رايتس ووتش: آلاف الأجانب محتجزون بشكل غير قانوني في شمال شرق سوريا

على الدول استعادة مواطنيها وضمان الإجراءات القانونية للمشتبه بانتمائهم إلى "داعش"

قالت “هيومن رايتس ووتش” إن نحو 43 ألف أجنبي من الرجال، والنساء، والأطفال المرتبطين بـ تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بـ داعش ما زالوا محتجزين في ظروف لا إنسانية أو مهينة من قبل السلطات الإقليمية في شمال شرق سوريا. يحدث ذلك غالبا بموافقة صريحة أو ضمنية من الدول التي يحملون جنسياتها، بعد عامين من اعتقالهم أثناء سقوط التنظيم.

لم يمثل المعتقلون الأجانب قط أمام محكمة، ما يجعل احتجازهم تعسفيا وإلى أجل غير مسمى. بينهم 27,500 طفل، معظمهم في مخيمات مغلقة و300 على الأقل في سجون مزرية للرجال، وعشرات آخرون في مركز مغلق لإعادة التأهيل. يعاني المعتقلون من تصاعد العنف وتقلص المساعدات الأساسية، بما فيها الرعاية الطبية. في إحدى الحالات، رفضت فرنسا السماح لامرأة لديها سرطان القولون المتقدم بالعودة إلى بلادها لتلقي العلاج. قالت امرأة محتجزة لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد الحراس دهس طفلا بسيارة فكسر جمجمته.

قالت ليتا تايلر، مديرة مشاركة في قسم الأزمات والنزاع في هيومن رايتس ووتش: “يدخل الرجال والنساء والأطفال من جميع أنحاء العالم عاما ثالثا من الاحتجاز غير القانوني في ظروف تهدد الحياة في شمال شرق سوريا، بينما تغض حكوماتهم الطرف. على الحكومات أن تساعد في تأمين محاكمة عادلة للمعتقلين المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة وإطلاق سراح أي شخص آخر، وليس المساعدة في خلق غوانتانامو جديد“.

قالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومات الفاعلة في هذا الحبس التعسفي قد تكون متواطئة في الاحتجاز غير القانوني والعقاب الجماعي لآلاف الأشخاص، ومعظمهم من النساء والأطفال الصغار.

في فبراير/شباط ومارس/آذار 2021، تواصلت هيومن رايتس ووتش عبر الرسائل النصية، أو البريد الإلكتروني، أو الهاتف مع ثماني نساء أجنبيات محتجزات في مخيمات لأفراد عائلات المشتبه بانتمائهم إلى داعش في شمال شرق سوريا، وكذلك مع أقارب خمسة محتجزين في المخيمات. تحدثت هيومن رايتس ووتش أو راسلت بالبريد الإلكتروني أعضاء ست منظمات إغاثة وست مجموعات مجتمع مدني تضغط من أجل إعادة المحتجزين إلى الوطن، وكذلك السلطات الإقليمية، ومسؤولي حكومات غربية، ومسؤولين في الأمم المتحدة، وصحفيين، وأكاديميين. بالإضافة إلى ذلك، راجعت هيومن رايتس ووتش عشرات التقارير، والمقالات الإعلامية، ومقاطع الفيديو حول المخيمات والسجون.

روى الأشخاص الذين قوبلوا أن الأمهات والأطفال يزداد يأسهم بينما يكافحون للحفاظ على كرامتهم وسط ظروف قاسية ومخاوف من الإصابة بفيروس “كورونا”. قالت ثلاث نساء في مخيم روج إن الحراس صادروا المصاحف، وهددوا النساء لارتدائهن النقاب، وداهموا الخيام ليلا. قالت النساء وأحد الأقارب إن النساء اللواتي يضُبطن وهن يحملن هواتف خلوية أو يشتبه في حجبهن معلومات بشأن جرائم في المخيم يتعرضن أحيانا للضرب والسجن لأيام أو حتى أسابيع. نفت السلطة الإقليمية، المسماة “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا”، أي انتهاك من قبل الحراس، وقالت إن بعض النساء هاجمن الحراس بالحجارة والأدوات الحادة. قال نائب الرئيس المشترك للإدارة الذاتية بدران جيا كرد لـ هيومن رايتس ووتش إن النساء يُسجنّ في معظم الحالات “لبضعة أيام” فقط إذا حاولن الفرار.

قالت قريبة امرأة محتجزة إن الأخيرة كانت لديها ميول انتحارية. كتبت أمٌ شابةٌ أن الحياة اليومية في المخيمات جعلتها ترغب في “الصراخ بأعلى صوت”:

إنه مرهق نفسيا. … الوضع لا يتحسن هنا أبدا. دائما أسوأ. … غالبية الأطفال في المخيم مرضى. يحدث شيء سيئ كل يوم تقريبا. أطفال عالقون في خيام محترقة ويموتون. … لدينا خزان مياه فيه دود. المراحيض متسخة لذا بدأ الناس في بناء مراحيضهم الخاصة.

