قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن العديد من السوريين، بعد عقد من الحرب، فقدوا الثقة في إمكانية المجتمع الدولي بمساعدتهم في صياغة مسار متفق عليه للخروج من الصراع. غير أنه أكد في كلمته اليوم الثلاثاء خلال مؤتمر بروكسل الخامس حول سوريا أنه “مقتنع بأننا ما زلنا قادرين على فعل ذلك، بمعية الأطراف السورية”.
في كلمته المصورة إلى مؤتمر بروكسل الخامس “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي وتشارك برئاسته الأمم المتحدة، دعا الأمين العام الدول المانحة إلى “المساعدة في تلبية الاحتياجات المتزايدة وتكثيف التزاماتها المالية والإنسانية تجاه الناس في سوريا والمساعدة في تخفيف العبء المالي الكبير عن البلدان التي تستضيف اللاجئين”.
هذا وشدد الأمين العام على أن المساعدات الإنسانية والحماية التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها في المجال الإنساني هي بالنسبة لكثيرين المصدر الوحيد لبقائهم على قيد الحياة.
ويقدم العاملون في المجال الإنساني المساعدة كل شهر إلى 7.6 مليون شخص في سوريا، بما في ذلك من خلال العمليات عبر الخطوط والحدود. “هذا ممكن فقط بفضل الالتزام الاستثنائي والثبات الذي يتمتع به العاملون في المجال الإنساني والعاملون الصحيين في الخطوط الأمامية”، بحسب السيد غوتيريش الذي أشار إلى أن معظم عمال الإغاثة سوريون عانوا أنفسهم بسبب الصراع، ويواجهون صعابا هائلة، وقد قتل الآلاف منهم وتم تشويههم واعتقالهم وخطفهم منذ بدء الصراع..
وقال الأمين العام إننا سنعمل بلا هوادة في سعينا للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية تماشيا مع قرار مجلس الأمن 2254، مؤكدا أن “الحرب في سوريا ليست حرب سوريا فحسب. وإنهاؤها، والمعاناة الهائلة التي لا تزال تسببها، هي مسؤوليتنا الجماعية”.
جوزيب بوريل: مؤتمر اليوم ليس مدعاة للاحتفال
من جهته قال السيد جوزيب بوريل، الممثل السامي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، إنها المرة الخامسة التي ينظم فيها الاتحاد الأوروبي مؤتمرا حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”.
غير أنه أضاف:”هذا ليس مدعاة للاحتفال: فهو يبين فقط مدى مأسوية الوضع وطول أمده بالنسبة للشعب السوري.”
ونقل السيد بوريل من الاتحاد الأوروبي رسالة بسيطة. وهي أن الاتحاد الأوروبي وقف إلى جانب السوريين ومن رحب بهم كلاجئين طوال الأزمة، قائلا إن الاتحاد سيواصل القيام بذلك مهما استغرق ذلك من وقت.
وأوضح أن الجميع يعلم مدى الدمار الذي تعيشه سوريا اليوم، ومقدار المعاناة والألم الذي يعانيه شعبها منذ عشر سنوات، والتدمير والتعذيب والاختفاء القسري والأسلحة الكيماوية والتهجير القسري للناس.
“ومع ذلك، للحصول على العلاج الصحيح، يجب ألا ننسى أسباب المشكلة”، قال الممثل السامي موضحا أنه “قبل عشر سنوات بالضبط، نزل السوريون سلميا إلى الشوارع مطالبين بالحرية والعدالة والآفاق الاقتصادية. رد النظام بعنف شديد، غير قادر وغير راغب في تلبية تلك المطالب. تصاعد الموقف إلى الصراع المميت الذي نعرفه”، على حد قوله.
وذكر أن التغييرات التي دعا إليها السوريون سلميا لم تحدث، بل تراكمت مطالبهم.
هذا وكرر تأكيد دعم المجتمع الدولي لقرار الأمم المتحدة رقم 2254. ودعا سوريا إلى اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه.
في غضون ذلك، أكد مواصلة حشد كل الجهود لتلبية الاحتياجات المتزايدة للشعب السوري والبلدان المجاورة التي تستضيف 5.6 مليون لاجئ، مشيدا بالأردن ولبنان وتركيا على كرمها الاستثنائي – مشيرا أيضا إلى ما تقدمه مصر والعراق في هذا الصدد.
وأعلن عن تعهد جديد من الاتحاد الأوروبي بقيمة 560 مليون يورو، وهو نفس المبلغ الذي تم التعهد به العام الماضي.
لوكوك يشدد على إعطاء الأولوية لتعليم الأطفال في سوريا والمنطقة
وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، قال إن اجتماع اليوم يعنى “بمعالجة الاحتياجات الإنسانية الماسة للشعب السوري ودعم البلدان المضيفة للاجئين السوريين”.
وأضاف مخاطبا المشاركين في مؤتمر بوكسل الخامس حول سوريا: “وجودكم اليوم والتزامكم على مرّ السنين مهم”.
وفي كلمته إلى المؤتمر الصحفي الذي انعقد اليوم في تمام الساعة التاسعة والربع بتوقيت نيويورك، تحدث مارك لوكوك عن وضع الأطفال السوريين والأزمة التي يعيشونها بسبب الصراع الذي اندلع منذ عقد من الزمن.
وقال إن “ما يقرب من نصف أطفال سوريا لم يعرفوا شيئا سوى حياة الصراع. مات عشرات الآلاف منهم. لقد فقد ما يقرب من نصف الشباب في سوريا أحد أفراد الأسرة المباشرين أو أصدقاء مقربين، ولا تزال هذه الصدمات عميقة الجذور دون معالجة”.
وبحسب ما ذكر المسؤول عن تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، ما يقرب من مليوني ونصف مليون طفل، بما في ذلك 40 في المائة من الفتيات، لا يذهبون إلى المدرسة، مشيرا إلى أن “مدرسة من بين ثلاث مدارس لا يمكن استخدامها لأنها دمرت أو تضررت أو لأنها تأوي الآن عائلات نازحة أو لأنها تستخدم لأغراض عسكرية”.
وذكر أن الجائحة العالمية صعّبت ذهاب الأطفال إلى المدرسة، مشيرا إلى تضرر الأطفال ذوي الإعاقة بشكل خاص بمن فيهم الفتيات.
وفي هذا السياق حث المانحين في مؤتمر بروكسل على إعطاء الأولوية من ضمن تعهداتهم اليوم، إلى نداء تعليم الأطفال في سوريا وفي المنطقة. “فنحن نعتمد على دعمكم المستمر”.
بيدرسون: المطلوب الآن هو الوحدة الدولية
وفي الجزء الافتتاحي من المؤتمر تحدث المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، مشيرا إلى أنه قبل عشر سنوات، كانت سوريا من الدول ذات الدخل المتوسط، وقد تحولت في غالبيتها العظمى إلى مستوى العوز والمعاناة، حيث أصبح 60 في المائة من سكانها معرضين لخطر الجوع هذا العام – نصفهم شردوا من ديارهم، والملايين الآن يعيشون كلاجئين أو مشردين داخليا.
وأشار المبعوث الخاص إلى أن التوترات العسكرية لا تزال شديدة. كما أن اندلاع أعمال العنف يجري بشكل متكرر، ولا تزال المستشفيات والمدنيين يتعرضون للقصف، حيث تعمل خمسة جيوش أجنبية على مقربة من بعضها البعض، مما يعني أن النيران قد تشتعل من جديد في أي وقت.
وأكد في هذا السياق أن التقدم نحو وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن 2254 لا يزال أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وفي كلمته كرر المبعوث الخاص دعوة الأمم المتحدة إلى “ضرورة التخفيف من تأثير تدابير العقوبات حتى لا يتم إعاقة قدرة سوريا على الوصول إلى المساعدة الإنسانية والدعم الطبي.”
وبحسب غير بيدرسون، فإن المطلوب اليوم للتمكن من الاستجابة للتحديات المذهلة التي تواجه سوريا وتطلعات شعبها لتحقيق السلام هو بالفعل “وحدة دولية”:
“وحدة في التعهد بالدعم المالي اللازم طبعا. وحدة في دعم جهود الأمم المتحدة لتسهيل تنفيذ جميع جوانب القرار 2254. ووحدة في تعزيز تحديد الخطوات المتبادلة التي من شأنها أن تمكّن من التقدم نحو هذه الغاية.”