تقرير الأمم المتحدة : الإخفاء والإحتجاز لقمع المعارضة سمة مميزة لعقد من الصراع في سوريا

جنيف، 1 آذار/مارس 2021 –

 بعد عقد من الصراع ، لا يزال عشرات الآلاف من المدنيين الذين اعتُقلوا تعسفيا في سوريا مختفين قسرا ، بينما تعرض آلاف آخرون للتعذيب ، بما في ذلك العنف الجنسي ، أو الموت رهن الاحتجاز ، وفقاً للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية.

تقرير لجنة التحقيق المؤلف مما يزيد عن 30 صفحة والذي صدر اليوم، بناءا على أكثر من 2500 مقابلة تمت على مدار عشر سنوات وعلى تحقيقات حول ما يزيد عن  100 مركز من مراكز الاعتقال، وثق انتهاكات وتجاوزات تاريخية ومستمرة خاصة بالاعتقال من قبل كل الأطراف الرئيسية التي تسيطر على الأراضي في سوريا منذ عام 2011.

أوضحت المفوضة كارين كونينج أبو زيد “إن غزارة الأدلة التي تم جمعها على مدى عقد من الزمان مذهلة ، ومع ذلك فإن أطراف النزاع قد فشلوا في التحقيق مع قواتهم باستثناء حالات قليلة جدا”، وأضافت “يبدو أن التركيز ينصب على إخفاء الجرائم المرتكبة في مراكز الاحتجاز، وليس التحقيق فيها”.

يشير التقرير إلى النطاق الهائل للاعتقال والاختفاء وأنماط الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة، وكذلك لممارسات الاعتقال من قبل الجماعات المسلحة ، بما في ذلك المنضوية تحت ائتلاف الجيش السوري الحر، والجيش الوطني السوري ، وقوات سوريا الديمقراطية ، بالإضافة إلى الجماعات المصنّفة إرهابياً من قبل الأمم المتحدة كهيئة تحرير الشام وتنظيم داعش.

توضح اللجنة في التقرير كيف أنّ الحبس و الاعتقال التعسّفي كان سببًا جذريًا للنزاع، ومحفزاً له، وأنّه سمة دائمة للصراع في سوريا. إن موجات الاعتقال التعسفي المختلفة ظلت ترتكب من قبل المكلفين بالمسؤولية الرئيسيين، بدءاً من الاعتقالات الجماعية للمتظاهرين في الأيام الأولى، إلى الاحتجازات الجماعية للرجال والنساء والأطفال في يومنا هذا.

في أي وقت من الأوقات كان هنالك عشرات الآلاف من الأشخاص محرومون من الحرية بشكل غير قانوني في سوريا. لقد تم استخدام الاعتقال والحبس التعسفي بشكل متعمد لبث الخوف وقمع المعارضة بين السكان المدنيين، أو في أحيان أقل لتحقيق مكاسب مالية. وكذلك قامت الجماعات المسلحة باستهداف الأقليات الدينية والعرقية.

 مع اقتراب العام الحادي عشر من الصراع، تواصل أطراف النزاع إساءة معاملة المعتقلين تعسفيا في مرافق الاحتجاز سيئة السمعة المنتشرة في البلاد. لقد تحمّل هؤلاء المعتقلون أشكال من المعاناة لا يمكن تصورها. وخلص التقرير إلى أن هذا يحدث بعلم ورضا الحكومات التي دعمت مختلف أطراف النزاع، وتدعو اللجنة هذه الحكومات لبذل المزيد من أجل وضع حد للانتهاكات.

إن مصير عشرات الآلاف من المدنيين الذين اختفوا قسراً على أيدي القوات الحكومية السورية لا يزال مجهولاً، علما بأن العديد منهم اختفوا منذ ما يقرب العقد. ويغلب الظن أن العديد منهم ماتوا أو أُعدموا، بينما يُعتقد أن البعض ما زالوا محتجزين في ظروف غير إنسانية.

