احتفى غوغل الشهر الماضي بميلاد الأديب الروسي والشاعر الفذ بوريس باسترناك، صاحب الرواية الوحيدة التي أطبقت شهرتها الآفاق، وترجمت لأكثر من عشرين لغة، بعد منع طباعتها في الإتحاد السوفيتيتي.
فتبنت طباعتها إحدى دور النشر الإيطالية عام 1957 بعنوان (دكتور زيفاكو) ..
ونالت في العام التالي جائزة نوبل للآداب، فاتصل مجلس السوفييت الأعلى المؤلف وأمروه برفض قبول الجائزة.
دكتور زيفاكو
تروي في جزئها الأكبر صورا حقيقية من حياة المؤلف باسترناك، وعمق خيبته بشعارات الإشتراكية ، والتي لامس المحظور في انتقاد النظام الشيوعي خلال السياق الروائي.
دعوا هذا الشاعر قاطن الغيوم
بعد نشر الرواية في خضم صراعات الحرب الباردة، تسببت هذه الرواية بحظر أعمال باسترناك. وفِي مقدمتها هذه الرواية التي هاجمتها صحيفة البرافدا بعنف واصفة مؤلفها بأسوأ النعوت.
سمح بطباعة الرواية لأول مرة عام 1987 بعد اطلاق شعار الغلانسنوست (العلنية)، خلال المرحلة الغورباتشوفية.
وسبق للبوليس السري أن قدم لائحة بأسماء الأدباء المعارضين أو الذين يحتمل فيهم شبهة المعارضة لنظام الستار الحديدي خلال حكم ستالين ..
كان اسم باسترناك، فحذفه ستالين من قائمة الاعتقال قائلا عنه: “دعوا هذا الشاعر قاطن الغيوم“.
موجز الرواية هي عن سيرة الطبيب يوري اندريفيتش زيفاكو، التي التقط فيها باسترناك بملحمية أسطورية، رومانسية الحب وخذلان الثورة، والشرف الانساني، والعلاقات العائلية، وفِي مقدمتها السجن والحرب والحريّة.
تدور الأحداث الكبرى للرواية على خلفية الحرب الأهلية الروسية، وتنتهي بأحداث دراماتيكية، بعد مضي سنوات على الحرب العالمية الثانية.
تجسد فكر باسترناك في استشراف مستقبل الاتحاد السوفييتي الذي انهار بعد بضعة عقود من التجهيل والإفقار، والظلم الإنساني . لتحل محله أنماطا مشوهة من نوع غريب من مزيج رواسب ماضي الحكم الشمولي، مع مافيا محدثة للجريمة التي وظفت كل القيم المنحطة لقمع الإنسان والحريّة.
تحولت رواية دكتور زيفاكو إلى واحدة من أبدع كلاسيكيات السينما الأمريكية والعالمية عام 1965، عندما قام بالبطولة عمر الشريف وجيرالدين شابلن، إبنة الممثل ومؤلف الكوميديا الصامتة في بدايات السينما، شارلي شابلن، وأخرجه ديفيد لين وألف موسيقاه الخالدة موريس جار .
عُدَّ هذا الفيلم أحد أعظم إبداعات السينما الملحمية، ونال خمسة جوائز أوسكار، وبقي حتى اليوم أحد أهم عشرة أفلام في تاريخ السينما إيرادا للأرباح الخيالية.
اقرأوا هذه الرواية ثم شاهدوا الفيلم، وليس العكس، ستجدون فيها صورا من حياتكم الثرة .. المؤلمة.
وستدركون أيضا مقدرة الأدب العظيم على قراءة الماضي .. واستشراف المستقبل ..
ويحضرني في احتفالية غوغل بهذا الروائي الفذ ، مقتطف دوّنه والدي الأديب الراحل بشير فنصة في مقدمة مخطوط إحدى مؤلفاته التي لم تبصر النور حتى اليوم ، لما قال : “إن الفكر الانساني، الذي يقوم على مستوى الوحدة، لاحدود له ولا نهاية، فلا عقائدية ثابتة، ولا قوى مظلمة، ولا جنون عظمة او طغيان، لتحول دون امتداد الفكر النير والعقل المتحرر، والضمير الحي الى العالم بأسره”.