيوي والإنتاج الزراعي في فترة ما بعد الحرب. وقد أدى القصف المتواصل إلى خلخلة التربة، مما سهّل انتقالها عبر الرياح والمياه وزاد من فرص حدوث العواصف الترابية. تسارعت أيضاً وتيرة تآكل التربة نتيجة التغيرات المقلقة في الغطاء النباتي؛ وذلك لزيادة الطلب على الموارد الطبيعية والتوسع الحضري خلال الصراع بسبب حركة وتنقلات السكان . فأكثر من 85٪ من الأراضي الزراعية في سورية عرضة لتآكل التربة، وقد انخفض استخدام الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة 21٪ بين عامَي 2010 و2014 .
أدى الاستغلال الكثيف للأراضي الهشة، وخصوصاً في منطقة زراعة المحاصيل الأساسية التي كانت أيضاً مسرحاً للأعمال القتالية العنيفة -الممتدة على طول الساحل الغربي وشرقاً على طول الحدود الشمالية مع تركيا إلى مزيد من التدهور. وإلى جانب تلوث الأراضي والتربة بالذخائر الحربية، فإن هذا التدهور يؤدي إلى تفاقُم عملية تآكل التربة، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر في الإنتاج الزراعي في تلك المناطق. لم يؤدِّ تآكل التربة إلى فقدان الأراضي الخصبة فحسب، بل أدى أيضاً إلى زيادة الرواسب والتلوث في الأنهار والمصارف. نتيجة لهذا تراجع الإنتاج السمكي بنسبة 63٪.
وفقاً لتقارير منظمة الأغذية والزراعة العالمية، التابعة لهيئة الأمم المتحدة، عانى قطاع الزراعة السوري من خسائر قيمتها 16 مليار دولار بين عامَي 2011 و2016 -أي ما يعادل انخفاضاً بنسبة 41٪ في الناتج المحلي الإجمالي من المنتجات الزراعية- نتيجة الفاقد في الإنتاج ونتيجة التلفيات وتدمير البنية التحتية والأصول (كالأضرار اللاحقة بنظم الري، والنقص في المدخلات مثل الأسمدة والوقود والبذور) (منظمة الأغذية والزراعة العالمية، 2019). فقد أدت الحرب إلى انخفاض الأراضي المزروعة بنسبة 30٪ في المتوسط، والأراضي المروية بنسبة 50٪. وانخفض إنتاج القمح إلى النصف، مقارنة بتقديرات فترة ما قبل نشوب الصراع؛ فبعد أربع سنوات من اندلاعه أصبحت البلاد مستورداً صافياً للقمح. وفي حين أن قطاع الزراعة السوري ما يزال يوفر 50٪ من الإمدادات الغذائية للبلاد، وفقاً لإحصاءات في 2016، إلا أن هذا يعدّ تراجعاً بنسبة 40٪ عن مستويات ما قبل الصراع. إضافة إلى ذلك، فقد أدى كلٌّ من ارتفاع أسعار الوقود (إن كان متاحاً أصلاً) -وخصوصاً في حلب وإدلب- وارتفاع تكاليف البذور التي كانت مدعومة في الماضي، والرسوم المفروضة على المواشي، ونقص العاملين المتخصصين، وارتفاع تكاليف العمالة ونقص الأيدي العاملة، إضافة إلى الاقتصادات المجزّأة، وانقطاع سلاسل الإمداد والتوريد، كل ذلك أدى إلى ارتفاع أسعار الأغذية، الأمر الذي جعل ما يقرب من نصف السكان في 2016 غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية. في الوقت الحالي يُقدَّر أن 60٪ من السكان يعانون حالة من انعدام الأمن الغذائي. فقد تراجعت الإنتاجية الزراعية بشكل حاد، الأمر الذي دفع الناس إلى حافة الفقر واضطرهم إلى تحويل زراعتهم إلى محاصيل استهلاكها للموارد أقل. ولقد قدّرَت منظمةُ الأغذية والزراعة العالمية التكلفةَ المبدئية لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة تأهيله بما يتراوح بين 11 إلى 17 مليار دولار. سيؤدي هذا التأثير الهائل على قطاع الزراعة إلى زيادة الفجوة التنموية بين المناطق الريفية والحضرية.
من المرجّح أن يتسبب استخدام الأسلحة الكيماوية والمتفجرات -التي تحتوي على عناصر من المعادن الثقيلة والوقود والمذيبات والمواد النشطة التي أدت إلى تلوث المياه الجوفية والتربة- في مشاكل بيئية خطيرة لمستقبل قطاع الزراعة في سوريا، الأمر الذي سيؤثر على الاقتصاد الذي لطالما اعتمد على الإنتاج الزراعي لسنوات، وسيؤدي أيضاً إلى تفاقُم أشكال أخرى من التداعيات البيئية المستقبلية، كالجفاف والعواصف الرملية وانخفاض نسبة هطول الأمطار. سيكون لهذا التأثير على القطاع الزراعي، إلى جانب تلوث التربة والمياه، عواقب وخيمة على مستقبل الإمدادات الغذائية في سوريا؛ وبالتالي ستتفاقم المشكلة وسيزداد الاعتماد على الاستيراد، مما يؤدي إلى تدهور الموقف الاقتصادي لأجيال المستقبل.
خطة إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب
لا تزال الحرب مستمرة في سوريا، إضافة إلى أن السيناريوهات المحتملة المختلفة وضلوع أطراف متعددة في الصراع تجعل من الصعب وضع خطط استدامة دقيقة. لكن الخطوات التالية ستكون لازمة لوضع أيّ خطة إعادة إعمار مستدامة.
- إجراء تقييم أفضل لِآثار الصراع البيئية
ثمة الكثير الذي لا نعرفه عن الآثار التي خلفتها الحرب على البيئة غير المتمحورة حول الإنسان. وسيكون هناك عواقب طويلة الأجل للاستخدام الكثيف للمتفجرات والأسلحة الكيميائية على البيئات الحضرية وغير الحضرية في سوريا وخارجها، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المخاطر الصحية والفقر في المنطقة. لهذا يمكن أن يبدأ التقييم بإجراء مسحٍ لِآثار الصراع على البيئة بقدرٍ أكبر من الدقة، وتحليل مواقع البؤر البيئية الخطرة وتحديد حالتها، ووضع تدابير طوارئ لمعالجة النفايات الخطيرة، والإلمام بالتهديدات البيئية المحتملة على صعيد المجتمعات المحلية. ولا بد أن يركز هذا التقييم على اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية لأنها تتداخل مع الضرر البيئي وتفاقم من حدته.
من الممكن جمع هذه المعلومات من خلال مصادر بيانات متنوعة، بما في ذلك الأبحاث المدنية التي تجريها جهات فاعلة محلية وهي طريقة مبتكرة لجمع وتبادل المعلومات حول الضرر البيئي، ويمكن تنسيق هذه المهمة من قبل برنامج يونوسات أو الاستخبارات المُستخلصة من المصادر المفتوحة أو فروع المنظمات الإنسانية من قبيل مبادرة ريتش (REACH) ووحدة البيئة المشتركة التابعة لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.
- الزراعة المستدامة
يشكل التحدي الذي تطرحه حوافز الإنتاج وكذلك المشاكل المرتبطة بالري والزراعة المتكيفة مع تقلبات المناخ العوامل الرئيسية اللازمة لإنعاش القطاع الزراعي. وبينما لا يزال الري عاملاً بالغ الأهمية لأغلب الأسر الريفية، ينبغي اعتماد بعض الممارسات الحديثة للحيلولة دون تلوث واستنزاف مستودعات المياه الجوفية. يشتمل ذلك على ما يلي:
- إصلاح قنوات الري المتضررة في المناطق التي شهدت عمليات عسكرية واسعة وتحسين أداء أنظمة الري.
- إصلاح الهياكل الأساسية الضرورية من أجل تخزين المحاصيل والمستلزمات بطريقة آمنة.
- توفير اختبارات فحص التربة المنقولة خاصة في المناطق المستهدفة.
- تطويع أساليب اختيار المحاصيل المناسبة للحفاظ على الربحية الاقتصادية، من خلال تجنب المحاصيل التي تحتاج إلى الري الغزير والتوجه نحو المحاصيل المقاومة للجفاف والأكثر توفيراَ للمياه.
- قد يسهل دعم استخدام أصناف البقوليات والقمح المحلية، المناسبة للمناخ في سوريا والمقاومة للجفاف والأمراض، الأمر على المزارعين الذين، خلافاً لذلك، ربما لا يمكنهم زراعة أصناف جديدة.
- تدريب المزارعين، حتى الذين يتمتعون بعشرات السنوات من الخبرة، على الابتكارات الجديدة والتطورات التكنولوجية.
- تطبيق أساليب الزراعة المحافظة على الموارد لتقليل الاحتياجات المائية وتوفير الأسمدة، بما في ذلك اتباع النُهج المراعية للبيئة الطبيعية.
- المساعدة في تنمية المشروعات الخاصة من خلال إتاحة إمكانية الحصول على الموارد الزراعية، مثل تقديم القروض ودعم عملية التسويق، وهو ما سيسهم في زيادة الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي.
- مبادئ الإعمار الأخضر
ينبغي على المتعهدين استغلال فرصة إعادة إعمار سوريا لاعتماد قيم ومبادئ الاستدامة. تساعد العمارة المستدامة القائمين على التخطيط في الحد من استخدام لوازم البناء الحديثة، وتجعلهم أكثر وعياً عند استخدام مواد البناء الحالية، وتمكنهم من إعادة تدوير مواد البناء من المباني التي تعرضت للدمار. ربما يكون أحد الخيارات الجيدة هو تطبيق القواعد التنظيمية والمعايير الخاصة بالمباني الخضراء مثل قوانين “كفاءة استخدام الطاقة في المباني” الصادر عن “مختبر علم طبقات الجليد والجيوفيزياء البيئية”، وهو مشروع عالمي يموله صندوق البيئة العالمي ويشرف على تطبيقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويهدف إلى الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال تطبيق تنظيمات البناء الحرارية وقوانين كفاءة استخدام الطاقة في المباني عند تنفيذ مشاريع بناء جديدة. كان من المقرر تطبيق هذا المشروع في سوريا لكنه أُلغي في 2013.
قد يكون استخدام مواد البناء المعاد تدويرها بدلاً من المواد الجديدة من الوسائل الفعالة الأخرى التي تسهم في توفير الموارد الطبيعية وتقليل كميات الطاقة المتاحة، إضافة إلى تحقيق فوائد اقتصادية حقيقية (كيرنين، 2002). تبين أيضاً أن إعادة استخدام الأنقاض يعد وسيلة مفيدة للحد من التلوث المتصل بالهدم والتخلص من النفايات (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، 2005).
يمكن المحافظة على مواد البناء المسترجعة (كالصخور والأخشاب والمعادن) وفرزها وإعادة إستخدامها في ترميم المباني القائمة وتشييد وحدات ومباني جديدة، بما في ذلك بناء المنشآت الخاصة بنظام طاقة شمسية جديد، وتعزيز استمرارية عملية إعادة الإعمار، والحفاظ على الطابع المعماري السوري. ويمكن إعادة تدوير مواد الخردة، التي يتعذر إعادة استخدامها في حالتها الأصلية، واستخدامها في المباني الجديدة. اتباع هذه الأساليب، عوضاً عن استخدام مواد جديدة، لا يحمي الموارد الأرضية فحسب، بل قد يساهم أيضاً في خفض تكلفة إعمار المواقع المدمرة بنسبة تبلغ حوالي 40-50%.
