إن الحكم الصادر اليوم صباحاً في محكمة كوبلنز الألمانية على المتهم إياد الغريب بالسجن أربع سنوات و نصف بجرم التدخل بارتكاب لجرائم ضد الإنسانية في سورية كونه عنصراً في فرع الخطيب بدمشق و جزء من منظومة أمنية يقودها رأس النظام السوري ، هو نقطة تحول جذري في تاريخ الصراع السوري من الناحية السياسية و القانونية .
إن المتابع للقضية المنظورة أمام القضاء الألماني في كوبلنز بموجب الولاية القضائية العالمية و بموجب القانون الإنساني الدولي و القانون الجنائي الدولي بخصوص الجرائم ضد الإنسانية و المرتكبة في سورية ليست مجرد ملاحقة (شخصية) للمتهمين إياد الغريب أو الضابط أنور رسلان و العاملين بفرع الخطيب الأمني بدمشق ، بل هي قضية جنائية متكاملة و ممنهجة تم ارتكابها بكل أرجاء سورية من المؤسسة الأمنية و العسكرية و بأمرة و تخطيط من أعلى سلطة في سورية .
إن عدد سنوات الحكم الصادر بحق المتهمين لا تهم القانونيين بقدر ما أن القضية قد فندت بأدلتها و التي بحثت من الخبراء و الأطراف و هيئة المحكمة بأن هذه الجرائم ممنهجة و تشمل كامل المنظومة الأمنية و العسكرية في سورية ، بمعنى آخر أن هؤلاء المتهمين جزء بسيط من مجموعة مؤسساتية تتبع لقيادة واحدة و يرأسها رأس النظام السوري الذي يعطي الأوامر بالتشاور مع فريقه الأمني في سورية . و إن من كان يُحاكم داخل قفص الاتهام نظام بشار الأسد برمته ، إن جاز التعبير . هذه المحاكمة هي سابقة قانونية في التاريخ القضائي الدولي كونها تمت الملاحقة بموجب الولاية القضائية العالمية و احتراماً لحقوق الإنسان و المواثيق والقوانين الانسانية الدولية ، و لكن الأهم للقضية السورية هي دليل كامل بارتكاب النظام السوري للقتل الممنهج الذي له انعكاسات بعيدة على الوضع السياسي و مستقبله في سورية .
العدالة الانتقالية قد بدأت فعلاً
لا مستقبل سياسي لمجرمي و مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري الجريح ، الأمر الذي سيحرج الدول الراعية و الداعمة لنظام الأسد أمام المجتمع الدولي بعدم قبولهم مجدداً في المشهد السياسي لمستقبل سورية .
إن العمل الدؤوب و الجهد المضني لحقوقيين سوريين و منظمات سورية و بالتعاون مع منظمات قانونية أوربية و دولية كان هو الحجر الأساس بهذه الملاحقات و الوصول لهذه النتائج و التي سيكون صداها أعمق مما نتصور بسبب الارتدادات السياسية التي ستنجم عنه . فالسوريون أصحاب إرادة تمكنوا من متابعة قضيتهم و دون وجود داعم أو صاحب قرار مكانهم بل كانوا أصحاب القرار و المبادرة و حصلوا على أول النتائج .
أرى العدالة الانتقالية قد بدأت فعلاً بمبادرة من السوريين و بقرارهم المستقل و بعيداً عن قرارات مجلس الأمن و المجتمع الدولي الذي سيلتزم بها آجلاً شاء أم أبى .