ويوضح التقرير كيف عمدت الحكومة ، وبدرجة أقل الأطراف الأخرى، إلى إطالة معاناة أفراد أسر المعتقلين وأحبائهم. هذا وأشار رئيس لجنة التحقيق باولو بينيرو إلى “أن مئات الآلاف من أفراد الأسر لهم الحق في معرفة الحقيقة بشأن مصير أحبائهم”. وأضاف قائلا “إن هذا الوضع يشكل حالة من الصدمة الوطنية التي ينبغي للأطراف المعنية والمجتمع الدولي معالجتها فورا. يجب إيلاء اهتمام أكبر للاحتياجات النفسية والاجتماعية للضحايا وعائلاتهم”.

لقد استنتج التقرير أن أيا من الأطراف المتحاربة في سوريا لم تقم بواجبها بما يخص إحترام حقوق المعتقلين تماشيا مع الالتزامات القانونية الدولية.

وخلص التقرير الى أن:

  • الحكومة السورية قامت باعتقال واحتجاز الأفراد بشكل تعسفي، وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سياق الاحتجاز.
  • وقد حرم تنظيم داعش، وهيئة تحرير الشام، والجيش السوري الحر، والجيش الوطني السوري، وقوات سوريا الديمقراطية، أفرادًا من حريتهم بشكل غير قانوني وتعسفي في داخل الجمهورية العربية السورية، بالإضافة إلى أنهم ارتكبوا جرائم حرب في هذا السياق.
  • كما انخرط أيضا تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام في جرائم ضد الإنسانية فيما يخص الحرمان من الحرية، بينما نفذ تنظيم داعش إبادة جماعية كان الاعتقال جزءاً منها.

ويتضمن التقرير عددا من التوصيات ، في مقدمتها ضرورة وقف الانتهاكات ومنعها ، والإفراج الفوري عن فئات معينة من الأفراد، والسماح بمراقبة مستقلة لمراكز الاحتجاز، وتقديم الدعم للضحايا.

قال المفوض هاني مجلي: “وبينما حثت اللجنة باستمرار على مثل هذه الإفراجات استناداً إلى ظروف الاحتجاز المقيتة واللاإنسانية ، فإن الإلحاح أكبر الآن نظرًا لأن السجون المكتظة من المحتمل أن تكون أرضًا خصبة لفيروس كوفيد-19”

كما تحث اللجنة الحكومة على اتخاذ خطوات عاجلة وشاملة للكشف عن مصير المختفين قسراً. هذا وعلى المجتمع الدولي أن يضغط على الأطراف المتحاربة لمنع الانتهاكات ، وإنشاء آلية لحصر المفقودين ، ودعم الضحايا، بمن فيهم السوريون والأجانب المحتجزون في مخيمات النزوح.

ويتضمن التقرير العديد من التوصيات لتعزيز المساءلة عن الجرائم الواردة فيه – بما في ذلك توصية الدول الأعضاء بسن تشريعات فاعلة تمكّنهم من محاكمة الأفراد، كما حدث في قرار المحكمة الرائد الأسبوع الماضي في كوبلنز، ألمانيا ، حيث أُدين مسؤول سابق في الدولة السورية بالمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من خلال التعذيب والحرمان من الحرية.

ومن المقرر تقديم تقرير اللجنة في 11 مارس خلال حوار تفاعلي في مجلس حقوق الإنسان. وسيتبع ذلك في المستقبل تقريراً مطولاً يتضمن معلومات أكثر شمولية عن هذه الانتهاكات.

خلفية

تتألف لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالجمهورية العربية السورية من السيد باولو سيرجيو بينيرو (رئيساً)، والسيدة كارين كونينج أبو زيد، والسيد هاني مجلي، وقد كُلّفت اللجنة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمباشرة التحقيق وتوثيق كافة انتهاكات القانون الدولي داخل الجمهورية العربية السورية منذ آذار/مارس 2011 .


عن الأمم المتحدة – مجلس حقوق الإنسان

يقول محدّثي :
لمّا تخرج الكلمة للعلن …فلا سلطة لك عليها …
كل يرميها بسهم عينه ..

 

ماهر حمصي

إبداع بلا رتوش
إشترك في القائمة البريدية