- الطاقة الشمسية
من السهل التشكيك في إمكانية زيادة اعتماد سوريا على الطاقة الشمسية في ضوء اهتمام العديد من الأطراف الفاعلة الدولية بعملية إعادة إعمار سوريا. بيد أن إعادة الإعمار تتطلب توافر الطاقة، وكما توضح حالات العراق واليمن وأفغانستان، قد يكون من المكلف توليد الكهرباء باستخدام النفط والغاز الطبيعي بسبب التهديدات الأمنية والشواغل المرتبطة بِإعادة تطوير مرافق توليد الطاقة المركزية وشبكات التوزيع واسعة النطاق في ظل وجود الجماعات المسلحة. قد تساعد ألواح الطاقة الشمسية في خفض بعض تلك المخاوف الأمنية في سوريا.
لذا من الضروري للغاية إعادة النظر في الأولويات الصناعية والتحوّل إلى نوعٍ من الطاقة المتجددة. يمكن البدء في دعم توسيع نطاق استخدام الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية، من خلال ما يلي:
- الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية والكتلة الحيوية (التي يمكن استخدامها كوقود) في المدارس والملاجئ الجماعية والمنشآت العامة.
- وضع مصفوفات شمسية كبيرة في مدن مثل حلب باعتبارها إحدى أفضل الطرق لإعادة التيار الكهربائي في تلك المدن، مما يعطي قدراً من المرونة لشبكات الكهرباء التي دمرتها الحرب.
- إصلاح خطوط وشبكات ومحطات الإمداد الكهربائي، مع إجراء إصلاح عاجل لمحطات الطاقة الحرارية والكهرومائية.
- إعادة تدوير الخردة المعدنية
يمكن أن تبيع سوريا المخلفات المعدنية بما في ذلك العتاد العسكري وإعادة تدويرها، وهو ما يقلل تكاليف التخلص منها ويسهم في زيادة الإيرادات (كما هو الحال في أفغانستان). يُعدّ الألومنيوم والصُّلب من مواد الطاقة التي تحتوي على الطاقة اللازمة لمعالجتها، مثل تكرير خام الحديد وتسخين وتشكيل (أو سبك) المنتجات ونقل المواد الثقيلة نسبياً. تتطلب عملية إعادة استخدام أو إنتاج العناصر الجديدة كميات أقل من الطاقة والحد الأدنى من المعالجة لإنجاز العملية، وهو ما يجعل المعدن المعاد تدويره مادة ذات عمر افتراضي طويل لا تحتاج إلى الاستبدال والصيانة باستمرار .
- إدارة النفايات الصلبة والأنقاض
لمعالجة المشكلة المستعصية التي تطرحها النفايات الصلبة والأنقاض، ينبغي الأخذ في الاعتبار العناصر الرئيسية التالية:
- تقييم الحاجة إلى إدارة النفايات الصلبة والأنقاض في المناطق شديدة الخطورة.
- تحديد الشركاء المحليين والتعاون مع الشركاء من المنظمات غير الحكومية لوضع برنامج لإدارة النفايات الصلبة في كافة الأحياء والمناطق المستهدفة.
- تطبيق برامج الأجر مقابل العمل وبرامج العمالة الطارئة لإدارة النفايات الصلبة والأنقاض (إزالتها وفرزها وإعادة تدويرها).
- المياه
يمكن لسوريا اتخاذ بعض الخطوات للتغلب على تحديات المياه التي تعاني منها منذ فترة طويلة من خلال الاستجابة لِلديناميات الملحة الناجمة عن الصراع الذي طال أمده، وذلك عن طريق ما يلي:
- تقديم نهج شامل لتقييم المخاطر وإدارتها فيما يتعلق بعملية إمداد المياه، بهدف ضمان سلامة مياه الشرب من خلال منع التلوث أو الحد منه. يمكن أن يتضمن ذلك تنفيذ بعض الإجراءات لرصد وتقييم اختبارات جودة المياه.
- استخدام وسائل تنقية المياه، مثل المواد المشتتة والحواجز العائمة والكاسحات في المناطق التي حدث بها تسرب نفطي.