مثل جميع المحتجزين الذين تواصلوا مع هيومن رايتس ووتش، طلبت النساء عدم ذكر أسمائهن أو جنسياتهن خوفا من انتقام المحتجزين الآخرين أو حراس المخيم.

قال جيا كرد إن احتجاز الأجانب “يمثل عبئا كبيرا” على الإدارة الذاتية التي تعاني من ضائقة مالية. “المجتمع الدولي، ولا سيما الدول التي لديها مواطنون في المخيمات والسجون، لا يتحملون مسؤوليتهم. هذه المشكلة، إذا لم يتم حلها، فلن تؤثر علينا فحسب، بل على العالم بأسره”.

على الدول التي لديها مواطنون محتجزون في شمال شرق سوريا الاستجابة للنداءات المتكررة من قبل الإدارة الذاتية لمساعدتها على توفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين، بما فيه حق الطعن في شرعية وضرورة احتجازهم أمام قاض. يجب الإفراج فورا عن جميع المعتقلين المحتجزين في ظروف لا إنسانية أو مهينة، أو الذين لم توجه إليهم تهم جنائية معترف بها فورا في إطار إجراءات عادلة.

كما على الدول الاستجابة لمناشدات الإدارة الذاتية المتكررة لها لإعادة المحتجزين غير المتهمين بجرائم، وإعطاء الأولوية للفئات الأكثر ضعفا. الأطفال العائدون إلى الوطن يجب أن يكونوا برفقة والديهم، تماشيا مع حق الطفل في وحدة الأسرة. يجب نقل الأجانب الذين قد يواجهون مخاطر الموت أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة في بلادهم إلى دولة ثالثة آمنة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه عند نقل المحتجزين إلى الوطن أو الخارج، يمكن تزويد المحتجزين بخدمات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج، كما يمكن التحقيق معهم ومقاضاتهم حسب الاقتضاء. يجب معاملة الأطفال الذين عاشوا في ظل داعش وأي نساء تم الاتجار بهن من قبل داعش كضحايا أولا، ويجب ألا يواجه الأطفال المقاضاة والاحتجاز إلا في ظروف استثنائية.

في غضون ذلك، على الحكومات الأجنبية والمانحين زيادة المساعدات فورا لتحسين ظروف المخيمات والسجون في شمال شرق سوريا. كما عليها الضغط على مجلس الأمن الدولي لإعادة تفويض عمليات المساعدات الحيوية عبر الحدود الشمالية الشرقية والشمالية الغربية لسوريا لتسريع إيصال المساعدات.

من المعروف أن 25 دولة فقط استعادت مواطنين من شمال شرق سوريا، ومعظمها استعادت أو ساعدت في استعادة عدد قليل فقط من الأيتام أو الأطفال الصغار، وفي بعض الحالات بدون أمهاتهم.

تقدم الأمم المتحدة والجهات المانحة، بما فيها عديد من البلدان الأصلية للمعتقلين الأجانب، مساعدات إنسانية للمعتقلين وغيرهم في شمال شرق سوريا. لكن خبراء الأمم المتحدة وآخرين يقولون إن النقص الحاد في المياه النظيفة، والغذاء، والدواء، والمأوى الملائم، والأمن مستمر.

موّل الجيش الأمريكي، الذي يقود “التحالف الدولي ضد داعش”، إجراءات لتعزيز الأمن وتخفيف الاكتظاظ في بعض السجون، وفقا لـ جيا كرد، وتقارير إعلامية، والحكومة الأمريكية. مع ذلك، يبدو أن الإجراءات لم تفعل شيئا يذكر لجعل السجون تمتثل لمعايير الاحتجاز الدنيا. علاوة على ذلك، لم تمول الولايات المتحدة ولا أعضاء آخرون في المجتمع الدولي، بما فيها الدول التي لديها مواطنون محتجزون في شمال شرق سوريا، أي إجراءات لتوفير الإجراءات القانونية الواجبة للسجناء، بحسب جيا كرد.

كما ورد أن التحالف الدولي ضد داعش يخطط لتمويل بناء مراكز احتجاز إضافية للنساء المشتبه بهن، فضلا عن “مركز إعادة تأهيل” بسعة 500 سرير للصبيان الأكبر سنا. بحسب تقارير، تمول المملكة المتحدة، وهي عضو رئيسي آخر في التحالف، مشروعا لمضاعفة قدرة أحد السجون في الحسكة، من 5 آلاف إلى 10 آلاف معتقل. لم يستجب مسؤولو دفاع بريطانيون وأمريكيون لطلبات التعليق في الوقت المحدد.

قالت تايلر: “تحسين ظروف السجن المروعة لا يغير حقيقة أن الاحتجاز لأجل غير مسمى دون مراجعة قضائية غير قانوني. توسيع السجون ومراكز إعادة التأهيل المقفلة لتكديس مئات الأطفال الذين لم يختاروا حتى العيش في ظل داعش  هو إجراء يفتقد إلى الضمير”.


هيومن رايتس ووتش

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية