يصادف اليوم الأربعاء 7 نيسان/أبريل، الذكرى السنوية لإحدى المآسي التي مرّ بها الشعب السوري وخاصة أهالي مدينة دوما في ريف دمشق.
ثلاثة أعوام على هجوم دوما الكيماوي، الذي قتل فيه أكثر من 40 مدنياً بينهم 12 طفلاً و15 امرأة بعد استهداف مروحيات نظام الأسد للمدينة باسطوانات محملة بمواد سامة، 7 نيسان من عام 2018 كان يوماً اختنقت فيها الأرواح وماتزال تختنق بانتظار العدالة.
وبحسب التقرير الذي أصدرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في آذار 2019 فإن تحليل العينات الطبية والبيئية التي جمعتها لجنة تقصي الحقائق(ffm) من موقع الاستهداف أظهر استخدام مادة “الكلور الجزيئي” مشيرة إلى أن أسطوانتي الغاز اللتين عثر عليهما في مكان الهجوم ألقيتا على الأرجح من الجو.
إن غياب الجدية من المجتمع الدولي والأمم المتحدة في محاسبة النظام على جرائمه التي ارتكبها بالأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة،يعتبر بمثابة ضوء أخضر للاستمرار في إبادة السوريين وبدعم من روسيا التي تشوه الحقائق وتضلل الرأي العام وتؤمن له غطاءً سياسياً في مجلس الأمن باستخدام الفيتو
ناجون سوريون يتذكّرون “يوم القيامة”
لا يزال ضحايا الهجوم بالأسلحة الكيماوية الذي شنه النظام السوري على مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية ينتظرون تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين؛ إذ لم تتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه رغم مرور 3 سنوات على ارتكاب المجزرة التي وصفها أحد الناجين بـ”يوم القيامة”.
استخدمت قوات النظام السلاح الكيماوي المحرّم دوليا ضد المدينة بعد 5 سنوات من حصارها مع بقية مدن غوطة دمشق الشرقية؛ وتم تهجير أبناء المدينة منها بعد القصف الكيماوي بوقت قصير، وكثير منهم كان يعاني من آلام جراء استنشاق المواد المنتشرة في الهواء.
وسيطرت قوات النظام على دوما بعد 5 أيام من المجزرة، وخرج أبناء المدينة منها إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي البلاد.
وقال عمر نعسان، أحد الشهود على المجزرة، لمراسل الأناضول: “كان كيوم القيامة، نزلنا إلى الملاجئ تحت بيوتنا عندما استهدف النظام المدينة بالسلاح الكيماوي، وكان طوال السنوات الخمس السابقة يستهدفنا بقصف جوي وبري بلا هوادة”.
وأوضح نعسان أن القصف وقع صباحا، مضيفا: “شعرت برائحة مختلفة لم يسبق أن شعرت بشيء مشابه لها، فهرعتُ مع أطفالي إلى نفق تحت بيتي”.
وتابع: “وعندما بقيت الرائحة تصلنا في تلك الأنفاق خرجنا منها إلى الشارع، وكنا نحاول الابتعاد عن الرائحة التي لم نكن نعرف ماهيتها، أهي غاز السارين أم غاز الكلور”.
وأكمل: “مع زيادة خوفنا، صرنا نلف أجسادنا بالمناشف المبتلة، ولم يكن هناك ريح، فبقيت الروائح تحاصرنا لمدة طويلة، من دون أن ندرك ماذا يحدث تحديداً”.
وأشار إلى أنه “مع تقدم الوقت، انخفض مستوى الخوف لدينا؛ فهرعنا لمساعدة الناس في الأحياء والشوارع القريبة، فصُدِمنا بمنظر الوفيات”.
وسرد موضحًا: “كانت البراميل المتفجرة والقذائف لا تساوي شيئاً أمام هذا السلاح، فالجثث في كل مكان، والناس تختنق من حولنا”.
ولفت إلى أنهم حفروا أنفاقا للاختباء من قصف الطائرات، إلا أنها لا تحمي مع هذا السلاح.
وأضاف: “أشكر الله أنني ما زلت على قيد الحياة، ولتحل اللعنة على الظالمين”، فيما طالب بـ”محاكمة المسؤولين عن المجزرة وتحقيق العدالة التي طال انتظارها”.
أما ياسين كبكب، وهو ناج آخر من المجزرة، فأوضح أنه عاد من الموت، مشيرا أنهم اعتقدوا في البداية أن ما حدث قصف جوي؛ فلجأوا إلى الأنفاق، لكنهم أدركوا لاحقا أنه قصف بالأسلحة الكيماوية.
وأردف أنه وصل إلى المستشفى عند الساعة 9:30 صباحا، فرأى “جثثا هامدة، وكان المنظر قاسيا جدا”.
وتابع: “كانت عيون الأطفال مفتوحة لكن أجسادهم بلا أرواح، فقد ماتوا اختناقا”.
ولفت كبكب إلى أن النظام، في ذلك اليوم، واصل قصف المدينة بالطيران كأن شيئا لم يحدث؛ ما اضطر الناس للانتظار وقتا طويلا لدفن جثث موتاهم.
وأضاف: “أهل دوما خسروا الكثير من الضحايا في ذلك اليوم، وينتظرون محاكمة المسؤولين عن المجزرة”.
وقبل مجزرة دوما، استخدم النظام السلاح الكيماوي عدة مرات، كان أكبرها مجزرة الغوطة الشرقية في أغسطس/ آب 2013 التي راح ضحيتها أكثر من 1400 مدني، ومجزرة خان شيخون (بمحافظة إدلب) في أبريل/ نيسان 2017 وقُتل فيها 100 مدني على الأقل.
وبحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” (غير حكومية)، فإن النظام السوري استخدم السلاح الكيماوي 217 مرة ضد مناطق سيطرة المعارضة منذ بدء الأزمة في سوريا منتصف مارس/ آذار 2011.
الطاغية طليقا
على خلفية الحادثة، كانت قد أرسلت “منظمة حظر الأسلحة الكيميائية” بعثة لتقصي الحقائق إلى دوما، في منتصف إبريل 2018، أي بعد نحو أسبوع من الهجوم. وجاء في تقرير نقلته وكالة “رويترز” عن المنظمة أنه “عُثر على مواد كيميائية عضوية مختلفة، تحتوي على الكلور في عينات أخذت من موقعين، لكن لم يتم العثور على أدلة على استخدام غازات أعصاب”. واتهمت واشنطن ودول غربية أخرى يومها قوات النظام السوري بالمسؤولية عن هجوم دوما.
وفي الثامن عشر من إبريل من العام ذاته، رفضت روسيا مشروع قرار فرنسي في مجلس الأمن، لإجراء تحقيق جديد لتحديد المسؤول عن هجمات بأسلحة كيميائية في سورية، واعتبر مندوبها في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، خلال الجلسة، أنه لا جدوى من التحقيق “لأن الولايات المتحدة وحلفاءها تصرفوا على أنهم القاضي والجلاد بالفعل”. ووصل المجلس إلى طريق مسدود بشأن كيفية إيجاد بديل للجنة تحقيق مشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كان المجلس أنشأها في 2015، بهدف تحديد المسؤول عن هجمات بالغاز السام. وكان توصلت تحقيقات سابقة للجنة إلى أنّ النظام السوري استخدم مرات عدة، غاز السارين، كما استخدم الكلور كسلاح ضد معارضيه. كذلك، اتهمت التحقيقات تنظيم “داعش” باستخدام غاز الخردل. وكان الفيتو الروسي في مجلس الأمن الحامي الدائم للنظام.