- تعزيز التوعية في مجال النظافة الصحية لإدارة مخاطر المشاكل الناتجة عن تلوث مياه الري.
- تنظيم أنشطة تطوير قدرات تستند إلى الأولويات والاحتياجات المائية من خلال التدرب على أساليب الاستخدام المستدام للمياه والعمل على إعدادها وصياغتها وإدارتها وتطبيقها.
- إصلاح شبكات الإمداد بالمياه وإعادة تشغيلها.
- معالجة مياه الصرف الصحي والمياه العادمة من قطاعات صناعية محددة التي يمكن أن تفي بالمتطلبات البيئية لاستخدامها في الري بهدف تحقيق إنتاج زراعي.
- إنشاء أراضي رطبة صناعية، يمكن تصميمها خصيصاً لاستصلاح الأراضي بعد التعدين أو بوصفها خطوة للتقليل من المساحات المائية المفقودة بسبب تلوثها أو أنها أصبحت غير صالحة للاستخدام.
- تجميع مياه الأمطار وفصلها عن شبكات مياه الصرف الصحي حتى يمكن استخدامها في الري والإنتاج الزراعي.
خاتمة
يزداد الطلب كثيراً على الموارد الطبيعية في شتى حالات ما بعد صراع، لا سيما من أجل ترميم أو بناء منازل وبنية تحتية جديدة، وأيضاً لتوفير سبل لكسب الرزق وإنعاش الاقتصاد عموماً مجدداً. وينبغي على كافة الأنشطة التي تعد في صميم عملية إعادة الإعمار، مثل إزالة الأنقاض وتطهير الأراضي من المخلفات العسكرية وتنظيف المواقع الصناعية المدمرة وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي المتضررة، أن تركز على تحقيق الانتعاش المستدام للحيلولة دون حدوث مزيد من التدهور البيئي.
ستتطلب معالجة التحديات البيئية المحددة في هذه الورقة، والتقليل من حدتها، التعاون والتخطيط المشترك بين الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المختلفة. ولإعداد الخطط اللازمة للتخفيف من حدة الضرر البيئي وتعزيز التعافي الأخضر لا بد من التوصل إلى حل توافقي بين الجهات الفاعلة المختلفة بشأن المسائل المتعلقة بالتعافي البيئي والانتعاش الاقتصادي. وينبغي على جميع الجهات الفاعلة على المستويات الدولية والوطنية والمحلية المشاركة في وضع هذه الخطط لتجنب وجود “نقاط ضعف” في خطة السياسات البيئية. أخيراً، ما تقتضيه الحاجة هو نهج مدروس ومرن ومتعدد الجوانب يجمع ما بين الاحتياجات البيئية الطارئة على المدى القصير والجهود البيئية طويلة الأجل.
بسبب الانقسامات الحالية في البلاد وتعدد الجهات الفاعلة، يبدو من الصعب للغاية في اللحظة الراهنة تحقيق مثل هذا التعاون، خصوصاً حول بعض المسائل المعقدة كتلوث الهواء. بيد أن الجهات الفاعلة الرئيسية -سواء كانت سورية أو دولية- يمكنها البدء بالتعاون لِتقييم الأثر البيئي للصراع والتوصل لفهم شامل للوضع على أرض الواقع. ومع وجود قضايا محددة ذات طابع محليّ إلى حد كبير -مثل التلوث الناجم عن مصافي تكرير النفط المؤقتة أو عن مصادر توليد الطاقة شديدة التلوث- قد تكون المشاريع التجريبية بداية جيدة تصب في نهاية المطاف لِصالح جهود مستقبلية أوسع نطاقاً.
سوف يساعد التوصل لنهج طويل الأمد يعالج الشواغل البيئية ويساعد في تقييم المفاضلات السياسية -عن طريق تحديد مستوى الضرر حالياً وكذلك التوزيع الحالي للموارد- في رسم خارطة مستقبلية من خلال وضع رؤية طويلة المدى لخطة مستدامة تأخذ في الاعتبار التهديدات والقيود والمفاضلات ذات الصلة.