العتمة ملاذ القتلة، وحدها السلطات التي تمارس الجرائم في الخفاء والعتمة، تعرف معنى لذة العتمة، الضحايا يبحثون عن النور، والسلطات تبحث عن عتمة تستر جرائمها”، بهذه الكلمات تحدث الروائي السوري ضاهر العيطة،معتبرا أن الكتابة صوت الضحية لاسيما في زمن الحرب، لأن اسياد العتمة يسجلون التاريخ حسب أهواءهم ومصالحهم.
ملاذ العتمة رواية صدرت عن دار موزاييك للدراسات والنشر، تناول فيها ضاهر،الحب في زمن الحرب، وعمد في سرده إلى قراءة شخصية المثقف الانتهازي، المرأة وعلاقتها الصميمة بالثورة، صورة اللجوء، وهذا الواقع المازوم، جاءت الرواية في ٢٤٠ صفحة من القطع المتوسط؛ حاول الكاتب فيها الغوص في عمق التأزم النفسي والاجتماعي لبعض الناجين من الحرب في سوريا.
وحول أهمية الكتابة في زمن الحرب، يقول:” تشكّل الكتابة المكان الآمن لي بعيدا عن واقع خانق ومؤلم، ولأن اسياد الحرب يسجلون التاريخ حسب مصالحهم وأهواءهم، تأتي أهمية الكتابة في نقل نبض وضمير الضحايا، وكأن الكتابة صوت الضحية، و إظهار ما تحاول السلطات إخفاءه .
أضاف، العتمة في روايتي حالة فرضتها علينا السلطات الأمنية، وهو ما تترجمه حياتنا التي عشناها، سنوات طويلة في سوريا ، كانوا يعتمون علينا في بيوتنا وحياتنا بقطعهم للتيار الكهربائي، لتصيبنا العدوى بعتمتهم، هم لايحبون ضوء النهار ولاضوء العقل ولا ضوء الفكر، لهذا يحاولون طمس كل هذه الإشراقات، إنها تخيفهم.
و نوه إلى أنه أعتقل في عام 2012، “ولم أجرؤ الكتابة عن تلك التجربة، فاللغة قاصرة عن التعبير، هكذا أرى، نحن معتقلون في سجن كبير أسمه سوريا.”.
شخصيات العمل:
(عاطف، غفران)، و (سيلينا) الإعلامية التي تمثل الصوت الأوربي،تدور عوالم الرواية بين أوربا ودمشق، أوربا كمنصة لجوء، وسوريا كمنصة حرائق وإبادة، الواقع المضطرب ينعكس على العلاقات والشخصيات، فيبدو كل شيء قلق ومريض، الحب بين الشيخ عاطف، الذي يمثل دور المثقف الانتهازي والوصولي المؤيد للنظام ، وغفران إحدى شخصيات الرواية، التي حملت شخصيتها إشارات إلى حضور المرأة الحقيقي في الثورة السورية، غفران ابنة شاعر سجين سياسي سابق ، قتل في أقبية النظام،وهو ما ينعكس بشكل قلق على حالة الشغف التي كانا يعيشانها معا.
يتورط عاطف بعلاقات فساد مع ضابط كبير، ساهما معا في قطع الأشجار المحيطة لنهر بردى وبيعها، أبحجة أنه يمكن أن تكون مأوى للإرهابيين، وبهذا يفقد صفاته الإنسانية .
يكفي أن نتخيل عشاقا أعداء لكل موقفه الذي يتنافى تماما مع موقف الآخر، ثم تدخل سيلينيا الصحفية القادمة من ألمانيا،والتي جاءت لتتقصى عن الحقيقة، فتنشأ علاقة حب بينها وبين حبيب غفران، ربما يحمل هذا مرموزات متعددة، الأنحياز للقاتل، العماء فتنسى ما حولها من مجازر تقول سيلينيا:” كانت كل الأمور متداخلة ببعضها هناك إلى حد الجنون، الحزن ممتزج مع الفرح، والجنس واللهو مع التنسك والتعبد، والعشق مع الكراهية والموت مع الحياة، ما من شيء كان واضحاً، وما من شيء يمكن إدراك جوهره”ص111
وتبرز في العمل جدة سيلينا المقيمة في إحدى الجزر اليونانية،من خلال تعاطفها مع اللاجئين وبكاءها على الغرقى، أحتفاظها باشيائهم التي تطفو على الشاطيء، وكأننا أمام متحف الموت، وبالتالي تغير الموقف الأوربي من الثورة والمجازر التي مورست على السوريين.
أحداث متعددة، وسرد يعري غباء المستبد، ومن يقفون معه، وما بين هذا وذاك من علاقات حب وشغف، ورحلة ومدن جديدة، وحنين، استطاع خلالها ضاهر العيطة رسم شخصيات، مشيرا في كل زاوية إلى حتمية نهاية المستبد.